^ يقولونها في الغالب صامتين وأحياناً هامسين لكنهم يخشون المجاهرة بها لاعتبارات ليست خافية، فأهل القرى ممن لا علاقة لهم بما يحدث فيها من مشكلات يعانون الأمرين، فهم يواجهون ما يجري على قراهم من أمور غير طبيعية في الليل والنهار، ولا يستطيعون التعبير عن رفضهم لما يقوم به بعض الشباب في قراهم، من أعمال تستوجب التعامل معها من قبل السلطة. أحد القراء شارك بالتعليق على مقال سابق حول قطع الطرقات بالسلاسل وبالإطارات التي يشعلون فيها النيران، ببث شكواه التي ملخصها أنه وأهله يعانون من دخول القرية ومن الخروج منها بسبب تلك الأعمال الطائشة، وقال إنَّ لديه طفلة تعاني من مرض معين يدعو الله باستمرار ألا تتطور حالتها ليلاً، لأنه لن يتمكن من أخذها للمستشفى وقال إنْ حدث لها مكروه فهي في ذمة أولئك الذين يمارسون تلك الأفعال التي يتضرر منها الناس الأبرياء في القرى قبل غيرهم. ليست هذه الشكوى الوحيدة لكنها من الشكاوى القليلة التي يحاول بعض أهل القرى توصيلها إلى من يهمه الأمر بسبب معاناتهم اليومية نتيجة تلك الأعمال، ولعلَّ من يشاهد ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي من أفلام يتمّ تصويرها من قبل الشباب أنفسهم يلاحظ بسهولة كيف أنَّ هؤلاء يتسببون في أذى أهل القرى “والفرجان في المدن وخصوصاً العاصمة”، حيث يخرج عدد قليل منهم في “مظاهرة” يرفعون فيها الشعارات ضد الدولة، ويملؤون أفواههم بالشتائم ويصرخون ليأتي رجال حفظ النظام فيتعاملون معهم بما يستوجبه الموقف، الذي ينتهي غالباً بتضرر ممتلكات المواطنين والمقيمين في تلك المناطق، وتعطيل حياتهم من دون أنْ يحقق أولئك الشباب المغرر بهم أية مكاسب. هذا واقع يعاني منه أهل القرى وهم يستغيثون كل يوم ويتمنون على الدولة إنقاذهم من هذا الوضع، الذي صاروا فيه رغم عدم رضاهم عما يقوم به أولئك الشباب، خاصة وأنهم المتضرر الأول والأخير مما يجري في ساحتهم، لكن السؤال هنا هو هل هذه النداءات الصامتة والهامسة من أهل القرى تكفي لوضع حد لتلك الأمور، التي تحدث لهم ويعانون منها يومياً؟ أما الجواب فهو بالتأكيد أنها لا تكفي حيث الصحيح هو أنَّ عليهم أنْ يجهروا أولاً بمعاناتهم، وأنْ يقفوا بكل جرأة في وجه أولئك الذين يعيثون في قراهم فساداً ويربكون حياتهم ويجعلونهم كما الدروع البشرية. لكن الدور الأكبر هو على الكبار منهم، حيث ينبغي من العائلات الكبيرة ومن لهم رأي وسلطة اجتماعية -من في تلك القرى- أنْ يقفوا في وجه تلك الثلة التي لا تفكر في ما تجرّه عليهم من ويلات، بقدر ما تفكر في تنفيذ ما هو في رؤوس قادتها من خيالات، وأن يتعاونوا مع الدولة في رفض ما يجري في قراهم أولاً، وفي تنفيذ عمل ما يضع حداً لكل هذا الاستهتار كونهم المتضرر الأكبر منه. ينقل لي أحدهم أنه يعرف من أهل القرى من حلَّ مشكلته بأن انتقل للعيش في مناطق أخرى، هروباً من تلك الحال التي صارت فيها قريته، فهو يخشى على نفسه وعلى عياله من أفعال أولئك، الذين يمكن أن يؤذونهم حتى بطريقة مباشرة، لكن هذا الحل عدا أنه غير عملي فإنه غير متاح لأولئك الذين يعانون من ضيق ذات اليد، فالذين يملكون بيوتاً خارج القرى قليلون، فإذا أضيف إلى كل هذا سلبيتهم فإنه لا يبقى لهم سوى أنْ يصبروا على الأذى. الذين يعانون ويتضررون من أعمال أولئك الشباب في القرى كثر، لذا فإنَّ المخرج المنطقي مما صاروا فيه هو أنْ يعبِّروا عن عدم رضاهم على ما يقوم به أولئك الشباب، وأنْ يتخذوا منهم موقفاً واضحاً يعين الدولة على وضع حدٍّ لمعاناتهم.
أهل القرى: أغيثونا.. أغيثونا!
27 مايو 2012