كتبت - شيخة العسم: وضعت الحكومة مؤخراً استراتيجية في مجال الطفل، من أولوياتها وضع تدابير واقتراحات وبرامج مناسبة للحيلولة دون جنوح الأطفال والشباب إلى سلوكيات مضادة للمجتمع، أو الاستجابة لاستغلالهم في أنشطة غير مشروعة وضارة. وأكدت وزيرة التنمية د. فاطمة البلوشي في الاجتماع الأول للجنة العليا لمعالجة قضايا الناشئة - التي أنشأت بموجب قرار من مجلس الوزراء؛ بهدف دراسة جرائم الشباب وبالتالي وضع آليات للحيلولة دون العنف لدى الناشئة- إن الناشئة هم فلذات أكباد الأسر البحرينية ويتعين على الجميع المساهمة بشكل فاعل ومؤثر، من أجل تحصين هذه الفئة عن الاستغلال السياسي أو الانحراف السلوكي من خلال الانحراف في ممارسة العنف أو الاستجابة لدعوات التحريض والكراهية والتفتيت الاجتماعي. يأتي هذا في وقت تعاني فيه معظم دول العالم من ازدياد العنف لدى الأطفال بشكل ملحوظ، فلا يكاد يخلو سجن من سجون العالم من أعداد كبيرة من الشباب، ويزيد من القلق العالمي، دخول فئات جديدة من الأطفال والشباب دائرة الإجرام، فهناك جرائم تصل عقوبتها إلى حد الإعدام. أمام ما سبق، نتساءل عن واقع جنوح الأحداث في المملكة، وهل تشكل نسبتهم خطراً حقيقياً أم أنها حالات يمكن السيطرة عليها، وتوجيهها التوجيه السليم.. وما هي العوامل التي تؤدي بالطفل إلى الجنوح، كل ذلك بالاستفادة من آراء أهل الاختصاص. فإلى التحقيق التالي...علاقة العمر بالجنوح يشير مدير مدرسة النعيم الثانوية للبنين محمود الشيخ، إلى علاقة العمر بالجنوح، مبيناً أنه كلما كان سن الطفل أكبر كلما قل مستوى العنف لدية. ويضيف الشيخ: لقد كنت مديراً سابق لإحدى المدارس الإعدادية، ووجدت العنف فيها أكبر بكثير مما نجده في المدارس الثانوية، إذ إن المدارس الثانوية يكون فيها العنف بدرجة أقل ولا تتعدى الكلمات والألفاظ، ونادراً جداً ما نشاهد مشاجرات، أما بالنسبة للمرحلة الإعدادية فقد واجهنا كثيراً من المشاكل والشجارات، لا تقتصر على التلاميذ وحدهم، بل تصل للانتقام من المدرسين أيضاً، ففي واقعة أذكرها أن أحد الطلبة خرج من امتحان رسب فيه، فتوجه لسارة مدرسة المادة وقام بتكسيرها. وفي حالات مثل هذه يمكن أن تحول القضية لمركز الشرطة، بتهمة تخريب ممتلكات خاصة خارج المدرسة. ونحن في الإدارة لدينا ثلاثة حلول أو علاجات لكل مخالفة، فنبدأ باللقاء، ولدينا لائحة بالمخالفات الطلابية، تقوم بتوجيهنا لكيفية اتخاذ الإجراءات بحسب المخالفات للطلبة. وحول أسباب العنف، يتابع المحمود: أن أكثر ما مر بي شخصياً من قضايا الطلبة، أسبابها تتعلق بعنف الأب، فالابن يتحول إلى عنيف مثل أبيه، ثانياً حب السيطرة والسيادة، ثالثاً الكبت الذي يعانيه الطالب خلال تواجده في محيط الأسرة والمجتمع، فيقوم بترجمته بصورة سلبية وهي العنف. ونحن بدورنا نقوم في المدرسة بمتابعة هذه الحالات ونستدعي ولي الأمر، وفي حال تكرر الحالة لدى الطلب لأكثر من مرة نقوم بترتيب جلسات مع أخصائيين اجتماعيين بالمدرسة لدراسة الحالة ومعرفة أسبابها، ومن ثم وضع حلول لتفادي تكررها في المستقبل، وهناك حالات تصل درجة العقوبة فيها للتوقيف عن الدراسة أو الطرد. ويشدد المحمود على ضرورة الاهتمام بالنشاطات الرياضية والترفيهية، وربط المدرسة بالمنزل، وتوثيق العلاقات بينهما بالتوجيه التربوي والنفسي في المدرسة، والاهتمام باختيار مديري المدارس، وتنظيم البرامج التدريبية لهم لتفعيل دورهم في الإشراف التربوي.استغلال براءة الأطفالمن جانبه يؤكد مدير مركز معلومات المرأة والطفل سامي دانش أن ما يحدث في البحرين مؤخراً من استغلال لبراءة الطفل في أعمال تخريبية لأهداف سياسية بشعة، هو من أبشع ما مرت به المملكة من إنكار لحقوق الطفل، لافتاً إلى أن المسؤول عن هذه الأعمال قام باتخاذ عدة أساليب لإغراء الطفل، ما يعتبر تجاوزاً لحقوق الطفل. ويشيد دانش بخطوة وزارة التنمية الاجتماعية والوزيرة د. فاطمة البلوشي لوضع خطة وطنية شاملة للحيلولة دون جنوح الأطفال للعنف ومعالجة هذه القضية، مؤكداً أنها خطوة مسؤولة وجميلة تسعى لنبذ العنف وخلق مجتمع محب، أتمنى لها أن تكلل بالنجاح. ويردف دانش: عندما نستخدم كلمة جريمة لعمل قام به طفل، نكون قد استعملنا كلمة كبيرة جداً، والكلمة البديلة هي العنف. ففي كثير من الحالات يكون الطفل هو الضحية وليس الجاني، وهناك أمور كثيرة قد تساعد في زيادة العنف لدى الطفل، وبالتالي في المجتمع، أولها البيت من قبل الوالدين والأخوة، ثانياً المدرسة وهي موجودة في جو مدرسي عنيف كوجوده مع مجموعة شباب عنيفين، يجعله يكتسب مثل هذه السلوكيات من عنف وانحراف، ثالثاً وجوده المتواصل على شبكة التواصل الاجتماعي ووجود تراشق في الكلام البذيء والعنيف، وأيضاً رؤيته للأفلام بشكل عام أيضاً سبب وجيه، إذ أصبح المجتمع مجتمعاً مادياً لا يفكر إلا في الربح، فنجد هذه الأفلام هي الأكثر مبيعاً في حين أنها لا تخدم المجتمع في شيء وإنما تزيده عنفاً، بدل أن تعلمه القيم الحميدة. ويواصل: قرأت مؤخراً عن طعن أحد الأطفال صديقة بآلة حادة، وتبادر إلى ذهني سؤال مفاده «لماذا هذا العنف المكبوت الذي أدى لوصول الطفل إلى طعن أقرب المقربين وهو صديقه؟ عندها أدركت أن هناك مسؤولية مجتمعية أدت لمثل هذه الحادثة، نبدأها بالبيت ومسؤولية الوالدين في التربية والتنشئة الصحيحة للطفل، وثانياً دور المؤسسات التعليمية في توجيه الطلبة للقيم الحميدة، ثالثاً وضع برامج حقيقية تساعد الأطفال والناشئة لإظهار الطاقات الكبيرة في أجسامهم سواء الجسدية أو الفكرية. الأسرة والسلوك العدواني من جهته يلفت رئيس قسم علم النفس بجامعة البحرين د. شمسان المناعي، إلى اتفاق علماء النفس جميعاً أن الطفل يكتسب أول خطوة بشأن سلوكه واتجاهاته وقيمه من أسرته، مشيراً إلى أن ما يقوم به الأطفال والشباب من حرق وتخريب إنما هو سلوك عدواني اكتسبوه من أسره، التي تزرع في أذهانهم منذ الصغر العدوانية والكراهية للمجتمع والبلد منذ نعومة أظافره، مضيفاً: أن هذا هو ما تمارسه أيضاً دور العبادات والمؤسسات التي تدعم هذا الفكر، وبالتالي تنصاع لها الأسر وتقوم بتربية أبنائها عليها، مؤكداً أن إحساس الطفل منذ الصغر بأنه مظلوم وأنه مسلوب الحق وأن أرضه مغتصبة وما إلى ذلك؛ يجعله يحمل حقداً على من يزعمون أنهم يسلبونه حقه. ويضيف د. المناعي: هذه ثقافة يعيشها الطفل وتتسبب له بالعدوانية، لهذا نجد أن هؤلاء الأطفال يقومون بأعمال عنف وتخريب بسبب توجيه أسرهم لثقافة المظلومية وما إلى ذلك، فيكون الطفل مستعداً كل الاستعداد لتقديم أي فعل من الممكن أن يرجع له حقه وينتصر على الظالم. أيضاً الكلمات العدوانية التي أطلقها بعض المشايخ مثل كلمة «اسحقوهم» كان لها ردة فعل إيجابية مبهرة، وكأن عقول المستجيبين مخدرة، وهذا يمثل الدور السلبي لشيوخ المنابر. لتتولد منذ الصغر عند الطفل شخصية عدوانية متعصبة ضد المجتمع، واتجاهات هذه الشخصية تكون غير وطنية وغير إيجابية، فإن الطفل لديه الاستعداد الكامل لاكتساب هذا السلوك من قبل والدية والمحيطين به، فيصبح كما لو أنه قنبلة موقوتة، عندها يصبح ضحية سياسية لأغراض غير شريفة. ويشير د. المناعي إلى قيام برنامج «وِحدة وَحدة» مؤخراً بتنظيم برنامج نقاشي بين الطائفتين الكريمتين، مردفاً: لقد وجدنا أن هناك تجاوباً جيداً من الطرف الآخر، وتوصلت إلى أننا يجب أن نعيد تأهيل الأسر أولاً قبل تأهيل الطفل، لأن الأسرة هي الأساس. كما إن منظمة رعاية الطفل البحرينية التابعة لوزارة التنمية ستنشأ معسكراً في الصيف لأطفال الطائفتين الكريمتين، وسيكون هناك أخصائيون من مملكة البحرين وخارجها، وهو برنامج إرشادي يهدف لخلق ديناميكية التفاعل بين أطفال الطائفتين. أتمنى أن تكون تجربة ناجحة. وأنصح جميع الأسر والمشايخ والقائمين على دور العبادة من كلا الطرفين تعزيز روح المواطنة والتآخى والسلم والمحبة. مراعاة سن الطفل وتبين المحامية سهام صليبيخ أنه في أغلب قضايا الأطفال يراعي القاضي سن الطفل، فيرسله لدور التأهيل بدل الحدث أو السجن مراعاة لنفسيته، إلا أن هناك حالات نادرة يذهب فيها للسجن خوفاً على نفسيته وسلوكه في المستقبل، إلا في حالات يصعب فيها السيطرة على سلوكيات الطفل، مشيرة إلى أن معظم قضايا الأطفال الموجودة في المحاكم تدور حول المشاجرات والسرقات البسيطة، وهناك جريمتان إلى ثلاث لهتك عرض، وفي جريمة وقفت عليها شخصياً بعد انتدابي من قبل المحكمة، قام مراهق بالتحرش بامرأة بإمساكه بعضو حساس، فقامت المرأة بالصراخ، بعدها قام زوج المرأة بضربة وأخذه لمركز الشرطة وفي المركز اعترف المراهق بفعلته إلا أنه قام بإنكارها في المحكمة، فأمر القاضي بأخذ تعهد على والد المراهق بعدم التعرض مرة أخرى للمرأة، وأخلي سبيله. وفي هذه الحالة كان من الممكن أن تقوم المرأة برفع قضية تعويض لكنها لم تفعل. وتوضح صليبيخ: عندما يحول الطفل إلى محكمة الأحداث، تتخذ المحكمة بشأنه بعض الإجراءات مثل إمضاء تعهد بعدم تكرار الفعل مرة أخرى، كما توفر أخصائيين اجتماعيين ونفسيين لمتابعة الحدث، ويتم تأجيل العقوبة إلى أن يتجاوز سن الحدث وهو 15 سنة، عندها تحال القضية للمحكمة لتعاد محاكمته.