جمعها - بديع المدني: هي سلسلة نتعرض فيها للمحات من حياة بعض التابعين رحمهم الله، راجين المولى عز وجل أن يجعلنا ممن يقتضي بأهل الفضل والديانة فهم - من بعد الصحابة - عنوان للهمة والعبادة والزهد والورع .ونبدأ هذه السلسلة بسيد التابعين وعالم أهل المدينة جبل من جبال العلم عاصر أكابر الصحابة حيث ولد في السنة الثانية من خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه ؛ قال عنه بن عمر " لو رأى هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لسره "، عالمنا لهذا اليوم ما سمع الأذان وهو خارج المسجد قط مدة ثلاثين عاماًَ، ولم تفته تكبيرة الإحرام خمسين عاماً، وحج بيت الله الحرام أربعين مرة، هو الملقب بفقيه الفهاء أبو محمد سعيد بن المسيب القرشي المخزومي والذي ولد في بيت علم وإيمان ولازم الصحابة رضي الله عنهم وهو من أخص الناس روايةً لحديث أبي هريرة وقد تزوج بن المسيب من ابنة أبي هريرة رضي الله عنه ، قال قدامة بن موسى: كان بن المسيب يفتي والصحابة أحياء ، وقال قتادة : ما رأيت أحداً أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيب؛ عُرف عنه عزة النفس والصدع بالحق وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- لا يقضي بقضية حتى يسأل ابن المسيب، وقد امتُحن وأُذي وجُلد بسبب رفضه التقرب من الأمراء وله قصة مشهورة ذكرها الإمام الذهبي - صاحب السير- وابن سعد في الطبقات أن عبد الملك بن مروان أراد أن يخطب ابنة سعيد بن المسيب لابنه الوليد فرفض سعيد وزوجها لطالب علم فقير عنده يدعى " كثير " وأخذها بنفسه إلى بيت كثير هذا.وكان سعيد بن المسيب ذا علم واسع ومعرفة بتعبير الرؤى. ويذكر أن رجلاً جاء للقاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة فسأله عن شيء فقال له أسألت أحداً غيري ؟ فقال له نعم عروة ،وفلاناً وفلاناً ، وبن المسيب فقال له: " أطع ابن المسيب فإنه سيدنا وعالمنا” . ومن أقوال سعيد بن المسيب رحمه الله : " قال : ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله ، ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نُصرةً من الله أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله، وكان يقول رحمه الله: ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء،وقال : إن الدنيا نذلة وهي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها.وبينما كان ابن المسيب في مرض الموت زاره نافع بن جبير وقال وجهوه إلى القبلة .. ففعلوا فأفاق سعيد وقال: لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهكم فراشي. توفي الإمام العلم سعيد بن المسيب في العام 94 هـ عن 75 عاماً. وكان يقال لهذه السنة التي مات فيها ابن المسيب سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها.رحم الله أبا محمد سعيد بن المسيب وجزاه عما قدم خير الجزاء.
إشراقات من حياة الأئمة الأثبات «1» سعيــــــــد بــــــــــــن المســـــــيـب
23 يوليو 2012