شهدت الأيام الماضية مناقشات واسعة حول التقرير الوطني الثاني أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وتعتبر هذه الخطوة المرة الثانية التي تقدم فيها مملكة البحرين تقريرها أمام المجلس، باعتبارها خطوة تمثل آلية تعاونية استحدثتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة التزام الدول بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، كي تكون المراجعة دورية وشاملة في مختلف المجالات الحقوقية.المراجعة الدورية الشاملةوتتمّيز تجربة مملكة البحرين أنها أول دولة عضو بمجلس حقوق الإنسان تخضع للمراجعة الدورية الشاملة عام 2008. عندما قدمت المملكة تقريرها الأول وتمت مراجعته من قبل الدول الأعضاء في المجلس، وأعلنت قبولها بكافة التوصيات والتعهدات الصادرة من المجلس إيماناً منها بضرورة احترام مبادئ حقوق الإنسان، وتعزيز التزامها بها خاصةً أنها تعد من الأولويات الوطنية لديها.مستويات التعهد الدوليويعتمد اهتمام المملكة في الالتزام بتعهداتها الدولية بمجال حقوق الإنسان على مستويين: حرص والتزام القيادة السياسية بتعهدات حقوق الإنسان. حرص والتزام الحكومة بتعهدات حقوق الإنسان.الاتفاقيات الحقوقية وانعكس هذا الالتزام على مستوى السياسات الداخلية والخارجية منذ عقد من الزمن. حيث قامت الحكومة بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات الحقوقية الدولية، منها: اتفاقية حقوق الطفل، وبرتوكولاتها الاثنين -البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو”، بالإضافة للاتفاقية المناهضة للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الخاصة بالرق، وكل من اتفاقية الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1948، واتفاقية الجريمة المنظمة عابرة الحدود وبروتوكولاتها. العهد الدولي إلى جانب صدور القانون رقم (56) لسنة 2006 بالموافقة على انضمام مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والقانون رقم (10) لسنة 2007 بالموافقة على انضمام حكومة مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أكدت مملكة البحرين التزامها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم(60/251) بشأن تأسيس مجلس حقوق الإنسان.وعلى مستوى السياسة الخارجية عززت المملكة تعاونها مع العديد من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية للاطلاع على الأوضاع الحقوقية في المملكة، من خلال تسهيل العديد من الزيارات الميدانية للمؤسسات الإصلاحية، والاطلاع على الأنظمة المعمول بها في العديد من المؤسسات، ومدى تطابقها مع معايير ومبادئ حقوق الإنسان.المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسانأما على مستوى السياسات الداخلية، فإن التزام البحرين بتعهداتها الدولية لحقوق الإنسان شكلت محوراً رئيساً من محاور الإصلاح السياسي منذ عام 2001، حيث أنشأت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي تم تعزيز دورها وصلاحياتها بتوجيهات ملكية. وساهمت أجواء الانفتاح السياسي والحريات المدنية بتأسيس مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة.اللجنة الوطنية لتقصي الحقائقكما كانت للمملكة تجربة فريدة إثر الأحداث المؤسفة التي شهدتها مطلع عام 2011، حيث تم تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة لتقصي الحقائق للنظر في أية انتهاكات حقوقية وقعت خلال فترة الأزمة التي مرّت بها البلاد، وهو ما ترتب عليه إعلان حضرة صاحب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى قبول الدولة والتزامها بكافة التوصيات التي قدمتها اللجنة في تقريرها، وتشمل التوصيات إصلاح وتطوير العديد من الإجراءات والأنظمة في بعض مؤسسات الدولة. الأمر الذي دفع إلى إنشاء لجنة مستقلة لمتابعة التزام الحكومة بتنفيذ هذه التوصيات، وهو ما تم في تقرير أصدرته لجنة المتابعة خلال الربع الأول من العام الجاري. وجارٍ العمل على تعديل مجموعة من التشريعات وسن تشريعات جديدة لضمان توافقها مع توصيات اللجنة والمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان. الصندوق الوطني لتعويض المتضررينوتأكيداً لالتزام المملكة بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتزاماً منها بتوصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق قامت بتشكيل الصندوق الوطني لتعويض المتضررين من الأحداث التي شهدتها المملكة في فبراير ومارس2011. حوار التوافق الوطنيإن الاهتمام الكبير بحقوق الإنسان وضرورة احترام المملكة لالتزاماتها الدولية في هذا المجال صار من الثوابت والأولويات، لذلك عندما أطلق حوار التوافق الوطني في صيف2011 بمشاركة كافة مكونات المجتمع تم تخصيص محور متكامل لمناقشة مجموعة كبيرة من القضايا الحقوقية التي طرحت بشأنها العديد من التصورات والأفكار لضمان التزام الدولة بتعهداتها الدولية، وانتهت بالتوافق على العديد من المرئيات في هذا الصدد.وزارة حقوق الإنسانونظراً للاهتمام الرسمي والأهلي المتزايد بكيفية الالتزام بالتعهدات الحقوقية الدولية فقد صدر مرسوم ملكي خلال العام الماضي بتشكيل وزارة لحقوق الإنسان بالدمج مع وزارة التنمية الاجتماعية نظراً لارتباطهما الوثيق. وخلال العام الجاري أصدر العاهل المفدى أمراً ملكياً بتعيين وزير دولة لشؤون حقوق الإنسان، وهو ما يعكس أولوية الاهتمام بهذا الملف الهام.الثقافة الحقوقية وأخيراً فالالتزام بالتعهدات الدولية لحقوق الإنسان ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما مسؤولية كافة المؤسسات سواءً أكانت رسمية، أو أهلية والتي تمثل مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الأفراد سواء كانوا مواطنين أم مقيمين في البلاد. لأنها مسؤولية جماعية تشترك فيها عدة أطراف بالشراكة، وهي تتطلب من المجتمع نفسه بناء الثقافة الحقوقية الواعية لضمان احترام الجميع لمبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة.