سلام الشماعكانت بغداد تستقبل رمضان بلهفة، وتعدّ نفسها قبل أيام لملاقاته، فتتزين شوارعها وتمتلئ بالخيرات أسواقها وتنشغل النسوة بإعداد الطعام الذي لا يصيبه التلف سريعاً لتقديمه للأسرة ضمن وجبات الفطور أو السحور.كنا، أطفالاً، وكانت عدوى حماسة الأهل وتلهفهم لاستقبال هذا الشيخ الجليل المهيب تنتقل إلينا، فنحاذر أن نغضبه أو نجعله يخرج منا زعلان، فهو يحمل كيساً مليئاً بالخيرات التي جلبها من الجنة، وهو يحب الأطفال كثيراً لكنه يزعل إذا رأى واحداً منهم يخرج إلى الشارع نهاراً ويأكل جهاراً، وهو سيحب الأطفال أكثر إذا رآهم لا يأكلون إلا مع أهاليهم.. وآخر خيراته أنه سيأتي بالعيد.. وما أدراك ما العيد؟.. ألعاب لا تراها العين ولا يحلم بها أحد في أيام غير أيامه.. وفلوس من الأقارب والأب والأم وأكل وشرب في النهار وحدائق غناء نمرح فيها والتقاط صور فوتوغرافية ستظل معنا إلى كبرنا.هكذا كان يفهم أطفال بغداد رمضان وكذلك يتخيلونه.. ولكن السؤال: كيف يفهم أطفال بغداد رمضان هذه الأيام حيث الذبح والقتل والاغتيالات والانفجارات والتهجير والدعوات الطائفية التي شردت العراقيين من ديارهم؟نحن عشنا رمضان كما ينبغي لنا كأطفال أن نعيشه، فيا رب فرِّج عن العراق ليعيش أطفاله رمضان، كما عشناه.