الولايات المتحدة الأمريكية حركت الأقليات الشيعية في منطقة الخليج العربي؛ أي 2% لمواجهة 98%، وحين فشل المخطط تركتهم بعد أن وجدت أن كفة الآخرين مازالت هي الأقوى، فظلمتهم أيما ظلم وأضرت بهم أكبر ضرر.اليوم لا مخرج للجماعات الشيعية إلا بالابتعاد عن هذه الأحزاب تماماً والبحث عن بدائل ووجوه تصلح لترميم العلاقة من جديد مع الكيان الخليجي، ولا مخرج للمنطقة إلا بإعادة احتواء الشيعة من جديد وفتح الباب لهم وتسهيل خروجهم من تحت عباءة الحزب الخائن، إنما العملية تحتاج إلى جهد من الطرفين حتى تنجح.اعتقدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها (ستؤمن) مصالحها من خلال التحالف مع الأقليات في منطقة الخليج العربي، لكنها لا تدري أنها أضرت بهذه الأقليات حين أثارت حفيظة الأغلبية ضدها بعد أن رأت في تحالفها خيانة عظمى لا تغتفر، كما أثارت حفيظة هذه الغالبية ضد الولايات المتحدة الأمريكية حين رأوا كيف تآمرت عليهم. الأحزاب السياسية التي تدعي أنها تتحدث باسم تلك الأقليات أضرت بجماعتها حين تحدثت باسمهم، إذ جعلتهم بين فكي الكماشة بخيانتها التي وصمت بها جماعتها. فالغالبية بدأت تشكك في ولائها والحزب يهددها من جهة أخرى إن هي (شقت الصف).اليوم وضع الجماعات الشيعية في دول الخليج وضع صعب جداً؛ فهم وسط (المعصرة) الأحزاب تضغط عليها وتهددها من جهة والسنة ينظرون لهم بريبة، والولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت لهم الشمس في يد والقمر في يد نفضت يدها منهم وتركتهم فريسة لخصومهم وأعدائهم.من تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية لم يضع في حسابه أنها من أكثر الدول قدرة وقابلية على التأقلم والتبدل مع المتغيرات؛ فهي بلد السيناريوهات البديلة والخطط البائية (بلان بي وبلا نسي)، فإن هي تخلت عن التحالفات التي مضى عليها أكثر من مائة عام في لحظة، فإنها قادرة على إعادة بناء تلك التحالفات من جديد في لحظة أيضاً.وعادي جداً أن تجد الأحزاب الخائنة هواتف السفارات مغلقة الآن في وجهها ولا أحد يرد من السفارات أو من المنظمات.الشيعة مواطنون لهم كافة الحقوق، وهذه الأرض أرضهم في الخليج، هم وإخوتهم السنة وبقية الطوائف، وهؤلاء هم من سيتبقى لهم عاجلاً أم آجلاً، وأما تلك الأحزاب فهي إلى زوال. فجينات التفتت والانقسام فيما بينها أكثر من أن تحصى، وبعض القيادات التقليدية تجاوزت السبعين والوجوه الشابة ليس لها قدرة على قيادة الجموع، لذلك فلا خيار إلا بالعودة للحضن الخليجي والتصالح مع الداخل وترميم العلاقة من جديد بالتخلي عن وجوه الازمة التي ارتبطت بالخيانة والتآمر والتازيم.الشيعة بحاجة لقيادات جديدة مستعدة للتاقلم مع الكيان الخليجي العروبي والانخراط والاندماج والذوبان في الكيان الخليجي، وذلك عودة للأصل وللدم ولصلة القربى وللجذور، ولن تجد صعوبة في ذلك.لكن التأخير سيكرس وضعاً غريباً طارئاً من العزلة والانكفاء لا يستفيد منها إلا الوجوه التي تسببت فيها.على صعيد آخر؛ الكيان الخليجي في حاجة لإعادة النظر في التحالفات الدولية التي تسببت في هذه الأزمة وعلى رأسها علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية. فتنوع التحالفات الدولية والاتجاه شرقاً بتقوية الأواصر مع روسيا والصين وكوريا الجنوبية والهند واليابان من جهة، وتوثيق العلاقات الأوروبية الانفرادية مع كل دولة أوروبية على حدة أو مع الاتحاد الأوروبي للتخفيف من الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية تجارة وأمناً من الخطوات التي ينطبق عليها التفكير الاستراتيجي بعيد المدى.لهذا فإن قيام الاتحاد الخليجي بتكريس هذه السياسة الخارجية سيحد من أثر الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة.فدول الخليج بإمكانياتها تفرض شروطها وتفرض مصالحها لو أرادات، فهي التي تملك المخزون النفطي والغازي والموقع المهم، وكل القوى الدولية تخطب ود هذه المنطقة، وبإمكانها أن تصبح البديل المناسب.دول الخليج التي حافظت على أمنها واستقرارها وأنظمتها الحاكمة أطول من عمر الولايات المتحدة الأمريكية بإمكانها أن تفرض ما تريد لو أرادت من شروط واستحقاقات لا العكس.وهي الآن تخطو هذه الخطوات الاستراتيجية المهمة التي ستجعلها من أقوى الكيانات الاتحادية مستقبلاً.