كتبت - عايدة البلوشي: « مديري يتحرش بي»، جملة عادة ما تقولها النساء خلسة، ورغم أن القانون وضع عقوبات للتحرش اللفظي أو الجسدي فإن النساء نادراً ما يلجأن إليه. رجال يلقون باللائمة على المرأة لأنها «سمحت» ونساء يخفن «الفضيحة»، ومع الثغرات السريعة في مجتمعنا صار الكل يختلفون أصلاًحول معنى «التحرش».(ع.م) فتاة تعتبر أنها تعرضت لمضايقات ربُّ العمل، وهي تبحث عن فرصة للخروج مما هي فيه من ظروف سيئة. تقول (ع.م): بدأت قصتي مع بداية مشواري لعملي، بعد تخرجي من الجامعة مباشرة، إذ كان المدير يهتم كثيراً بي ويميزني عن غيري، وفي بادئ الأمر لم أكن متأكدة بشأن هذا الاهتمام، وكنت أتصوره رجلاً طيباً يهتم بالموظف الجديد، لذلك لم أهتم كثيراً، لكن مع مرور الأيام شعرت بهذا الاهتمام من خلال السؤال المباشر والاتصال في كثير من الأحيان، إلا أن أسئلته لم تخرج عن نطاق العمل. وعندها تساءلت عن سبب كل هذا الاهتمام الاستثنائي. وتضيف: لقد كنت أنادي رب العمل بـ»أستاذ»، إلا أنه طلب مني مناداته باسمه بحجة أنه لا يحب الرسميات كثيراً، ولأنني لست معتادة على مناداته باسمه، حاولت تجنب التلفظ باسمه عند الحديث معه، فكنت أدخل في موضوع الحديث مباشرة دون ذكر الاسم أو كلمة أستاذ، إلا أنه بمرور الوقت بدأت أناديه باسم بوفلان، لكن ذلك لم يعجبني، فبدأ شعوري بالضيق من أجواء العمل يكبر، رغم أني أحب عملي، إلى أن قررت البحث عن عمل آخر إلا أنني لم أجد، وفي الوقت نفسه لا أستطيع البوح بهذه السلوكيات للأسرة، لأنني تربيت في بيئة تؤمن إيماناً أعمى بمبدأ «البنت هي السبب» وبالتالي ستلقي باللوم علي، وسأخسر سمعتي أمامهم، لذا فضلت الصمت وتجنب الاحتكاك المباشر به، في انتظار عمل جديد.شاب بلا ذوق أما (م.ب) فتعاملت مع جميع الزملاء تحت مظلة العادات والتقاليد ومبدأ الاحترام وبنية صافية، واعتبرتهم أخوة لها في مجال العمل، إلا أنها اصطدمت بزميل بلا ذوق، مشيرة إلى صعوبة أن تبوح المرأة بما يحدث لها في مجال العمل من مضايقات، وهو ما يسبب لها معاناة نفسية شديدة خوفاً من نظرة المجتمع. تقول (م.ب): اعتبر زملائي أخواني الذين لم تلدهم أمي، يقفون معي في كل صغيرة وكبيرة ويساندوني، لكن مع مرور الوقت بدأت أتعرض لنوع من التحرش اللفظي، من خلال التغزل بي من أحد الزملاء الذي أخذ يصف جمالي وأناقتي، في بادئ الأمر كنت أخجل وأصمت وفي الوقت نفسه أحاول تغيير الموضوع والحديث عن موضوع آخر، إلا أنه كان يصر ويواصل عباراته. لا أحب الحديث عن إطراءاته باعتبار أن هذا الأمر دائم الحدوث للمرأة، ولا أريد أنْ أعطي الموضوع أكبر من حجمه، لقد وضعت له خطوطاً حمراء بأسلوبي الخاص من خلال تجنبي الحديث معه. المحمود: صمت المرأة مسؤول عن عذاباتهامن جانبها، تشير الباحثة الاجتماعية هدى المحمود، إلى مسؤولية صمت المرأة عن التسبب بآلام كثيرة لها، ومنها صمتها عن الحديث عما تتعرض له من تحرش، مبينة أن صمت المرأة يأتي بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية، ما يشعرها بنوع من الإحراج مع الأسرة وزملاء العمل، رغم أنَّ الصمت يشجع ويزيد من المشكلة ويجعلها تستمر، كما يأخذها الشباب أحياناً كنوع من التحدي، ويراهن على أن الفتاة ستتجاوب معه. وتضيف المحمود: إن هناك أسباب أخرى للتحرش منها وجود أشخاص ضعاف النفوس وليس لديهم وازع ديني ولا أخلاقي، ويعتبرون التحرش نوعاً من البطولة والتميز، لكن هذا لا ينفي مسؤولية الفتاة، فقد يكون هناك سوء فهم من جانب الفتاة رغم الانفتاح، فقد تبتسم وتضحك مع زملاء العمل، وقد يكون هناك عمل مشترك بينهما فيترجم الشاب هذا التعامل البريء على أنها قد تتجاوب معه، وهنا يأتي دور الفتاة بأن ترسم وتضع خطوطاً حمراء بما هو مسموح وما هو غير مسموح. وتتابع المحمود: إن هذه المشكلة موجودة في مواقع العمل، فكثيراً ما نسمع عن مضايقات الرجل للمرأة في إطار العمل حتى تتوسع الدائرة إلى خارج العمل في بعض الأحيان، لكن يجب أنْ نضع في الاعتبار وننظر إلى الموضوع بعين موضوعية، فإنَّ هناك فرقاً كبيراً بين سوء النية وحسن النوايا، فقد يكون الشاب لا يقصد الإساءة، لكن الفتاة تفهم بطريقة خاطئة، وهناك فئة من الشباب تقصد وتتعمد ويجب أنْ تعاقب. وتواصل: من خلال واقعنا نجد أنَّ أكثر أنواع المضايقات أو التحرشات في نطاق العمل تتم بالتحرش اللفظي، وتبدأ بالمزاح، ولا بد من أن تكون هنا المرأة واعية، وهي غالباً ما تبدأ بالمزاح، كما إنَّ المجاملات الاجتماعية تعطي انطباعاً خاطئاً، لأنَّ الفتاة في كثير من الأحيان تتجاوب مع هذا المزاح، الذي يفهم من قبل بعض الشباب، إنها متساهلة ليبدأ بمضايقتها لفظياً، وهدف الشاب من هذا السلوك هو أن يرضي ما بداخله من غرور أو إحساسه بأنه إنسان حر يفعل ما يشاء. وتردف المحمود: أعتقد أنَّ مثل هذه السلوكيات لا تُعالج إلا وفقاً للقانون والمبادئ، إلا أنها قد تكون صعبة المعالجة، إذ أن من الصعب إثباتها، أما إذا كان الفاعل مسؤول الفتاة فإنه قد يستغل نفوذه ومنصبه، أما الموظف العادي فيستغل موضوع صمت المرأة ويستمر في سلوكه، لأنَّ هناك صمت بدرجة كبيرة وأحياناً تتهم الفتاة نفسها. د. الجندي: حشمة المرأة ومظهرهـــا اللائــــق يحميهــــا ومن جهتها تشدد د. شيخة الجندي من قسم علم النفس بجامعة البحرين على ضرورة تعزيز القيم والمبادئ والأخلاق، والاحتشام في اللبس لأن المظهر أيضاً له دور، مشيرة إلى أن صمت المرأة يتسبب لها بمعاناة نفسية شديدة، وذلك لعدم قدرتها على البوح بما تتعرض له خوفاً من نظرة المجتمع والمحيطين بها، خصوصاً وأنَّ البعض يلقي باللوم على المرأة للمساهمة في تفشي هذه الظاهرة، حيث إنّ هناك كثير من النساء ومن مختلف الأعمار يتعرضن لمثل هذه التصرفات، لكنهن يصمتن خوفاً على سمعتهن أو على عملهن، خصوصاً وأنَّ مثل هذه الحالات يصعب إثباتها قضائياً. وتشير الجندي إلى صعوبة تحديد حجم هذه المشكلة، للصمت المطبق من جانب الفتاة التي لا تفضل الحديث في مثل هذه الأمور، نتيجة العادات والتقاليد والنظرة الاجتماعية القاسية، وبالتالي تفضل السكوت وتتحمل هذا السلوك من جانب زميل العمل، ولا تستطيع أن تتهم الرجل بأنه هو السبب، فقد تكون المرأة هي السبب، كما إنَّ هناك أسباباً أخرى لها، ومنها الفراغ وأحياناً الملل، وأحياناً ظروف المرأة ونقصد بها قد تكون المرأة منفصلة أو مطلقة ويستغل الشخص المريض هذا الظرف ليتقرب من تلك المرأة، وتلعب التربية والوازع الديني وشخصية الإنسان سواء المرأة أو الرجل دوراً كبيراً في العلاقة بين الرجل والمرأة، سواء في نطاق العمل أو خارج حدود العمل، ومن أسبابها أيضاً الابتعاد عن العادات والتقاليد، ففي السابق كان من المستحيل أنْ تقف الفتاة وتتحدث إلى زميلها في الجامعة، أما اليوم ونتيجة الانفتاح والتطورات تقف الفتاة وتتحدث مع زميلها، بل تتصل به وتتشاور معه. وتواصل الجندي: بالعودة لكل ما تواجهه المرأة من أساليب مختلفة للتحرش في أنحاء العالم كافة، نجد أنها تتعرض لمثل هذا السلوك، بغض النظر عن المستوى الوظيفي أو التعليمي للرجل، الذي يرتكب هذا الفعل لغرض ما في نفسه. هذه الظاهرة بدأت تنتشر في المجتمعات الغربية والعربية في الفترة الأخيرة بشكل واضح وخطر، مما دفع الدول إلى الاهتمام بها بشكل كبير. ونظراً لحساسية الموضوع والخوف من الفضيحة وتلويث السمعة أو الحرص على العمل، فإنَّ الإحصائيات التي تعبّر عن مدى انتشار الظاهرة في مجتمعنا لا تزال مفقودة لذلك تبقى هذه القضية بعيدة عن المعرفة الكاملة بحجمها.حساني: الكلمات الخادشة للحياء تعدٍ يعاقب عليها القانون ومن ناحيته يبين المحامي محمد حساني إنَّ التلفظ بأي كلمات تخدش الحياء، سواء في موقع العمل أو مكان عام يعتبر تعدٍ، والقانون يعاقب عليه والعقوبة تتمثل في غرامة وتحدد حسب تقديرات القاضي، على أنْ تتناسب مع الفعل والمكان، مشيراً إلى أن من شروط الجريمة أنْ يكون المكان عاماً بوجود الناس ويكون الكلام خادشاً للحياء، وتندرج هذه القضايا ضمن قضايا السب والقذف والتلفظ بكلام خادش للحياء. ويضيف: إنَّ هذه المشكلة لا تمثِّل ظاهرة في المجتمع البحريني رغم وجودها، بحكم أنَّ المجتمع البحريني يحافظ كثيراً على العادات والتقاليد. ولا نستطيع القول بأن الرجل هو السبب أو المرأة هي السبب، إلا أنَّ الرجل هو أكثر من المرأة ارتكاباً لمثل هذه السلوكيات الخاطئة، وذلك لأنَّ الرجل معتاد على أسلوب الشباب ويستخدم المتبع، وقد يكون هذا الأسلوب هو الأسلوب المتبع بينهم. ويطالب حساني وزارة التربية والتعليم بتخصيص مادة في القانون العام لطلاب المرحلة الثانوية، لكي يتعرف الشباب على حقوقهم وواجباتهم، معتقداً أنَّ الحل الأنسب لمثل هذه القضايا التي قد تصمت فيها الفتاة خوفاً من المجتمع، هو الحل الودي بين الطرفين، خصوصاً وأنَّ نوايا الشباب قد تكون حسنة.