كتب - حسين الماجد:بات الاقتصاد الإيراني يعاني مشاكل جمة بدأت تحيط به من كافة الجوانب، وخصوصا بعد بدء حظر شراء ونقل النفط الإيراني على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، في وقت يُكبِّد الحظر إيران خسائر يومية تصل إلى 63 مليون دولار أي ما يعادل (1.89 مليار دولار).ومع بلوغ معدل التضخم إلى 40% في بعض القطاعات، ووصول البطالة إلى 14.6% في ظل مجتمع يشكل الشباب دون الـ24 عاماً، أكثر من نصف سكانه (37 مليونًا من أصل 62 مليونًا) حسب إحصاءات عام 2010، إضافة لارتفاع ديونه الخارجية إلى 20.5 مليار دولار، فإن الاقتصاد الإيراني بات على وشك الانهيار.ولعل تنفيذ قرار الاتحاد الأوروبي مطلع يوليو الجاري - الذي يفرض حظر كامل على شراء ونقل النفط الإيراني على الدول الأعضاء بالاتحاد - أحد الأسباب التي ستؤدي إلى تراجع اقتصاد طهران بشكل كبير.وطالما حذرت إيران من أن أسعار النفط سترتفع في ظل حظر نفطها، لكن ما حدث هو عكس ذلك تماماً، حيث زادت إمدادات النفط في الأسواق حتى أن حظر المزيد من النفط الإيراني لن يؤثر في السوق.واللافت في الأمر أن تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز سرعان ما امتصها المجتمع الدولي وذهبت تأثيراتها على النفط الخام هباء، إذ انخفضت أسعار النفط العالمية بعد ارتفاعها على نحو تدريجي بسبب انخفاض الطلب العالمي على الخام وزيادة المعروض النفطي.وتلوح في الأفق أزمة جديدة تواجه إيران، بعد الإعلان عن تعثر تسليم ملايين البراميل من الخام الإيراني إلى الصين أكبر مشتر له بسبب نزاع بين شركة التكرير العملاقة "سينوبك” وشركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية بشأن شروط الشحن.ونتيجة للعقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي، لجأت الصين إلى شركة الناقلات الإيرانية لنقل 500 ألف برميل يومياً من الخام الذي تشتريه من إيران.وبحسب وكالات الأنباء العالمية، فإنه لم يتم حجز أي ناقلة لشحن الـ12 مليون برميل من الخام التي تعاقدت الصين على شرائها من إيران في أول 20 يوماً من يوليو الجاري.وتأتي العقوبات الجديدة في وقت يعاني الاقتصاد الإيراني من ضغوطات عدة لتزداد المشاكل أمام اقتصاد طهران، خاصة في ظل ارتباك الحكومة الإيرانية نظرا لمواجهتها ارتفاع أسعار المواد الأساسية خصوصاً القمح نتيجة العقوبات الاقتصادية.يذكر أن استياء الرأي العام الإيراني بلغ ذروته، وهو الأمر الذي أدى لاعتراف الحكومة - عبر خطوه غير معتادة - علناً بأن الاقتصاد يعاني بشدة.كما أدى الحظر الأوروبي إلى عقدت حكومة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد اجتماعاً طارئاً لوضع برنامج عمل لمواجهة تداعيات العقوبات النفطية الجديدة التي اقرها الاتحاد الأوروبي قبل نحو 6 أشهر والتي بدأت الأحد الماضي.وبالذهاب إلى الإحصاءات، بلغ معدل صادرات النفط الإيراني في الأعوام الماضية 2.5 مليون برميل يومياً، ما يمثل 3% من إمدادات النفط العالمية. وبلغ معدل الصادرات إلى أوروبا نحو 500 ألف برميل يومياً، وكان باقي الصادرات يذهب إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية.ويقول المسؤولون الأمريكيون، إن إجراءات الحظر المالية الأمريكية "أمريكا لا تستورد النفط الإيراني لكنها تعاقب مستورديه مالياً”، إضافة إلى حظر الواردات الأوروبية أدى إلى هبوط الصادرات الإيرانية إلى أقل من 1.8 مليون برميل يومياً أي أن صادراتها هبطت بمقدار 700 ألف برميل يومياً.وطبقا لحساباتهم وللأسعار الحالية فإن الحظر يكلف إيران 63 مليون دولار يومياً.ويحسب للسعودية إعلانها تغطية العجز الذي قد يصيب الأسواق عند أي ظرف كان من خلال زيادة الكميات المطروحة بالسوق، وهو ما كان له دور إيجابي على الأسواق العالمية، خاصة مع تأكيد السعودية أن زيادة إنتاجها سيأتي لسد حاجة السوق والطلب، لا للتدخل بالأمور السياسية الدولية.وجاء رفع إنتاج السعودية من النفط بحوالي 80 ألف برميل يوميا ليصل إلى 9.9 ملايين برميل، ويعد المستوى الأعلى منذ يناير العام 1989، دلالة على أن السعودية قادرة على التعامل مع متغيرات الطلب باحترافية، وهذا ما حدث خلال الأشهر الماضية حيث اضطرت المملكة لزيادة إنتاجها لموازنة العرض وحماية السوق وللإسهام أيضا في طمأنة المستهلكين والحد من ارتفاع الأسعار الذي يؤثر سلبا في النمو العالمي.كما يحسب للإمارات أيضاً، إعلان استعدادها ضخ النفط بشكل منتظم من خلال خط الأنابيب الذي يتجنب مضيق هرمز ابتداءً من أغسطس 2012، والذي بدأ العمل على إنشائه منذ العام 2008. وطبقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن عائدات النفط تشكل نحو 80% من عائدات الصادرات الإيرانية بصورة عامة، ونصف دخل الحكومة، إذ هبطت هذه العائدات بنحو 40% العام الجاري بفعل خفض أو وقف أكبر المتعاملين مع طهران وهم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية لمشترياتهم بسبب العقوبات الغربية، بحسب الوكالة.وبحسب مؤسسة "آي إتش سيرا” - وهي مؤسسة أبحاث للطاقة - فإن إيران حصلت على عائدات تقدر بـ 100 مليار دولار من النفط في العام الماضي، مقابل 20 مليار دولار سنويا قبل 10 أعوام.وفي الأعوام الماضية شكَّلت واردات الاتحاد الأوروبي نحو 20% من صادرات إيران النفطية، وبما أن شركات التأمين الأوروبية تمثل جزءا كبيرا من سوق التأمين على ناقلات النفط في العالم، فإن الحظر على عمليات تأمين ناقلات النفط الإيراني كان له أثر كبير أيضاً في فرض الحظر.ولم يقتصر أثر الحظر على خفض إيرادات الحكومة فقط، فبدا الأثر واضحاً على الاقتصاد الإيراني بصورة عامة، فانخفضت قيمة الريال الإيراني بصورة كبيرة حيث وصل إلى 12.26 ألف ريال مقابل الدولار بالسعر الرسمي، و20 ألف ريال بسعر السوق السوداء، في وقت زاد التضخم وارتفعت أسعار المواد الغذائية والخدمات.كما فقد كثير من الإيرانيين وظائفهم، وطبقا لأرقام مكتب الإحصاء الأوروبي هبط حجم التبادل التجاري بين أوروبا وإيران إلى النصف في عام واحد، ليأتي وزير النفط الإيراني، رستم قاسمي بعد بدء انتشار الإرهاق والتعب في جسد الاقتصاد الإيراني، مؤخراً ليدعوا الأمين العام لمنظمة "أوبك” لاجتماع استثنائي لبحث هبوط أسعار النفط. في الوقت نفسه تستطيع الدول الاتجار مع إيران لكن خارج النظام المصرفي وتستطيع طهران قبول أصول أخرى غير الدولار، كالذهب مقابل نفطها، رغم أن ذلك لن يكون طريقة عملية، كما إنه ينطوي على عدة مخاطر.ووفقاً للأرقام المعلنة خلال الفترة من يناير إلى قبل منتصف هذا العام، استوردت الصين ما مجموعه 8.12 مليون طن من النفط الخام من إيران، بانخفاض 24.97% عن نفس الفترة من العام الماضي، وقالت الحكومة الصينية إنها زادت واردات النفط الخام من بلدان أخرى تشمل العراق واليمن وقطر، ما يمكنها من سد هذه الثغرة.وقبل عقوبات الاتحاد الأوروبي كانت الصين تدفع لإيران ثمن الخام فحسب، بينما تتحمل تكاليف الشحن والتأمين بشكل منفصل، لكن في ظل عدم توافر تأمين بحري فإنها تضطر الآن إلى الاعتماد على سفن شركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية. يشار إلى أن واردات الصين الإجمالية من النفط الخام في الأشهر الـ5 الماضية بلغت 118.34 مليون طن، مسجلة زيادة بلغت نسبتها 11.11% عن نفس الفترة من العام الماضي.وأظهرت بيانات تفريغ حمولات الناقلات أن المصافي الهندية خفَّضت وارداتها من إيران بنسبة 38% في مايو الماضي مقارنة مع مستوياتها قبل عام وذلك للشهر الثاني من التخفيضات الحادة مع تحولها إلى موردين آخرين.وتعزز هذه التخفيضات فرص نيودلهي في الفوز بإعفاء مماثل لما منحته الولايات المتحدة الأمريكية لليابان وبعض الدول الأوروبية بعد إجراء تخفيضات "ملموسة” في وارداتها النفطية من إيران. وتأتي الصين والهند على رأس قائمة مشتري النفط الإيراني ويمثل خفض مشترياتهما عاملاً حاسماً للمساعي الغربية لتصعيد الضغط على طهران، ولم تطلب أي من الصين أو الهند رسمياً إعفاء رغم أنهما خفضتا الواردات من إيران. وأظهرت بيانات هندية، استيرادها نحو 243 ألف برميل نفط يومياً من إيران في مايو بانخفاض نحو 10% عن أبريل وحوالي 38 % عن مايو 2011 الذي بلغت الواردات فيه 394 ألف برميل يومياً. وفي أبريل وهو الشهر الأول للعقود الجديدة انخفضت الواردات من إيران نحو 40% مقارنة مع مستواها قبل عام.
الاقتصاد الإيراني يترنَّح.. وحظر النفط يُكبِّده 63 مليون دولار يومياً
07 يوليو 2012