^ جهود فترة طويلة تصرف في إقناع مجموعة ما بصحة رأي معين أو نظرية أو توجه أو تغيير سلوك ما يمكن أن تنسف في لحظة بكلمتين من رجل دين يلقيهما من على منبر في جامع أو حسينية. فلرجل الدين قدرة غير طبيعية في نسف أي فكرة لا يؤيدها وإحلال البديل الذي يؤيده في كل العقول مهما اعتلت مراتبها، حيث يكفي أن يقول يجوز أو لا يجوز ليجوز الشيء أو لا يجوز وليقبل الناس عليه أو يرفضونه، ذلك أنه هو الذي يقبل وهو الذي يرفض، فالمنبر الديني يمكن أن يكون تحريضياً بامتياز لو أراد المتحكم فيه أن يكون كذلك ويمكنه أن يكون مسالماً لو أراده أليفاً مسالماً. كلمة واحدة يقولها رجل المنبر الديني يمكنها أن تقلب الأمور رأساً على عقب، بإمكانه أن يشعل الساحة بها وبإمكانه أن يهدئها، ولأن الناس في بلادنا أسرى المنبر الديني بحكم الثقافة الدينية المسيطرة، فإن خطاب المنبر الديني هو الأكثر قدرة على تحريكهم وتسكينهم، هو الذي يوقفهم ويجلسهم، وهو الذي يكفرهم ويوزع عليهم شهادات الإيمان، فهو وحده الذي بإمكانه أن يدخلهم الجنة وهو وحده الذي بإمكانه أن يحرمهم منها. ليس رجل السياسة من يحرك ما يتحرك في الشارع اليوم ولكنه رجل المنبر الديني، فهذا الأخير هو الذي يحرك الناس متى يشاء وكيفما يشاء من دون أن يكون لهم حق السؤال عما يجري وعما يريده ويرمي إليه، يكفي القول إن فلاناً المسيطر على المنبر الديني قال كذا لتعتبر فتوى يتم الالتزام بها، وليست فتوى (اسحقوه) منا ببعيد، حيث لايزال مجتمع البحرين يشهد آثارها حتى اليوم رغم الفهم الخاطئ لها، ذلك أنه يكفي للالتزام بها وتأويلها أنها قيلت من على منبر ديني. هذا يعني أنه بإمكان رجل المنبر الديني أن يوقف كل أعمال الفوضى التي تحدث في البلاد لو أراد، وهو يعني أيضاً أنه هو الذي لا يريد لها أن تتوقف لأنه لا يدعو إلى التوقف عنها (فلو كان يريد أن يوقف أعمال التخريب وقطع الشوارع وحرق الإطارات فإنه يمكنه ذلك ببساطة، ولو كان يريد الحوار لأشار إليه ونصح به) ! ويعني كذلك أن الحاجة ماسة إلى إيجاد نوع من التفاهم مع هذا الطرف المتحكم أو التعامل معه بطريقة تؤدي إلى أن يغير من عقليته قليلاً لصالح الناس الذين يقودهم ويتحكم في رقابهم، وهذا يؤدي إلى سؤال مهم هو من الجهة التي يمكنها أن تقوم بهذه المهمة؟ وسؤال هو ما هو التصرف الذي ينبغي أن تعتمده الدولة إزاء رفض هذا المنبر الاستجابة إلى هذا الذي يراد منه القيام به؟ ما هو واضح لكل ذي عينين هو أن “السياسيين” من الوفاق والعمل الإسلامي وغيرهم لا إرادة لهم ولا تصرف ولا قرار، فالإرادة والتصرف والقرار بيد رجل المنبر الديني وليس بيدهم، وأنهم إن دخلوا أي حوار فإنما يقولون ويفعلون ما يصلهم من توجيهات من المنبر الديني الذي لا رأي في وجوده حتى لـ “السياسيين” التابعين للجمعيات الليبرالية الذين للأسف الشديد صار لا حول لهم ولا قوة وصاروا تابعين للجمعيات السياسية الإسلامية التي يتحكم فيها المنبر الديني. هذه مجموعة من الإشكاليات لو تم حلها لأمكن ببساطة الوصول إلى حل المشكلة التي تعيشها البحرين منذ أكثر من سنة، فهل بيننا من “يجرؤ” على مناقشة المنبر الديني؟ وهل يمكن اتخاذ موقف صارم من قبل الجهات ذات العلاقة في حال رفض المنبر الديني الاستجابة للدعوات العاقلة؟ أم تستمر في الاكتفاء بإصدار البيانات والتعبير عن المواقف؟
المنابر الدينية الناسفة!
27 مايو 2012