كتب – جعفر الديري: لا شك أنها نعمة كبيرة وتوفيق إلهي عظيم، أن تجد أبناءك الأطفال، يترقبون حلول شهر رمضان المبارك، عازمين على صومه وقيامه، بما يتهيأ لهم ويناسب سنهم الصغير. ومما يثلج القلب أن كثيراً من أطفال البحرين هم على هذه الشاكلة، يحرصون على صوم شهر رمضان إيماناً واحتساباً. وإذا كان لنا أن نعترف بالفضل، فإن الآباء والأمهات هم الجديرون بالتنويه، لتجشمهم عناء تدريب أطفالهم على هذا الفعل المحبب عند الله تعالى، ولامتلاكهم خبرة في هذا التدريب، يمكن لكل أب الاستفادة منها. وأشارت عينة من الأمهات، إلى جملة من الأمور، والتوجيهات المهمة بشأن تدريب الأطفال على الصوم، منها تأكيدهن أنه لا خوف على الأطفال من الصوم، طالما أنه سيتم بالتدريج، شرط مراعاة سن الطفل، وظروفه الصحية. كما أكدوا أن على الأم العاقلة أن تستفيد من غيرة الأطفال فيما يفيدهم، لتحمسهم على الصوم، وعلى أهمية مكافأة الطفل على صيامه، وضرورة ان يلحظ الأب أن أبناءه يرونه القدوة المتمثلة أمامهم، فمتى وجدوه يعنى بالصوم فسيبادرون به، ومتى وجدوه نهما لا يستطيع مقاومة الأكل، فسيسيرون على طريقته. طفلي كسول تؤكد فاطمة حسن، وهي أم لأربعة أطفال، أن أكثر ما يواجهها في تدريب أبنائها على الصوم هو الكسل، فأطفالها يفضلون الصلاة على الصوم، رغم أنهم يلتزمون بها أكثر من مرة في اليوم. تقول حسن: لكي أكون صادقة أعترف أن أبنائي كسالى، لا يرغبون بالصوم، مع أني أحاول ما أمكنني إقناعهم بشتى الأساليب، والإغراءات، وأتعمد أن أضع لهم على المائدة ما يشتهون من أصناف الأكل والحلويات.حسن تدرك مضرة هذه الحلويات، وتأثيرها عليهم عندما يتناولوها باستمرار، ويعتادون أكلها، لكنها تواجه مشكلة حقيقية حين تحاول تدريب أطفالها على الصوم، فلا تجد سوى هذه الطريقة، متسائلة: كيف لي أن أقنع صبياً لا يجاوز العاشرة بالصوم، وأنا أشاهده يرغب بالأكل كل ساعة؟!. الصوم خارج رمضان من جانبها وإجابة على سؤال حسن، تشدد السيدة والأم مريم محسن، على أهمية أن يلحظ الأبناء آباءهم لا يقتصرون في الصوم على شهر رمضان، بل في أيام أخرى طوال العام، ومؤكدة تأثر الأبناء بطباع الآباء تتساءل محسن: ليس من المعقول أن يفرض الأب على ولده الطفل الصوم، في حين أنه يراه لا يكف عن تناول من الطعام ما تشتهي؟!. إن كثيراً من الآباء يجبرون أبناءهم على الصوم، لكن متى؟ عندما يحين شهر رمضان؛ فلا يسعون لتهيئتهم للصوم، ولو حتى قبل أيام من ورود الشهر الفضيل. وتردف محسن: الأدهى والأمرّ أنك تجد آباء لا يكفون عن الأكل، ولا يصومون في أي من أيام السنة، رغم أن السنة النبوية تؤكد على أيام بعينها، وتدعوا لصيامها رغبة في الأجر والثواب، هؤلاء الآباء يخرجون عن طورهم عندما لا يستجيب لهم أبناءهم، ويشعرون بالغيرة عندما يجدون أطفال آخرين يصومون، رغم أنهم سبب عدم صيام أبنائهم. وتعلل محسن: لو وجد الأطفال آباءهم يعنون بالصوم، ويقبلون عليه لتعلموا منهم الصوم، لكنهم للأسف يتعلمون منهم الاستهانة بالصوم، حيث يجدونهم لا يعنون به إلا مع اقتراب الشهر الفضيل. الهدية للطفل الأكول من جهتها تحكي ربة البيت بتول سيد إبراهيم، عن تجربتها بهذا الخصوص، وتؤكد على أهمية الهدية، كعامل مهم في تحميس الأطفال على الصوم، من خلال طفليها، أحدهما معتدل الأكل والآخر أكول، واجهت مشكلة في تدريبه على الصوم، كونه يحب الأكل دائماً، فما أن يقبل من المدرسة حتى يهرع إلى الثلاجة باحثاً عن شيء يأكله، وفي أحيان كثيرة، يفتح الآنية ليضع له طعام الغداء ويأكل قبل أن يأتي أخوه. تقول إبراهيم: واجهتني مشكلة في تعويد طفلي الأكول على الصوم، فحتى لو تظاهر بالصوم، كنت أعلم أنه لا يطيقه، بل يذهب من خلفي ويتناول ما يشاء. لكني لم أعترض على سلوكه هذا فهو طفل، كما إننا اعتدنا كبحرينيين على كلمة «بوج» أي أسرق من الطعام وكل من خلفنا، فإن ذلك أفضل من تناول الطعام بحضور أناس صيّام. وتتابع: بإزاء ذلك فكرت بحل أفضل، فلجأت إلى أسلوب الهدية. فكنت أخبره أن ابن خالته سيأتي ليتناول طعام الإفطار معه، وكنت أعرف أنه يحبه كثيراً، فكان يستجيب لي كثيراً. هذا طبعاً بالاتفاق مع أختي التي تشجع ابنها أيضاً بالأسلوب نفسه. وفي الواقع فقد نجحت هذه الطريقة مع طفلي، خصوصاً عندما كانا يلتقيان على مائدة واحدة، فيضحكان ويتناولان من الطعام ما يشتهيان، حيث كنت أحضر لهما ما يحبون من أصناف الطعام. التخطيط الجيدإن أسلوب الهدية أو المكافأة، حل ناجع بالنسبة لإبراهيم، كما هو بالنسبة لأمينة خليل، فهي تلجأ أيضاً لأسلوب المكافأة لتشجيع أبنائها على الصوم، وتؤكد، أن أسلوب المكافأة عملي جداً، متى اقترن بالتخطيط الجيد. تقول خليل: في العام الماضي، صام ولدي أحمد، وفي هذا العام سيصوم إن شاء الله تعالى وأخته خديجة. وقد كافأتهم بزيارة المدينة المنورة. هذا إلى جانب مكافآت أقل مثل زيادة مصروفهم، وشراء بعض الألعاب التي يحبونها، كما إنني أمتدحهم وأثني على إرادتهم. والحق أني بعد أن وجدتهم يصبرون، شاكرين الله تعالى، زادت محبتهم في قلبي، وزاد إصراري على تربيتهم أحسن تربية. غيرة الأطفال ومن ناحيتها، تلفت سعاد عيسى، الأمهات الى أهمية اسثمار غيرة الأطفال، في تدريبهم على الصوم، مع مراعاة التدرج ومستوى الصحة، معربة عن سعادتها لتمكنها بمعونة زوجها من تعويد أطفالها، فطفليها يصومان، وطفلتها تحاول ذلك رغم أنها لا تتجاوز السادسة. لقد جهدت عيسى كثيراً في تدريب أطفالها، كونهم أطفالاً تصعب ملاحظتهم في جميع الأوقات، إلا أن الأمر ليس مخيفاً –كما تؤكد- فقد خشيت على أطفالها في البدء من امتناعهم عن الأكل والشرب، لكن شيئا فشيئاً، وجدتهم يتأقلمون. لذلك على الآباء والأمهات ألا يخشوا على أبنائهم من الصوم، شرط أن يصوموا بالتدريج، مع مراعاة عمر الطفل وظروفه الصحية، مبينة أن هناك فرقاً بين طفل السابعة وطفل العاشرة. عيسى تشير إلى غيرة الأطفال، وتلفت نظر الآباء والأمهات إلى أهمية استغلال ذلك، مبية: أن أكبر أبنائي أحمد، عزم على الصوم عندما وجد جميع من في صفه يباهون بصومهم. وكان المدرسون يحثونهم على ذلك، أما ولدي الأصغر علي فكان يراقبني وأمه بل يراقب جميع من يفدون إلى البيت، ويلاحظ اننا لا نتناول شيئاً. حتى عندما يقدم لهم شيئاً يبتسمون له ويقولون: نحن صيام، ويجب أن لا نأكل، ليعود ويجلس مفكراً. وعندما آتى بالماء لأخيه الكبير رفض ذلك أيضاً، فبان الانزعاج عليه وصاح: جميعكم صيام، سأصوم أنا أيضاً. وبالفعل حاول الصوم، فاستغلينا ذلك أنا وزوجي وشجعناه. وكان متى احتاج إلى الأكل، دفعناه ليختبئ ويشرب الماء لوحده. وتتابع عيسى: لقد استفدنا من رغبة الأطفال في الصوم، وشجعناهم، فتركنا علي يصوم لساعتين، ثم زدنا عدد الساعات بالتدريج. فكان متى شعر بالجوع، وسألنا هل يأكل أم لا، خيرناه بين وبين نفسه، فكان يحاول الصبر، ومتى تعب، يختبئ ليأكل شيئاً بسيطاً، وكان ذلك في صالحه، حيث إنه صار يخجل من الإفطار. وأصبح يتشوق لصيام شهر رمضان هذا العام. سنة شريفة أما خديجة محمود، فتشير إلى أن تدريب الأطفال على الصوم من السنة الشريفة، حيث كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدرِّبون صبيانهم على الصوم. وتذكر محمود بعض الأحاديث بخصوص هذا الموضوع قرأتها مؤخراً. فعن الربيع بنت معوذ قالت: «كنا نَصُومُ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن (أي الصوف) فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار» (أي أعطيناه هذا الصوف يتلهى به حتى يحين موعد الإفطار). وتذكر أنه جيء بسكران في رمضان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال موبخاً وزاجراً (في رمضان ويلك وصبياننا صيام)، وكان بعض السلف يُوقِّتون بداية أمر الصبي بالصيام إذا أطاقه، وهذا منقول عن ابن سيرين وقتادة والزهري وعروة بن الزبير. خطأ في التدريب ياسر طفل لا يجاوز السابعة، تلميذ مهذب، وجميل الشكل، وحسن الخلق مع الناس تحبه مدرساته كثيراً، لأنه ولد مطيع. مشاغب لكن ليس في كل وقت. ياسر ينوي أن يصوم شهر رمضان هذا العام، وهو يترقب هلاله باشتياق. عندما سألته عن سبب حبه لشهر رمضان أجاب: لأنه شهر الله تعالى. والله سبحانه وتعالى يفتح فيه أبواب رحمته. أمر مدهش أن تجد طفلاً لا يجاوز السابعة يحدثك بهذا الحديث، لم أشك أن أباه حفظه الله هو من أعلمه بمنزلة هذا الشهر. ياسر يحب شهر رمضان لسبب آخر أيضاً، وهو أنه سيجد على مائدة الإفطار ما لذ وطاب من أكل وشرب. وسيأكل ما يشاء مكافأة له على الصيام. أخبرني ياسر بذلك، فعتبت على أبيه. فاخبرني أنه اضطر لذلك، لكي يشجع ابنه، لكنه لن يترك لولده ان يأكل ما يشاء بل سيراقبه. أبي لا يصوم لم يتفاجأ المدرس بجواب تلميذه، حين سأله على سبيل المزاح؛ هل ستصوم هذا العام؟ لقد نطق بما في قلبه بصلف رغم صغر سنه، حين قال: لا لن أصوم. لقد كان يعرف والد التلميذ معرفة جيدة. فهو جاره وقريبه. الذي لم يعنى يوماً بتربية أبنائه أو تعليمهم. بل إنه حتى لا يعلم إن كان يصلي ويصوم. لكنه كان يؤمل أن تساهم والدة الطفل في تهذيبه، وتدريبه على الصيام، خصوصاً وقد بلغ العاشرة من عمره، وجميع من في صفه مزمعين على الصوم. أم الطفل التي كانت على خلاف زوجها، كانت أما صالحة متدينة. وبحكم كونها امرأة، التصقت بابنتها أكثر. لكن ولدها هذا عصي على التربية، كيف له أن يصوم وهو لم يشاهد أباه يصوم يوماً؟!. لقد عجزت عن تهذيبه، لأن أباه بببساطة لا يعنى بها، بل يتبرم بتدينها، ويتهمها بالتقصير في حقه حين تصوم.