عمان - الوطن:اشتغل نادر رنتيسي في كتابه «أنت تحذف نصف عمرك»، على لعبة ماكرة جمعت بين الواقع والافتراض، وبصورة إبداعية صادمة تطوع المفردات الكثيرة في عالم الافتراض، مقدماً سرداً قصصياً واقعياً موغلاً في إسقاط معاني الزمن الحاضر «الرقمي» بالماضي البعيد القريب «الثابت».وتجاوز المؤلف بحميمية دافئة في كتابه الثالث، النسق والأسلوب الذي كتب فيه مجموعتيه السابقتين المثيرتين للجدل «السرير الحكاء» 2004، و»زغب أسود» 2006، الصادرتين عن دار أزمنة في عمّان، لجهة الشكل والمضمون والمساحة القصصية المبسوطة لأفكاره.ويرصد الكاتب في «أنت تحذف نصف عمرك»، تنامي حضور أدوات التكنولوجيا الحديثة ومفرداتها في حياة الإنسان العربي، مقدما سرداً واقعياً عن الفضاء الإلكتروني الافتراضي المعتم، وما ينشأ عنه من مراهقات متقدِّمة أو متأخرة، وخيانات زوجية، ورغبات محمومة لإنشاء واقع بديل.ترتبط الموضوعات المكتوبة عبر 24 نصاً، في العناوين والقضايا بأثر تداعيات الحياة المعاصرة، والعالم الافتراضي الذي يُشكِّلُ أزمة للشباب بالانتقال من عالم الواقع إلى عالم الوهم، لذلك تمَّ تثبيت عنوان فرعي شارح أسفل العنوان الرئيس هو «سرد عن واقع افتراضي».ويعاين المؤلفُ عبر 24 نصاً قضايا راهنة تتلمس ما نتج عن «فيس بوك» و»التويتر»، وسواهما من الفضاءات التي تشغل الشباب، وتعيد تشكيل حياتهم، وهندسة التلقي لديهم وفق قنوات تتيحها الأداة بالتعامل مع الكائنات الأخرى كأيقونات وأرقام.واستوحى الكاتب شخصيات كتابه من رجال مُتعبون مصدمون بواقع لا يتغير، وزوجات يعانين فراغاً عاطفياً وجنسياً، وشباب باحثون عن دهشات معتمة، وثوارٌ يطيحون بأنظمة قمعية عبر الاستخدام «الإيجابي» للتكنولوجيا، وفي أغلب القصص ثمة شخصية تتكرر بملامحَ واحدة قد يكون هو البطل الذي سمع وعاش كثيراً من تفاصيل حكايات شخوص الكتاب، فرواها في سرد مكثف يحمل عمقاً ودلالة ليست مباشرة تماماً. ومما كتبه الناشر في الكتاب «أنت لا تعبرُ النهر مرتين»، مقولة ترنم بها هيراقليط، ومنذ أن قالها وكل شيء في تغير مستمر، بدءاً من الإنسان ومعلوماته وثقافاته وعقائده إلى مصطلحاته ومفهوماته ومناهجه، حتى أصاب التغير الجمادات مثلما أصاب الكائنات الحية.نسوق هذا الكلام للتعبير عما يريد أن يقوله نادر رنتيسي في نصوصه السردية التي وسمت بـ»الافتراضية»، واعتمدت بشكل واضح على بنية حكائية سردية، تزاوج السرد بالحوار مع وصف ابتدائي «أنت تحذف نصف عمرك» في اعتراف من الكاتب أن «الزمن تغير»، وأن إنسان العصر أصبح مثل جهاز الحاسوب الحديث، إذا ما تعرض لعائق ما أجرى عملية update سريعة، يتخلصُ بعدها من أثر أي صدمة. من أجواء الكتاب «أنتَ لم تفعل في نصف عمركَ سوى الحلم، كنتَ لمـَّا تيأس من المشي الذي لا يقودكَ خطوةً واحدةً إلى الأمام، تعودُ ألف خطوةٍ محسوبةٍ إلى الوراء، تنتهي بكَ دائماً إلى السرير، هناكَ تشعرُ بأمانٍ نسبيٍّ، فتستدعي كلَّ ما أخفَقْتَ في السير إليه، إلى عتمتكِ تحتَ اللحاف، تفكِّر فيه كثيراً وتقلِّبه على وجوه عدَّة ممكنَةٍ، تنامُ قبل أنْ تجزمَ أمرَ إمكانيته، فيأتيكَ طيِّعاً في الحلم». وسبق أنْ صدر لنادر رنتيسي، المولود في الكويت 1979، كتابٌ قصصي بعنوان «السرير الحكَّاء» في عمان 2004، وفيه عاين أزمات الإنسان العربيِّ المعاصر، مقتحماً مناطق الصمت وأقاليمه المستترة، وفي العام 2007 أصدر كتابه السردي الثاني «زغب أسود» ويروي فيه قصتي حب.يقع الكتاب في 105 صفحات من القطع المتوسط، تتصدره لوحة غلاف لرسام الكاريكاتير المعروف أمجد رسمي، تتشكل فيها اليد فأرة كمبيوتر كاشفة مع العنوان عن كنه أجواء فريدة لـ»سرد واقعي عن عالم افتراضي»، وصدر المؤلَف عن الدار العربية للعلوم في بيروت.ورنتيسي حاصل على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك الأردنية، ويعمل مسؤولاً ثقافياً في صحيفة «الغد» اليومية الأردنية ويكتبُ فيها مقالين أسبوعياً.