بقلم ـ د. عبدالستار الراوي: من بديهيات القول: إن استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية حق مشروع لأمم العالم وشعوبها كلها، وليس لأي طرف الحق باحتكار العلم أو التفرد بالتقنية من دون البلدان الأخرى، وإن من واجب المجتمع الدولي أن يجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي وعليه تقع مسؤولية الضغط على إسرائيل لوضع منشآتها النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفتحها أمام المفتشين الدوليين. وتعدّ إيران نفسها من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وبنود المعاهدة تمنح الدول الموقعة حق تطوير برامجها النووية للأغراض السلمية وبرنامجها النووي يتم تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنشآتها النووية مفتوحة أمام مفتشي الوكالة. وتعتقد طهران أن الحرب الدائرة بينها وبين أمريكا والدول الغربية ما هي إلا حرب ناعمة يستخدم كل طرف جميع الوسائل المتاحة بهدف إضعاف الطرف الآخر وإخضاعه لقبول شروط الطرف المنتصر في هذه الحرب لتبدأ بعد ذلك مرحلة تقاسم المصالح. وحققت طهران نجاحاً نسبياً في هذه الحرب الناعمة، حتى الآن، أمام التحديات الأورو أمريكية إذ تمكنت بأساليبها التضليلية استبعاد خيار القوة العسكرية أو تأجيله، بلجوئها إلى المناورات السياسية القائمة على اللعبة الزمنية والتسويف في التعهدات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتحاول طهران استغلال الكراهية والسخط اللذين يسودان شعوب المنطقة ضد السياسة الأمريكية الخاطئة في المنطقة وتعاملها المزدوج والكيل بمكيالين إزاء الصراع العربي الإسرائيلي، مدركة أن شعوب منطقة الشرق الأوسط سأمت الحروب والصراعات، وأن مبدأ الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية هو النهج السائد بين دول المنطقة، ولذلك فأنها تراهن على مواقف دول المنطقة المعارضة لاستخدام القوة واللجوء إلى الحل العسكري لحل أزمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون الآن هو: هل الولايات المتحدة الأمريكية جادة في تهديداتها باستخدام الخيار العسكري لإجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي في حالة استنفاد الخيارات السلمية كلها. وللجواب عن هذا السؤال فإن قراءة متعمقة لتطورات المواجهة والرهان الإيراني ومواقف الدول الأخرى ترينا أن اللجوء إلى الخيار العسكري يبدو حتى الآن مستبعداً لأن جميع الأطراف تدرك أن المواجهة العسكرية قد تكون أشد خطراً من استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي بالإضافة إلى ذلك فأن إيران بمنهجها الذرائعي المقترن بالمناورة والدهاء لن تسمح للأمور أن تصل إلى حد المواجهة العسكرية، وبالتالي فإنهم يدركون أن حدوث المواجهة العسكرية له عواقب وخيمة قد تكلفهم خسارات يتعذر احتواؤها، وقد تطيح بالنظام نفسه، ولذلك فأنهم، في الوقت الذي يجدون أنفسهم وصلوا إلى حافة الهاوية ونقطة الخطر وحتمية المواجهة العسكرية ولم يعد هناك مجال للمناورة سيتقدمون بمبادرة تطفئ حدة الأزمة بطريقة ما بحيث تحفظ ماء الوجه على الأقل أمام الرأي العام الداخلي وبما يضمن الحد الأدنى من الحقوق.. وعلى عكس اهتمام العالم وقلقه من النشاط النووي الإيراني - بداية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ومروراً بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل باستثناء بعض التصريحات الخليجية المتباعدة والمتناثرة، لم يَصدر من الدول العربية مُجتمعة أو فرادى مُوقفاً واضحاً من المشروع الإيراني النووي كأنه لا يَخُصها في شيء. وعندما أشارت إليه لأول مرة في قمة الخليج 2005 مُعَبرة عن قلقها من تطورات المشروع النووي الإيراني، انقلبت الدنيا خاصة بعد تلقى قمة الخليج رسالة من عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية مُطالبا دول الخليج بنظرة أكثر شُمولاً تَأخذ في الاعتبار مَخاطر الترسانة النووية الإسرائيلية، ومُنبهاً إلى أهمية الدعوة إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط كلها من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك الأسلحة النووية. المَوضوع إذن في جوهره يدور حول “إيران النووية” من جهة، والنظام الدولي مُمثلاً بمجلس الأمن والأعضاء الدائمين فيه، والعالم العربي، ودول الشرق الأوسط بصفة عامة من جهة أخرى، وهو موضوع ذو طابع استراتيجي لم يحظ من المفكرين والمحللين العرب بما يكفى من الاهتمام حتى الآن، وظلت النظرة إلى إيران تتراوح بين وصفها مَصدراً للتهديد إلى حد خوض الحرب ضدها كما حدث في الحرب العراقية - الإيرانية 1980- 1988 وبين كونها حليفاً مُحتملاً من مَنظور قَواسم مُشتركة بينها وبين الدول العربية في الدين والجُغرافيا والتاريخ المُشترك، وتردد بالفعل في مقالات بعض المُفكرين والمحللين العرب استنكار لظاهرة القلق من المشروع النووي الإيراني، ودعوات إلى النظر إليه بوصفه إضافة إلى الدول العربية والإسلامية في مُواجهة إسرائيل والمُخططات الغربية في المنطقة. يقول الدكتور عبدالواحد الجصاني إن الأقطار العربية متوجسة من التوسع الإيراني، لكنها ترهب من احتمالات حرب طاحنة بين المشروعين الأمريكي والإيراني، قد تتوسع فتصل إليها، وقد يكون العرب أوّل ضحايا الرّدّ الانتقاميّ والرّدّ المضادّ، خصوصًا في الخليج. وعمومًا، فإنّ العرب هم الذين يعانون من تبعات التّوتّر أو الانفراج في العلاقات بين الولايات المتّحدة وإيران، لأنّهم يبدون الطّرف المغيّب في كلتا الحالتين. الدول العربية لا تُحسد على موقفها هذا، خاصة وأنها عاجزة عن أن تكون طرفاً فاعلاً في المعادلة الإقليمية، ليس لأنها فاقدة للقدرات الضرورية، بل بسبب انقسامها وافتقارها إلى الإرادة السياسية القادرة على بلورة مشروع ثالث، يعمل لمنع حرب جديدة في المنطقة، ويبقى بالعرب حاجة إلى نزْع فتيل التّوتّر من أيّ سيناريو حربيّ والسّعي إلى تسوية تفاوضيّة لموضوع البرنامج النّوويّ الإيرانيّ تأخذ في الاعتبار مصالحهم وأمنهم. ولا بد من وضع الأزمة النووية الإيرانية وموقف العرب منها ضمن السياق التاريخي للعلاقات العربية الإيرانية، فالوقائع تشير إلى أن العلاقات العربية الإيرانية شهدت خلال العصر الحديث حالة من الصراع والتأزم وعدم الاستقرار في انعكاس واضح لإرث التاريخ والجغرافية منذ سقوط الدولة الساسانية على يد الفاتحين العرب المسلمين، وكانت إيران هي الطرف الذي يثير الأزمات والصراعات، فهي التي احتلت عام 1971 الجزر العربية الثلاث في مدخل الخليج العربي وضمّتها إليها، وهي التي سعت وما زالت تحلم بضمّ البحرين إليها وهي التي تدعي حق الوصاية على العرب الشيعة في الوطن العربي وشكلت ومولت أحزاباً طائفية شعوبية استخدمتها طابوراً خامساً لها في الدول العربية وبالذات في دول الخليج العربي، وهي التي تمارس سياسة التطهير العرقي في إقليم عربستان لنزع هويته العربية. أما العراق، الدولة العربية الوحيدة التي لها حدود برية مع إيران، فقد نالت من سياسات إيران التوسعية والشعوبية القسط الأكبر، إذ ألغت إيران أكثر من اتفاقية حدودية مع العراق بهدف التوسع وحاربت العراق ثماني سنوات لتصدير (الثورة) إليه واشترت السلاح من الكيان الصهيوني لمحاربة العراق (فضيحة إيران – الكونترا 1981) و(عوفر غيت 2011) ومولت وسلحت حركات التمرد الكردي داخل العراق كما أرسلت ضباط مخابراتها لإشعال حركة تمرد في جنوب العراق مستثمرة نتائج العدوان الأمريكي على العراق عام 1991م، وآخر صفحات غدرها تسهيلها الاحتلال الأمريكي للعراق وتعاونها مع المحتل في سياسة تدمير العراق وتقسيمه. ولا تزال إيران في عام 2012 كما بدأت منذ ثلاثة عقود تؤكد أطماعها التوسعية، فعقب مدة من الكمون المريب، والصمت النسبي، سمعنا رجل الدين الإيراني آية الله محمد إمامي كاشاني في 4/ 9/ 2009 يحث بصوت جهير على أن الوقت حان لمعاودة العمل بـ«تصدير الثورة الإيرانية، بالتزامن مع تحركات فعلية من جانب السلطات الإيرانية، لإنشاء قواعد “سياسية” وبؤر “عسكرية” في المنطقة العربية، خاصة في النقاط الساخنة، لا سيما في لبنان، والعراق وفي الأراضي الفلسطينية، واليمن. وقد لا تكون نداءات “كاشاني”، مفاجئة لكثير من المحللين السياسيين، فدعوة رجل الدين الإيراني لتصدير الثورة، هي في النهاية مجرد “تحصيل حاصل” لما يقوم به نظام ولاية الفقيه في العالم الإسلامي، لكن التوقيت هو الذي يدعو إلى الكثير من التأمل، وهو خطبة الجمعة التي نقلها الراديو الحكومي على الهواء مباشرة. ويتوالى الصراخ التعبوي وتتواصل التحريضات طوال العام 2011، ويستمر التدخل الإيراني حتى يومنا هذا، فلم يكف لا المرشد ولا الرئيس ولا القيادات الإيرانية الأخرى عن التدخل في الشأن الوطني في مصر وتونس، والكويت والبحرين.. وبالصوت الصاخب ذاته، ومن فوق منبر طهران الرسمي، يتهدد خطيب الجمعة الشيخ أحمد خاتمي (6/4/2012) العربية السعودية والبحرين بالثبور وعظائم الأمور. وإذا كان “التمدد الجغرافي” رُكنًا من أركان عقيدة الولاية، ومنهجاً راسخاً في سياستها الخارجية، فإن الحديث عن الأخوة والتضامن والوحدة بين المسلمين يغدو فارغاً من المعنى وفاقدًا للدلالة، وإن الذي جرى بشأن سياسة الجوار الإقليمي في العام 1979 لم يزد عن استبدال صورة بأخرى، دون أن تَمَسَّ الثورة خارطة الإستراتيجية البهلوية، فالتصريحات السياسية والتحركات الاستخبارية في الخليج العربي، تفضي إلى أن السلطة الثيوقراطية تنتهج باسم الإسلام السياسة التوسعية ذاتها، وتمارس دور “الفقيه المسلح”، بدلاً من “شرطي الخليج”، وإن أُولى التطبيقات العملية لذلك، هي إصرار ولي الفقيه الثاني، على تحويل العراق إلى إقطاعية ولائية، واغتصاب الجُزُرِ العربية الثلاث، والإصرار على “فارسية” الخليج العربي، والتطاول على عروبة البحرين. وهكذا أصبح “التدخل الإيراني” بالشأن الوطني للدول العربية والإسلامية “قاعدة قانونية” وسمة ثابتة للثورة الإسلامية، وبدلاً من أن تلتمس التجربة الإيرانية منهجاً واقعيّاً في بناء العلاقات السوية وتوطيدها، وتبادل المصالح والمنافع، واحترام خيارات الدول، حسب مبادئ القانون الدولي، الذي يُحرِّمُ اللجوء إلى استخدام العنف، أو اللجوء إلى القوة المسلحة لتسوية المنازعات أو الخلافات الثنائية، بدلاً من ذلك كله، تجاهلت سلطة الولاية موجبات القانون والأعراف الدولية، فكان البديل هو النزوع إلى فرض “أيديولوجية الفقيه المسلح” على دول الجوار العربي، فكان العراق في مقدمة مرمى الولاية. وأن الولاية التي لم تكف يوماً عن إنزال لعناتها على الشيطان الأكبر، فيما تأخذها مصالحها (القومية) إلى مؤازرة العدوان الأمريكي وعلى تمكين قواته من تنفيذ مهماتها بقطع رؤوس المسلمين في أفغانستان والعراق، والاحتفاء (الديني) باحتلال بغداد، على أيدي قوات المارينز. وفي الوقت الذي كانت تتصاعد نبرة هتافها بسقوط إمبراطورية البيت الأبيض، كانت طهران تحتضن أبناء “الشيطان الأكبر” وتلامذته في حكومات الاحتلال وأحزابها، وعندما تعلن سياسة الحياد الفعال، فإنها تمنح بركاتها لفيلق القدس لاجتياز الحدود والانتشار في البصرة، وفي الوقت الذي كانت طهران تدافع فيه عن (العراق الجديد)!!، شرعت قواتها المسلحة بتنفيذ عملية احتلال منطقة الفكة، رافعة أعلامها فوق آبار النفط العراقية. وإذا كانت ولاية المرشد الثاني تحارب أمريكا بالكلمة والصورة، فإنها كانت الدولة رقم واحد التي أعلنت اعترافها بحكومة المندوب السامي بول بريمر، لتسجل سبقًا سياسيًّا في العالم الإسلامي حين سارعت قيادتها العليا إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال الأمريكي، وتعهدت بدعمها السياسي اللامحدود لسلطة “مجلس الحكم الانتقالي”، وقضت المصالح المشتركة أن يلتقي حجي بابا الأصفهاني مع جورج بوش حول أمهات القضايا: * تكريس المحاصصة العرقية والدينية لإضعاف العراق وتمزيق نسيجه الوطني. * ملاحقة المقاومة وتصفية أنصارها. * تشجيع النزعات الطائفية القائمة على التجزئة والتقسيم. * انتزاع هوية العراق العربية. هذا هو النهج الذي دأبت عليه الولاية الأولى والثانية في تخطيط برامجها السياسية وتنفيذها في العالم العربي الإسلامي من أفغانستان إلى العراق، ومن الأحواز إلى فلسطين مروراً بلبنان والمغرب وأقطار الخليج العربي، ولعل تدخلاتها السافرة - قولاً وعملاً- وما أقدمت عليه الجمهورية الإسلامية في النصف الأول من العام 2011 من تدخل سافر في الشأن العربي خلال ظاهرة الحراك السياسي في الوطن العربي التي شهدتها تونس ومصر وأقطار عربية أخرى، دليل مؤكد على نهجها العدواني الذي لا يقبل النقض، نحو زعم المرشد الأعلى أن ثورة مصر امتداد للثورة الإيرانية، والتعبئة الإعلامية والسياسية والمنبرية ضد مملكة البحرين، والتدخل الفظ في شؤون العراق، ففي الوقت الذي أفتى السيد خامنئي بعدم جواز التظاهر في العراق ضد حكومة الاحتلال الخامسة، أعلن في اليوم التالي هجومه المريب على أقطار الخليج العربي، وعقب مرور أسبوع واحد على خطاب المرشد الأعلى، يخرج رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية ليعلن أن الخليج كله كان فارسياً منذ بداية التاريخ وحتى اليوم. وبعيدًا عن “هواجس المؤامرة” التي تُلقي بمسؤوليتها دائمًا على “قوى خارجية”، ليس لديها ما يشغلها سوى وضع الخطط تلو الأخرى للتآمر على العرب والمسلمين والعمل لإضعافهم وإخضاعهم!! وبعيداً أيضاً عن منطق “القصور الذاتي” الذي ينزع دوماً نحو إلقاء اللائمة على التناقضات الذاتية الكامنة في “بُنية النُّظم” العربية والإسلامية نفسها.. بعيداً عن كلا المدرستين، وفي منأى عن النتائج المُسبَقة “مع” أو “ضد”، ومازال كاتب هذه السطور يَثِقُ بالمستقبل، ويأمل أن تعيد إيران النظر في خياراتها، لتُنشِئَ منهجاً عقلانيّاً، يُسهم في استقرار المنطقة، ويُعيد تأسيس العلاقات العربية الإيرانية على قاعدة حسن الجوار والاحترام المتبادل، توثيقاً لمنطق الإسلام الرشيد، الذي يحض على وحدة الأمة وعلى تآزر أبنائها، للانطلاق إلى آفاق التنمية الخلاقة والتعايش الآمن بعيداً عن دخان الحرب وهدير المدافع . ولعل إيران الرسمية تجرب الإصغاء إلى صوت العقل، وتلتفت إلى نداءات ذوي الرأي من مواطنيها وهم يطالبون المرشد الأعلى بالامتناع عن بعثرة ثروة البلاد وتبذير الأموال على الأحزاب والجمعيات والمليشيات في لبنان والعراق واليمن والخليج العربي. وبدلاً من التدخل في شؤون البلدان الأخرى، يتعين على الدولة الانصراف إلى معالجة المعضلات المتراكمة التي تعاني منها، والتي تتطلب حلولاً عاجلة وإصلاحاً جديّاً شاملاً إقراراً لحقوق المواطنة، واحترامًا لحقوق الإنسان في الحرية والأمن والكرامة. لعل “النظام العربي” يدرك ماهية التحديات ويتنبه إلى حجم المخاطر التي تنفتح أمامه ومن حوله كما بوابات الجحيم في الأرض والأنهار التي تُحَتّم عليه الخروج من قوقعة الخلافات القطرية البائسة إلى البحث عن نقطة البداية؛ للشروع منها إلى بناء تضامنٍ مصيري تنتظم فيه بلداننا المبعثرة دفاعًا عن الذات المقهورة تحت وطأة الصغائر والأنانية والأوهام! هل بوسع “النظام العربي” أن يدرك قبل الفوات أن الثابت في عالمنا المُتَغَيّر هو الإرادة المقاومة نُطفَةُ النبل الطَّهُور، المحاصرة من ذوي القربى، في عصر التراجع والانحطاط، لأمة مطحونة بهموم الخبز والاستبداد، فلم يَعُد أمام أمتنا من سبيل إلا طريق التئام الأجزاء المتناثرة سواء بالوحدة أم الاتحاد، وبغير ذلك فإن الوطن العربي في طريقه إلى التآكل جغرافياً وديمغرافياً وسيادياً. واستناداً إلى المعطيات التاريخية أعلاه لا يمكن أن نتصور أن حيازة إيران لبرنامج نووي يمكن تحويله للأغراض العسكرية سيصب في صالح الأمن القومي العربي، بل العكس هو الصحيح. فالشواهد تشير إلى أن إيران تطمح إلى التفوق العسكري بشقيه التقليدي والنووي لتصبح القوة الإقليمية الأولى في المنطقة ابتداء من الخليج العربي ومنه تمد نفوذها إلى بقية الوطن العربي. للعرب موقف واضح وموثق منذ سبعينيات القرن الماضي يدعو لمنع انتشار الأسلحة النووية وإزالتها من على وجه البسيطة، وضمن هذا السياق طالب العرب بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط من خلال إزالة الترسانة النووية للكيان الصهيوني، ولتحقيق هذا الهدف تسعى الدول العربية في جميع المحافل لإجبار الكيان الصهيوني على الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار، مثلما تسعى من أجل بلورة رأي عالمي يعزز سياقات منع انتشار ونزع السلاح النووي. واستناداً إلى هذا الموقف التاريخي والفاعل من مسألة عدم انتشار ونزع الأسلحة النووية، فإن الدول العربية مطالبة بأن تدعم جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المتابعة الجادة على آليات عدم الانتشار وتعزيزها ولا يجب أن يكون البرنامج النووي الإيراني استثناء من هذه الجهود. المصادر: الدكتور عبدالواحد الجصاني: هل يهدد البرنامج النووي الإيراني الأمن القومي العربي؟ شبكة البصرة 2008 مفكرة الإسلام: مفكرو الإسلام: أثر البرنامج الإيراني على منطقة الخليج العربي 27/9/2009 الدكتور عبدالقوي الإيرياني. الملف النووي الإيراني والموقف العربي صحيفة 26 سبتمبر العدد 1303 (2/4/2012)