كتبت - زهراء حبيب:رفضت المحكمة الدستورية، برئاسة القاضي سالم الكواري، الطلب المقدم من رئيس مجلس النواب، بشأن عرض منازعة بعدم دستورية اللائحة التنظيمية بشأن إلزام المشغلين المرخص لهم بتطبيق النفاذ القانوني، الصادرة بقرار مجلس إدارة هيئة تنظيم الاتصالات رقم (9) لسنة 2009، لعدم مخالفته للدستور.وأشارت المحكمة، في حيثيات الحكم، إلى أن حفظ النظام العام وضمان استتباب الأمن والحؤول دون ارتكاب الجرائم، ما ترنو إليه سياسة حفظ معلومات الاتصال، وتعتبر كلها غايات مشروعة لمكافحة كل ما من شأنه اتخاذ شبكة الاتصالات مطية للمساس بأمن المجتمع.وتتلخص الواقعة في أن مجلس النواب قرر بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين في جلسته الـ25 من دور الانعقاد السنوي العادي الرابع من الفصل التشريعي الثاني المنعقدة في 6 أبريل لعام 2010، عرض منازعةٍ على المحكمة الدستورية للقضاء بعدم دستورية (اللائحة التنظيمية بشأن إلزام المشغلين المرخص لهم بتطبيق النفاذ القانوني) الصادرة بقرار مجلس إدارة هيئة تنظيم الاتصالات رقم (9) لسنة 2009، ناعياً على اللائحة التنظيمية بشأن إلزام المشغلين المُرخص لهم بتطبيق النفاذ القانوني، الصادرة بقرار مجلس إدارة هيئة تنظيم الاتصالات رقم (9) لسنة 2009 مخالفتها المواد (19/أ)، (20/و)، (26)، (31)، (50/أ)، (104/أ) من دستور مملكة البحرين المعدل لسنة 2002.ونعى الطاعن وهو مجلس النواب على النص مخالفته للدستور في أربعة أوجه وهي معالجة اللائحة لموضوع محظور دستورياً عليها معالجتُه وهو حرية الاتصال والحق في سريتها، المرتبط بالحرية الشخصية، بالمخالفة للمواد (19/أ)، (26)، (31) من الدستور. ومعالجة اللائحة لحرية الاتصالات والمراسلات والحق في كفالة سريتها بما لا يتفق والقيود الموضوعية المُقررة في الدستور بشأنهما بالمخالفة للمادة (26) من الدستور.ومعالجة اللائحة لحرية الاتصالات والمراسلات والحق في سريتها بما يحول دون تمكين الأفراد من التمتع بالضمانة القضائية المقررة بهذا الشأن بالمخالفة للمادتين (20/و)، (104) من الدستور، وأخيراً تضمينُ اللائحة أحكاماً تتجاوز حرية الاتصالات إلى المساس بالحرية الشخصية بشكل مباشر، وبما لا يتفق والقيود الموضوعية المُقررة في الدستور بشأنها بالمخالفة للمادة (19/أ) من الدستور.ودفعت الحكومة في مذكرتها بعدم قبول الدعوى الدستورية لتجهيلها، كون الطلب ورد خالياً من بيان النصوص المطعون عليها على وجه التحديد، مكتفياً بالطعن على اللائحة في صيغةٍ مرسَلَة مُجمَلة. وعقّبت المحكمة على الدفع أن مجلس النواب يطعن على اللائحة مناط المنازعة برُمّتها، وهو مطعن شكلي مؤداه قولٌ بعدم اختصاص مجلس إدارة هيئة تنظيم الاتصالات بإصدار تشريع ينظم حرية الاتصالات وسريته، وأن الطعن عليها بمخالفتها للقيود الموضوعية المُقررة في الدستور بشأن حرية الاتصالات والمراسلات والحق في كفالة سريتها، وحق اللجوء إلى القضاء، والمساس بالحرية الشخصية، والتي تضمنتها المواد (1)، (3)، (7)، (8)، (9)، (12) من اللائحة.وأشارت المحكمة أن المادة (78) من قانون الاتصالات التي اقتضت أن: (يلتزم كل مشغل بأن يوفر على نفقته الخاصة جميع الإمكانات الفنية من أجهزة وغيرها التي تتيح للأجهزة الأمنية النفاذ إلى الشبكة تحقيقاً لمتطلبات الأمن الوطني، على أن يتزامن تقديم الخدمة مع توفير الإمكانات الفنية المطلوبة بمراعاة التقدم التقني، وذلك وفقاً لما تنص عليه الأنظمة والقرارات التي تصدرها الهيئة)، بحسبان أن النص الطعين وهو (اللائحة التنظيمية بشأن إلزام المشغلين المرخص لهم بتطبيق النفاذ القانوني)، الصادرة بقرار مجلس إدارة هيئة تنظيم الاتصالات رقم (9) لسنة (2009) قد صدر تنفيذاً لها، مستمِداً منها قواعده وأحكامه، بما مؤداه امتناع قصر نطاق الدعوى الدستورية الماثلة على النص المطعون عليه فيها وحده.وأوضحت المحكمة في حيثيات الدعوة فيما يخص الطعن في وجهه الأول الذي جاء على سند أن للائحة الطعينة تنظيمَها لموضوع محظور عليها دستورياً معالجتُه بشكل مباشر أو غير مباشر وهو (حرية الاتصال والحق في سريتها المرتبط بالحرية الشخصية) بالمخالفة للمواد (19/أ)، (26)، (31) من الدستور، فإنه مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدستور لئن لم يخوّل السلطة التنفيذية مباشرة شيء من الوظيفة التشريعية إلا في الحدود التي بينتها نصوصه حصراً، وعهد الدستور إليها في حالات محددة بأعمالٍ تدخل في نطاق الأعمال التشريعية ومن بينها إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين.ونصت المادة (39/أ) من الدستور على أن: (يضع الملك بمراسيم، اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما لا يتضمن تعديلاً فيها أو تعطيلاً لها أو إعفاء من تنفيذها، ويجوز أن يعين القانون أداة أدنى من المرسوم لإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذه)، وكان التنظيم الوارد في اللائحة المطعون عليها بشأن تطبيق النفاذ القانوني إنما هو تنفيذٌ لما نصّت عليه المادة (78) المذكورة سلفاً، وعليه فإن اللائحة التنظيمية المطعون عليها لم تأت بأحكام جديدة أو قواعد قانونية مغايرةٍ لما ورد في قانون الاتصالات رقم (48) لسنة 2002، الذي أوردت المادة (3/ج -1-) منه، من بين صلاحيات هيئة تنظيم الاتصالات، ما يلي: (وضع الأنظمة وإصدار الأوامر والقرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون، وتشمل بوجه خاص الأنظمة والأوامر والقرارات المتعلقة، والنفاذ للشبكة ومرافقها). أما الطعن في وجهه الثاني بأن على اللائحة الطعينة تنظيمَها لحرية الاتصالات والمراسلات والحقِ في كفالة سريتها بما لا يتفق والقيود الموضوعية المقررة في الدستور بشأنها - وذلك بما نصّت عليه المادة (9) في بندها الأول من أنه: (يلتزم المشغل المرخص له بحفظ المعلومات المتعلقة بالنفاذ لمدة سنة واحدة من تاريخ كل اتصال يتم بنجاح بين طرفين أو أكثر وسواء نتج عنه نقل محتوى الاتصال أم لم ينتج عنه ذلك)، وما جرت به المادة ذاتها في بندها السادس من أنه: (يلتزم المشغل المرخص له بتوفير المعلومات المتعلقة بالنفاذ للأجهزة الأمنية خلال مدة لا تتجاوز يوماً واحداً)، بما يكون -قولاً من الطاعن- ترخيصاً للتنصّت الدائم على الاتصالات، من دون تقييد ممارسة المشغل المرخص له سلطة حفظ المعلومات المتعلقة بالنفاذ بمجالات ضرورية محددة، وهو ما يجعل من تنظيم اللائحة لحرية الاتصالات والحق في كفالة سريتها تنظيماً مهدداً لها بالمخالفة لنص المادة (26) من الدستور.وعقبت المحكمة على هذا الطعن بأن المادة (26) من الدستور قد جرت بأن: (حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبة المراسلات أو إفشاء سريتها إلا في الضرورات التي يبينها القانون، ووفقاً للإجراءات والضمانات المنصوص عليها فيه). واستطردت المحكمة في هذا الشأن أن المادة (93) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه (يجوز للنيابة العامة أن تضبط لدى مكاتب البريد جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود، ولدى مكاتب البرق جميع البرقيات، وأن تراقب المحادثات والمراسلات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدةٌ في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، ويشترط لاتخاذ أي من الإجراءات السابقة الحصول مقدماً على إذن بذلك من قاضي المحكمة الصغرى، ويصدر القاضي هذا الإذن بعد اطلاعه على الأوراق، وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الضبط أو المراقبة أو التسجيل بناءً على أمر مسبب ولمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة).وأوضحت أن المادة (29) من القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية بالآتي: (للمحامي العام أو من يقوم مقامه أن يأمر بضبط الرسائل بجميع أنواعها والمطبوعات والطرود والبرقيات، وبمراقبة الاتصالات بجميع وسائلها، وتسجيل ما يجري في الأماكن العامة أو الخاصة، متى كان لذلك فائدة في كشف الحقيقة في الجرائم التي تنطبق عليها أحكام هذا القانون، وفي جميع هذه الأحوال يجب أن يكون أمر الضبط أو التسجيل مسبباً ولمدة لا تجاوز ستين يوماً، ولا يجوز مد هذه المدة إلا بأمر من المحكمة الكبرى)، ولما كان من المقرر أن ضمان الحرية الشخصية وصَونها يفترضان بالضرورة إمكانَ مباشرتها من دون قيود جائرة تعطلها أو تحدُّ منها، وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التي تقتضيها مصالح الجماعة وتسوغُها ضوابط ُحركتها، وأن الدستور لئن منح للحرية الشخصية الرعاية الأوفى توكيداً لقيمتها وبلوغاً لغاية الأمر فيها، فإنه لم يغلّ يد المُشرع عن التدخل لتنظيمها.ولفتت المحكمة إلى أن المادة (77) من القانون ذاته إذ أناطت بموظفي هيئة تنظيم الاتصالات سلطة مراقبة تنفيذ أحكامه، فإنها نصت في مستهَلّها صراحة على عدم الإخلال بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، فإن مؤدى ذلك وحاصِلَه أن نية المُشرع تكون قد توجّهت في المادة (78) من القانون إلى إلزام مشَغلي شبكة الاتصالات بتوفير الإمكانات الفنية التي تمكِّن الأجهزة الأمنية من النفاذ إلى الشبكة تحقيقاً لمتطلبات الأمن الوطني بما يتيح فنّياً لهذه الأجهزة ولوجَ الشبكة في أي وقت بشرط أن تكون قد حصلت سلفاً على إذنٍ بذلك من النيابة العامة أو أمرٍ من القاضي المختص، وهو نظرٌ يؤيّده ما ورد في التقرير الخامس والعشرين للجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس النواب بتاريخ 27 يناير 2010، من أن: (المادة (78) من قانون الاتصالات إنما كانت بصدد تحديد التزام المشغل بشأن توفير الإمكانات الفنية والأجهزة اللازمة لممارسة النفاذ من قبل الجهات الأمنية في الأحوال التي يكون جائزاً لهم أصلاً ممارسة هذا النفاذ). وأشارت المحكمة إلى أن النصّ في المادة (7/ بند 2) من اللائحة السالفة تنص على أنه: (يحظر على المشغل المرخص له أو أي شخص آخر الاطلاع على محتوى الاتصال والمعلومات المتعلقة بالنفاذ)، وقد عرّفت المادة الأولى من اللائحة الطعينة محتوى الاتصال بأنه: (المعلومات المرسلة من خلال اتصال، ويشمل محتوى مكالمة هاتفية أو محتوى صفحة على شبكة الإنترنت أو محتوى رسالة نصية قصيرة، أو محتوى أي نوع آخر من الاتصال)، فمن ثمّ يغدو النعي على النص الطعين مخالفته الدستور من هذا الوجه غير قائم على سند.أما الطعن في وجهه الثالث المتعلق بمعالجته لحرية الاتصالات والحق في سريتها بما يحول دون تمكين الأفراد من التمتع بالضمانة القضائية المقررة لهما، قولاً من الطالب بأن اللائحة قد رسمت للنفاذ طريقاً لا يتيح للأفراد الذين يُمارس ضدهم التنصت الآلي والنفاذ القانوني العلمَ بهذا التنصت أو النفاذ، بأن أغفلت النصّ على إلزام المشغل بإعلام المستخدم مسبقاً بذلك، فإنه مردودٌ أولاً: بأن المعلومات المتعلقة بالنفاذ التي تسري على جميع الاتصالات على مدار الساعة ويتم تسجيلها وحفظها لمدة سنة واحدة في سرية تامة -بحسب ما نصت عليه المادة (9) من اللائحة- يتعذر عقلاً وعملاً إخطارُ أصحابها، كُلَّ حينٍ وأوان، بما تمّ من حفظٍ لبياناتها جميعاً.وفيما يطعن الطعن بأن اللائحة تضمنت أحكاماً تتجاوز حرّية الاتصالات إلى المساس بالحرية الشخصية بشكل مباشر وبما لا يتفق والقيود الموضوعية المُقررة في الدستور بشأنها، على سند من القول إن من حق الإنسان ألا يكون محلاً للمراقبة الدائمة من قبل السلطة أو أي جهة أخرى لما في ذلك من إثقالٍ لكاهله بقيد داخلي يَنقَض ظهره، انتهاكاً للحرية الشخصية للأفراد بدون مبرر.وجاء رد المحكمة على هذا الطعن بأن حفظ النظام العام وضمانَ استتباب الأمن والحؤولَ دون ارتكاب الجرائم، وهو ما ترنو إليه سياسة حفظ معلومات الاتصال على نحو ما جرى به التنظيم التشريعي الماثل والمقارن، تعتَبر كلها غايات مشروعة ترتقي إلى مصاف المبدأ الدستوري على النحو المستخلَص من المادة (4) من الدستور المعدَّل فيما جرت به من التنصيص على (الأمن) بحسبانه من دعامات المجتمع التي تكفلها الدولة، ومن ضمنها مكافحة كل ما من شأنه اتخاذ شبكة الاتصالات مطية للمساس بأمن المجتمع، ومن جماع ما تقدم فإن اللائحة المطعون عليها، وكذلك المادة (78) من قانون الاتصالات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (48) لسنة 2002 - في حدود النطاق المبين بالأسباب - لم تعتوِرهُما مخالفةُ أحكام المواد (19/أ)، (20/و)، (26)، (31)، (50/أ)، (104/أ) من الدستور أو أي حكم آخر من أحكامه، فإن القضاء يرفض الطلب.