الدوحة - (أ ف ب): بثت قناة "الجزيرة” الفضائية أمس برنامجاً وثائقياً يثير احتمال أن يكون الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قضى مسموماً بمادة مشعة بحسب نتائج تحاليل أجراها مختبر سويسري. وقال مدير "رادييشين فيزيكس” في لوزان، فرانسوا بوشو إن التحاليل تركز على عينات بيولوجية أخذت من الأغراض الشخصية لعرفات سلمها المستشفى العسكري في بيرسي جنوب باريس، حيث توفي، إلى أرملته سهى الطويل. وأضاف خلال التحقيق الذي استغرق تسعة أشهر، بحسب القناة، "في النهاية، عثرنا على (معدلات) مهمة من مادة البولونيوم في هذه العينات”. الجدير بالذكر، أن الجاسوس الروسي السابق الكسندر ليفتنكو الذي توفي في لندن العام 2006 قضى نتيجة تسميمه بهذه المادة.وبغية تأكيد فرضية الموت بواسطة البولونيوم، يجب نبش رفات عرفات وإخضاعها للتحاليل، وفقاً لبوشو الذي قال مخاطباً أرملة عرفات "إذا أرادت أن تعرف ما الذي حدث فعلاً لزوجها يجب العثور على عينات (...) نبش الرفات يزودنا بعينات قد تحتوي تركيزاً مكثفاً من البولونيوم إذا كان توفي مسموماً”. وعاد تحقيق "الجزيرة” بالمشاهدين إلى حدث شد انتباه العالم لعدة أسابيع: مرض عرفات الذي كانت تحاصره الدبابات الإسرائيلية في المقاطعة برام الله قبل نقله إلى باريس، حيث قضى أيامه الأخيرة وهو يخضع لسيل من التحاليل الطبية في مستشفى عسكري. بعد مرور أكثر من سبع سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني، كشفت التحاليل أن آخر الأغراض الشخصية لعرفات (ملابسه، فرشاة أسنانه، وحتى قبعته) فيها كميات غير طبيعية من البولونيوم، وهو مادة نادرة وعالية الإشعاع. كانت تحمل بقعاً من دم عرفات وعرقه وبوله. وتشير التحاليل التي أجريت على تلك العينات إلى أن جسمه كانت به نسبة عالية من البولونيوم قبل وفاته.وقال مدير المعهد فرانسوا بوتشد "أستطيع أن أؤكد لكم إننا قسنا كمية عالية من البولونيوم غير المدعوم 210 (المصنع) في أغراض عرفات التي تحمل بقعاً من السوائل البيولوجية”.وذكر الأطباء أنهم بحاجة لمزيد من التحاليل وتحديداً لعظام الراحل عرفات أو للتربة المحيطة برفاته، وإذا أثبتت التحاليل تلك وجود نسبة عالية من البولونيوم المصنع، فإن ذلك سيكون حجة دامغة على أنه تعرض للتسمم.وعندما حلل الأطباء الأغراض الشخصية لعرفات -التي سلمتها سهى عرفات لفريق "الجزيرة”- لم يُعثر على أثر لسموم المعادن الثقيلة أو التقليدية، ولهذا تحول اهتمامهم إلى مواد أكثر غموضاً من بينها البولونيوم وهو مادة عالية الإشعاع لا يمكن إنتاجها إلا في مفاعل نووي ولها عدة استعمالات بينها توفير الطاقة للمركبات الفضائية.ويوجد البولونيوم في الغلاف الجوي، لكن المستويات الطبيعية تسجل بالكاد. واكتشفت ماري كوري البولونيوم عام 1898 وكانت ابنتها إرين ضمن القتلى الأوائل الذين قضوا بسبب تلك المادة. فقد ماتت باللوكيميا (سرطان الدم) بعد سنوات من تعرضها خطأ للبولونيوم في مختبرها.كما قتل شخصان على الأقل لهما علاقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي جراء تعرضهما لمادة البولونيوم. لكن الضحية الأشهر للبولونيوم هو الجاسوس الروسي السابق الذي صار معارضاً ألكسندر ليتفينينكو، إذ توفي في لندن عام 2006. وتوصل تحقيق بريطاني إلى أنه توفي بالبولونيوم الذي دس له في الشاي بأحد مطاعم السوشي. وليس هناك إجماع طبي واسع على أعراض التسمم بالبولونيوم، ويعود ذلك أساساً إلى قلة الحالات التي سجلت في الموضوع. وقد عانى ليتفينينكو من إسهال حاد، وفقدان للوزن، وتقيؤ، وهي الأعراض ذاتها التي ظهرت لدى عرفات بعد إصابته بالمرض.عثر العلماء في لوزان على نسب عالية من البولونيوم في أغراض عرفات، وكانت أعلى عشر مرات في الحالات الخاضعة للمراقبة. ويقول معهد لوزان في التقرير الذي أنجزه لفائدة الجزيرة "حتى بالنسبة لحالة تسمم ليتفينينكو، فإنه من المتوقع العثور على آثار ضئيلة جداً في عام 2012”.لكن الأغراض الشخصية لعرفات -وخاصة تلك التي تحمل آثاراً سائلة- لوحظت فيها مستويات عالية من البولونيوم. ففي فرشاة أسنانه وصلت مستويات البولونيوم 54 ميليبيكواريل (وهي الوحدة العلمية لقياس درجة الإشعاع)، ووصلت في لباسه الداخلي الذي عليه بقعة بول 49 ميليبيكواريل (في اللباس الداخلي لرجل آخر استعمل في المراقبة، وصلت النسبة إلى 6.7 ميليبيكواريلات فقط). ولا تمثل هذه المستويات -التي تم تسجيلها في مارس 2012- سوى جزء مما كانت عليه لحظة وفاة عرفات في أواخر عام 2004. وقد استبعد الأطباء في لوزان -وفي مناطق أخرى- مجموعة من الأسباب المحتملة لوفاة عرفات، بناءً على ملفه الطبي الذي سلمته سهى عرفات للجزيرة. وقال مدير المركز الجامعي للطب الشرعي باتريس مانجين "الأمر ليس تليّفاً كبدياً، ولا توجد آثار لسرطان أو لوكيميا، بالنسبة للإيدز أو الفيروس المسبب له، ليست هناك أعراض لهذه الأمور”. خلاصات الأطباء استندت إلى وثائق وليس إلى تحاليل مباشرة. كان الأطباء في لوزان يأملون دراسة عينات من دم وبول ياسر عرفات عندما كان في المستشفى العسكري بيرسي في فرنسا. لكن عندما طلبوها قال المستشفى لأرملة عرفات إنه تم تدمير تلك العينات. وأوضحت سهى عرفات "لم أقتنع بذلك الجواب، عادة بالنسبة لشخصية مهمة مثل عرفات عليهم الاحتفاظ بآثاره، ربما لا يريدون التورط في الأمر”. عدد من الأطباء الذين عالجوا عرفات لم يسمح لهم بمناقشة القضية -حتى بموافقة سهى عرفات- لأن الأمر يعتبر "سراً عسكرياً”. كما رفض عدد من الأطباء الذين عالجوا عرفات في القاهرة أو تونس الحديث للجزيرة.مع انسداد تلك الأبواب أمام التحقيق، يمكن أن يكون رفات عرفات الدليل الباقي بمثابة حجة دامغة. لكن نبش الرفات يحتاج لموافقة السلطة الفلسطينية، ونقل الرفات خارج الضفة الغربية يحتاج لموافقة الحكومة الإسرائيلية.
«الجزيرة»: عـرفـــات مـــات مسمـــومــــاً بمــــادة الـبــولـونـيــــوم
04 يوليو 2012