كتب - طه القلداري:جاء رجلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بجميع ماله وقدمه بين يديه، وأبقى لأهله الله ورسوله، وبكى حزنًا على النبي عندما سمعه يخطب في آخر حياته، يشير إلى أنّه مودعهم بقوله:( إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ)، وأثنى عليه رسول الله بأنَّه أَمَنَّ النَّاسِ عليه فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ ولو كان مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِه لاتَّخَذه خليلاً، لَكِنَّها أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ......فهل عرفتموه؟ إنّه "أبوبكر الصديق رضي الله عنه”. فلقد ظفر سيدنا أبوبكر الصديق بأفضلية خير الأمة كلها بعد نبيّنا بصدق إيمانه وبما بذله من مالٍ وجهادٍ وعطاءٍ لنصرة دين الله ونصرة رسوله.ولا يزال في الأمة من يجدد سيرته ببذل جميع ما يملك في نصرة الدين، فتطل علينا امرأة من مكة وتنفق جميع مالها دعمًا للجيش السوري الحر فينتصر الجيش في إحدى معاركه ويسمي هذه المعركة باسم خنساء مكة تخليداً لما قدمته هذه المرأة.ويجود الرجال والنساء والكبار والصغار بأموالهم دعماً لانتفاضة أهل الشام، ضد أهل الظلم والطغيان.هذا هو الصنف الأول من المال، مالُ أصحاب البذل والعطاء، مالُ من اقتدى بالصديق الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى. أما الصنف الآخر من المال فهو مال مَن بخل به، ولم يعط الزكاة، واكتنز ملياراته في بنوك دول الغرب، ليهنأ ببعضها ورثته من بعده، ويستولي على أكثرها ساسة هذه البنوك، ثم يعذب بها في آخرته، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، فهؤلاء لم يتعظوا بمن عصفت الأزمة المالية العالمية بأموالهم الربوية وأطاحت بملياراتهم، بل عندما يُدعى إلى الإنفاق في سبيل الله يبخل، قال تعالى:(هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).ولو تفكّر أثرياؤنا الذين تركوا الإنفاق في نصرة إخوتهم في بلاد الشام، في مصير أموالهم وأنفسهم فإنهم كمن ألقى بنفسه وماله إلى الهلاك والخسران، قال تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، فمن أراد النصر لا بد له من الإنفاق والإحسان، فإنه من يحسن يحبه الله، ومن يحبه الله ينصره لذا قال بعدها: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).وليستبشر من أنفق في سبيل الله بزيادة المال، وليستبشر أهل الشام بالعزة بعد صبرهم، وقال رسول الله :(ثَلاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلمَةً صَبَرَ عَلَيها إِلا زَادَهُ اللهُ بِها عِزًّا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ) رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح. فشتان بين مالٍ يُقرب إلى الله وجنّته، وبين مالٍ يُعذب به صاحبه في نار جهنم! فاختر لنفسك أيَّ مال تحب أن يكون مالك.