^ من منَّا لا يعرف الموهبة الأردنية العظيمة “محمد صياحين” والذي تم عرض قدراته الرهيبة في عدِّ حروف أية جملة عربية في غضون ثانية واحدة من الزمن. جاءت الموهبة الأردنية عبر برنامج “إم بي سي” الشهير، والذي أصبح مرادفاً لنشرة الأخبار “Arabs Got Talent 2” ليعلن عن هذه الموهبة العربية. يستطيع الأردني صياحين أن يحسب عدد حروف الجمل التي تُلقى أمامه في ثانية واحدة كما ذكرنا، وربما هذه قدرة عربية جديدة، لا يمكن لأي مخلوق أن يتمتع بها، حتى لو تدرب عليها عشرات السنين. إن هذه الحالة الاستثنائية العربية، ستكون منطلقاً لحديثنا اليوم عن مستوى قُدرات العرب، في إحصاء أخطائهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، سواء على الصعيد الشعبي أو الرسمي، من أجل الاستفادة من تلك الإحصاءات، للوقوف من جديد على واقع التجربة، لأخذ الدروس منها والعبر. نحن ربما لا نحتاج إلى ثانية واحدة أو حتى سنة كاملة، في حال أردنا تعداد أخطائنا في كل المجالات، فمن الممكن أن تكون هناك خطة زمنية خَمْسية أو عشْرية، أو حتى أكثر، لمعرفة أين نحن من العالم، وأين وصلنا، وكيف يمكن أن نصل؟ نحن في الحقيقة أمَّة تسير على “البركة”، فليس لدينا خطط للإصلاح ولا مشروعات واضحة للتنمية، كما ليس لدينا الوقت الكافي “ما شاء الله علينا” لمحاسبة تجربتنا لأجل تقييمها ونقدها، فنحن مادمنا عرباً، فإن كل شيء نفعله هو عين الصواب. لا يمكن لنا ونحن في زمن الأرقام والحسابات المعقدة أن نُسَيِّر حياتنا وفق قانون “البركة”، بل يجب لكي ننهض، أن نقوم بنقد علمي قاسٍ للتجارب والمشروعات، خصوصاً السياسية منها، لأنها قوام الحياة، وعماد بناء الدولة ومؤسساتها، وبها تنشط كل منظمات المجتمع المدني حين تنشط، وتخمل حين تخمل تلك. نحن في الواقع نعمل، لكننا لا نقيِّم عملنا، ونحن نجهد أنفسنا، لكننا لم نتعبها في تصحيح الأخطاء، بل نراكمها، اعتقاداً منَّا، أن هذا، هو الذي يُسمى، بتراكم التجارب والخبرات الإنسانية!. عام أمرّ من المُرّ، مرَّ على البحرين، فأين من وقف بكل جُرأة في وجه نفسه قبل أن يقف في وجه خصمه، ليحاسب ذاته ويقيّم تجربته، ليعرف حجم الأخطاء والكوارث التي ارتكبها في حق غيره وفي حق الوطن؟ مع مرور الوقت، نجد مع الأسف أن من بيننا أصواتاً (تردح ردحاً) نحو الفتنة وشق الصف وتأليب الطوائف وتمزيق اللحمة، بتتبع قبيح من الغرائز المنفلتة والطائشة. إذا كان “صياحين” يضبط إيقاع حروف الجُمل العربية في كل مرَّة فلا يخطئها، فإننا في البحرين في أمسِّ الحاجة إلى الكثير من الحسابات الدقيقة التي تخرجنا من نفق “الأنا” و”الهوى”، إلى عالم أكثر طهرانية ونقاء، عالم يحترم الآخرين ويُجلّهم ويقْبَلَهُم، ولا يرضى أن يطولهم الزوال. عددوا أخطاءكم، ولا تُفَوِّتُوا منها أي خطأ ولو كان صغيراً، فالأرقام الصغيرة ستكبر وربما تتكدس، لكنها حين تسقط، فإنها سوف تسقط على رؤسنا جميعاً. قليل من الحمقى، هؤلاء الذين لا يحسبون أخطاءهم ولا يقيِّمون تجاربهم، لكن حين ينهدّ كل الذي بنوه من باطل، سنكون نحن أوَّل من سيتحمَّل كل أوزارهم وكل طيش لم يحسبوه “صح”، فرفقاً بالحساب قبل يوم الحساب.
أمة تسير على البركة لا بركة في مسعاها
27 مايو 2012