كتب - عبدالرحمن محمد أمين: يعتبر مجلس عبدالعزيز بوزبون، واحداً من المجالس المعروفة في محافظة المحرق، يشبه المركز الاجتماعي لأهل المنطقة، تقام فيه الأعراس والاجتماعات لمناقشة أمور المنطقة ومشاكلها، وتعقد فيه اجتماعات الجمعيات الأهلية، حيث شهد انطلاق بعض الجمعيات مثل جمعية البركة. وسبق للمجلس أن قام بدور المصلح الاجتماعي بين المتخاصمين، وكان أحد أهم أدواره قبل إنشاء المحاكم الرسمية في البحرين. ولا يزال يسعى حتى اليوم إلى التآلف والتقارب ونزع البغضاء من نفوس أهل المنطقة، بالإضافة تعزيز الوعي الثقافي من خلال استقطاب عدد من المحاضرين من داخل البحرين وخارجها. أسس المجلس المرحوم يوسف حسن بوزبون، الذي شغف بجمع الصور والمأثورات، حتى تحول المجلس إلى شبه متحف، نظراً لما يضمه من صور وآثار. حول هذا المجلس وتاريخ مؤسسه يوسف بوزبون، كان للوطن هذه الوقفة مع ابنه عبدالعزيز... علاقة وثيقة بالبحريقول عبدالعزيز بوزبون، عارضاً لحياة والده يوسف بوزبون: لقد ارتبط أهل البحرين منذ القدم بالبحر، ولم تنفصل هذه العلاقة رغم تعاقب السنين، حيث كان يشكل المهنة الوحيدة قبل اكتشاف حقول البترول، وقاسى الأجداد والآباء من أهوال البحر ونكباته الكثير، حيث انطبعت في ذاكرتهم ذكريات منها الحلو والمر، وكثيرون منهم ركبوا أمواجه العاتية، وداست أقدامهم أراض في جميع قارات العالم واكتسبوا الحكمة. ويوسف حسن عبدالله بوزبون أحد هؤلاء الذين لا تخلوا مجالسهم من أحاديث الذكريات عن البحر، حيث عمل لسنين طويلة في البحر، وكان يسافر من خلاله إلى أفريقيا لإحضار الأخشاب التي كانت تستعمل في ذلك الوقت في البناء، وكان يطوف خلال الرحلة التي تستغرق عاماً كاملاً بالبصرة والهند وبمباسه وزنجبار، كما كان يعمل "غيص” مع النوخذة حسن راشد الذوادي بمهنة "تباب”، وكان التباب يعمل دون أجر، بل لتعلم مهنة الغوص. وبعد اكتشاف النفط عمل في شركة (بابكو)، العام 1944 بأجر روبيتين يومياً. ونظراً لصعوبة المواصلات كان يسكن في عوالي لأسبوع كامل، ولا يعود لأهله إلا يومي الخميس والجمعة. رحلة كفاح ويضيف عبدالعزيز: العام 1956م ذهب الوالد إلى المملكة العربية السعودية بصحبة كثيرين من أهل البحرين مع مقاول يدعى صالح الزياني، وعمل في منطقة الطريف وفي الربع الخالي وأخيراً في مطار الظهران. ومن أهل البحرين الذين عملوا معه كان علي بن شمس وجمعة التيك وأحمد الحلولي، وكان راتبه في السعودية 10 ريالات في اليوم، وكانت وسيلة النقل هي "اللنج” وسعر الرحلة 5 روبيات فقط، وبعد عودتهم إلى البحرين كانت أسمائهم موجودة لدى شركة أرامكو، فكانوا يطلبونهم كلما استجدت عندهم أعمال، وقد عمل في إحدى المرات التي طلبوه فيها مسؤولا عن العمال براتب قدره 90 ريالاً يومياً، وكان هذا الأجر يعتبر كبيراً جداً في تلك الأيام، وفي العام 1961م فتح الوالد محلاً لتركيب أنابيب المياه باسم "فتح الرحمن”. وقد بدأ المرحوم يوسف بوزبون حياته بتعلم اللغة الإنكليزية في شركة نفط البحرين المحدودة مع بداية شبابه، ونال شهادة دراسية في اللغة الإنكليزية، وتمكن بعد إتقانه هذه اللغة من العمل على ظهر السفن بين منطقة الخليج العربي والهند وأفريقيا. وقد مارس المرحوم الأعمال الحرة فافتتح محلاً لتركيب الأدوات الصحية في المنامة، وكانت الدراجة الهوائية هي وسيلته للوصول إلى متجره والعودة منه، كما قام بتركيب الأدوات الصحية في بناية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء.ويذكر عبدالعزيز أن لوالده 10 أبناء، 4 من الذكور و6 من الإناث. وأقام حفل زفافه في منطقة البسيتين، وحضره وكيل وزارة الداخلية الأسبق المرحوم الفريق الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبدالله آل خليفة، وقد توفى السبت 20 نوفمبر 1999م، وشيع جثمانه صبيحة اليوم التالي بمقبرة الحد تحقيقاً لوصيته، وشارك في دفنه المئات من محبيه وأصدقائه، و كان قبل وفاته قد أهدى متحف البحرين الوطني مجموعة نادرة وثمينة من الصور القديمة، فكرمته وزارة الإعلام تقديراً له. عاشق لابن فارس ويشير عبدالعزيز إلى أن الفقيد كان كثير التردد على زملائه من أصحاب المجالس، خصوصاً مجلس محمد بن جاسم سيادي بالمحرق ومجلس المحمود بالحد ومجلس الوزان بالمنامة ومجلس البسام بأم الحصم، بخلاف زياراته المتكررة لدور المسنين و المستشفيات ودور الرعاية. ومما يعرف عنه أنه كان يحمل في يده دائماً "سبحة " مسباح من الحجم الكبير -النمط نفسه الذي أتبعه أنا حالياً- وكان يرتدي البشت كل جمعة لأداء الصلاة، وكان يقوم ولعدة سنوات بتوفير إفطار رمضان لمسجد البسيتين الشمالي بالمحرق ومسجد الزراريع بالمنامة. وإنه كان يقضي أوقات فراغه في دور الطرب للمطربين محمد فارس ومحمد زويد وضاحي بن وليد، كما عمل رئيساً لإحدى دور الفن. وكانت لديه مجموعة كبيرة من أدوات الطرب، قام بتوزيعها على أصدقائه قبل وفاته. بيت العجائب ويكشف عبدالعزيز عن جانب آخر من جوانب أبيه وهو عشقه لجمع الصور الخاصة بالمباني القديمة الآيلة للسقوط والمساجد والبيوت والأسواق، مشيراً إلى أن مجلس أبيه يوسف بوزبون كانت جدرانه مغطاة بمجموعة كبيرة من الصور، حيث تولدت لديه هواية جمع الصور منذ صغره، وكانت البداية عندما شاهد في زنجبار بيتاً يسمى "بيت العجائب”، يحوي صور زعماء العالم في ذلك الوقت، ومنها عشق تصوير البيوت المعرضة للانهيار أو الهدم، وقام بتزويد وزارة الإعلام بمجموعة من هذه الصور النادرة، معروضة الآن في المتحف الوطني، كذلك حاز هدايا من وزير الإعلام الأسبق المرحوم طارق عبدالرحمن المؤيد، وقد اعتاد مجموعة من أصدقائه رؤية هذه الصور، حيث منع تصويرها إلا للدوائر الحكومية والصحف الوطنية. وكان ضمن هواياته جمع المسابح، ولديه مسبحة مضى عليها 120 عاماً، وجرة عمرها 200 عام. بداية المجلس 1961 يرجع عبدالعزيز تاريخ مجلس بوزبون، الى العام 1961م، بعد استقرار والده في البحرين بعد مرحلة طويلة من عمره طاف خلالها مختلف دول وقارات العالم للعمل. حيث كان يفتح مساء كل يوم أحد، وهو الموعد نفسه الذي يفتح فيه المجلس حالياً، حسب وصية والده، ويتوافد عليه أسبوعياً محبي وأصدقاء أبيه من مختلف مناطق البحرين بسبب دماثة خلقه وطيب قلبه وعظيم كرمه. يقول عبدالعزيز: نقلت المجلس إلى منزلي الجديد في منطقة البسيتين، وورثت عن أبي "عشق التراث”، فكنت أجمع القطع التراثية والصور القديمة كصور القادة و المطربين، ولا زلت أشتريها وأضعها في المجلس. والمجلس يستقبل الزوار والرواد من كل مناطق البحرين، كما يستقبل الوفود السياحية التي تصل إلى البحرين لتتعرف على طبيعة أهلها من قلب مجتمع البحرين، فنعاملهم معاملة أهل البلد، مبرزين الطابع البحريني والعربي في الضيافة بكل أريحية ومحبة، فهذه هي طبيعة أهل البحرين في القديم والحديث، وبهذه الطبيعة كسبنا حب الجميع في الداخل والخارج. ولدى زيارتك للمجلس القديم ستجد جدرانه الأربعة مغطاة بمجموعة كبيرة من التحف والصور التاريخية والمقتنيات التراثية التي ترمز إلى عادات وتقاليد تلك الدول، التي جمعها والدي المرحوم خلال أكثر من نصف قرن. وبعد عودته من الأسفار توسعت اهتماماته بجمع صور الشخصيات المهمة ذات الأثر التاريخي سواء في البحرين أو خارجها، فقد جمع صوراً نادرة زيّن بها مجلسه الذي أصبح يشبه المتحف الصغير، وتجد فيه صوراً لحكام وأمراء و شيوخ البحرين الحاليين والراحلين ولعلماء وأئمة وشيوخ مساجد، وصوراً لـ "نواخذة” الغوص والبحارة والتجار و«الطواويش”.