كتبت - زهراء حبيب:رفضت المحكمة الدستورية، برئاسة القاضي سالم الكواري، الطعن بعدم دستورية نص المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (24) لسنة 1976، وكشفت في حيثيات حكمها أن المادة المعطون فيها لا تشكل اعتداء على حق الملكية، وعلى العكس هي تنظيم تشريعي متوافق وأحكام الدستور، ومعزز لدور الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في الحفاظ على أموال المؤمن عليهم.وتشير وقائع الدعوى إلى أن صاحب إحدى المنشآت رفع دعوى دستورية ضد هيئة التأمين الاجتماعي دفعت فيها بأن المادة بها تعدى على حق الملكية، وذلك بعد أن أقامت الأخيرة دعوى المدنية أمام المحكمة الكبرى المدنية الثالثة ابتغاء القضاء بإلزام المدعية وآخرين بالتضامن بدفع مبلغ قدره 9 آلاف و531 ديناراً و178 فلساً، على سند من القول إن هذا المبلغ يمثل الاشتراكات التأمينية المستحقة لمصلحة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية على المنشأة التي تعاقبت ملكيتها بين المدعى عليهم في الدعوى الموضوعية.ولدى تداول الدعوى أمام محكمة الموضوع، تقدمت المدعية بمذكرتها الدفاعية ضمنتها الدفع بعدم دستورية نص المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (24) لسنة 1976، وعلية قررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى، والإذن للمدعية برفع دعوى الطعن بعدم دستورية المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي. فيما تقدم ممثل الحكومة بمذكرة دفع فيها الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعية بالمصروفات، على اعتبار أن الدستور حرص على دعم التأمين الاجتماعي، حيث أناط بالدولة مد خدماتها في هذا المجال إلى المواطنين في الحدود التي يبينها القانون، من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، وأن ضمان الرعاية التأمينية، إنما يكون أصلاً من خلال الدولة التزاماً من جانبها بأن توفر لهذه الرعاية بيئتها وأسبابها وفقاً لنص المادة (5/ح) من الدستور، وهذا لا يعني أن تنفرد الدولة وحدها بتحمل أعباء متطلبات التأمين الاجتماعي، كونه يعد تقويضاً لركائز التضامن الاجتماعي. وفيما سردت المحكمة في حيثيات حكمها تفاصيل حكمها الصادر برفض الدعوى بأن المدعية تنعى على نص المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (24) لسنة 1976، مخالفته للمادة (9) من دستور 2002 المُعدل، المقابلة للمادة (9 فقرة ج، د) من دستور 1973، تضمنه اعتداء على حق الملكية، إذ إن المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي المطعون فيها تنص على أنه «لا يمنع من الوفاء بجميع مستحقات الهيئة العامة حل المنشأة أو تصفيتها أو إفلاسها أو دمجها في غيرها أو انتقالها بالإرث أو بالوصية أو بالبيع أو النزول أو غير ذلك من التصرفات، ويكون الخلف مسؤولاً بالتضامن مع صاحب العمل السابق وأصحاب العمل السابقين عن تنفيذ الالتزامات المستحقة عليهم للهيئة العامة». وقالت المحكمة إن الدستور المُعدل وفق حكم المادة (5 فقرة ج) حرص على دعم وتعزيز دور التأمين الاجتماعي، إذ أناط بالدولة كفالة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين بجميع فئاتهم في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما كفل تقديم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، فمظلة التأمين الاجتماعي تكفل بمداها واقعاً أفضل يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع وفقاً لما أكده نص المادة (4) من دستور 2002 المُعدل، بما يؤكد أن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم بما يستصحب ذلك من تهيئة الظروف الأفضل التي تفي باحتياجات من تقررت لمصلحتهم الرعاية التأمينية.وأضافت أن التأمين الاجتماعي يكفل المقومات الأساسية التي يتحرر من خلالها أفراد المجتمع من العوز وينهضون من خلالها بمسؤولية حماية أسرهم والارتقاء بمعيشتهم، بما مؤداه أن التنظيم التشريعي لحقوق المؤمن عليهم الذي كفله المُشرع بموجب أحكام المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 1976 بإصدار قانون التأمين الاجتماعي.كما أكد قانون التأمين الاجتماعي وفق حكم المادة (115) مسؤولية الخلف التضامنية مع صاحب العمل السابق بتنفيذ جميع الالتزامات المستحقة عليهم للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، فإن هذا التنظيم الذي قرره المُشرع يعد ضمانة جوهرية للحفاظ على أموال الهيئة إلى جانب الضمانات الأخرى التي تناولها المُشرع بالتنظيم، وأبرزها ما قررته المادة (113) من حق امتياز لصالح الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية على جميع أموال المدين من منقول أو عقار وتستوفَى بعد المصروفات القضائية والمبالغ المستحقة للخزانة العامة، وكذلك ما قررته المادة (114) من اعتبار جداول المبالغ المستحقة للهيئة العامة والمصدقة رسمياً صكاً رسمياً صالحاً لإجراء الحجز التحفظي، مما يتأكد معه أن ما قرره المُشرع من ضمان لتحصيل الاشتراكات المستحقة على المنشأة وفق حكم المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي، كون هذه الاشتراكات هي ركيزة التمويل الأساسية لنظام التأمين الاجتماعي قد جاء بهدف إضفاء الحماية الكافية لأموال الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية. وأوضحت المحكمة أن المدعية تنعى على نص المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (24) لسنة 1976 مخالفته للمادة (9) من الدستور بما تضمنته من اعتداء على حق الملكية، فهذا النعي مردود بأن الدستور المُعدل حرص -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- على صون الملكية الخاصة وكفالة عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود وبالقيود التي أوردها، باعتبار أنها في الأصل مترتبة على الجهد الخاص للأفراد، وتعود إليهم ثمارها، ويختصون دون غيرهم بالأموال التي يملكونها، ولما كانت الأموال التي يرد عليها حق الملكية تعد من مصادر الثروة الوطنية التي لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة، إلا أن الملكية مع ذلك لم تعد حقاً مطلقًا، عصياً على التنظيم، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهي قيود يتحدد نطاقها ومرماها في ضوء الأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المُشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية في ضوء أحكام الدستور، مستهدياً في ذلك بوجه خاص بالقيم التي ينحاز إليها المجتمع، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير أفراد المجتمع.كما إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز جلية في مجال أنظمة التأمين الاجتماعي بما تفرضه من قواعد وأحكام هدفها النهائي الوفاء بالالتزامات المالية الملقاة على هيئة التأمينات الاجتماعية في الحال والمستقبل من قبل المؤمن عليهم، وزيادة الحقوق والمزايا التأمينية التي تقدم إليهم، كون نظام التأمين الاجتماعي يقوم بشكل رئيس على التمويل الذاتي الذي يتمثل في الاشتراكات التي يدفعها كلٌّ من العمال المؤمن عليهم وأصحاب العمل.وأشارت المحكمة إلى أن المُشرِّع في مجال تنظيم الالتزامات المالية الملقاة على عاتق أصحاب العمل نص في المادة (115) من قانون التأمين الاجتماعي المطعون فيها بعدم الدستورية، على ضمانة جوهرية لحماية أموال ومستحقات هيئة التأمينات الاجتماعية وحصولها على كامل حقوقها، فإلى جانب ضمان المنشأة لجميع مستحقات هيئة التأمينات الاجتماعية، في أي يد كانت هذه المنشأة، فقد أضاف المُشرع وفق حكم المادة (115) إلى جانب ضمان المنشأة نوعاً من التضامن بين السلف والخلف، بحيث يصبح المالك الجديد للمنشأة المبيعة مسؤولاً بالتضامن مع أصحاب العمل السابقين عن الوفاء بجميع المبالغ المستحقة لهيئة التأمينات الاجتماعية، وخلافة المشتري التضامنية مع البائع تكون في حدود الالتزامات الخاصة بما يخلفه فيه، ولا تمتد إلى التزامات البائع الأخرى.وأكدت أن النص المطعون فيه، ليس إلا حلقة في اتجاه عام تبناه المُشرع أمداً طويلاً سعياً منه إلى ضمان مستحقات هيئة التأمينات وتأكيداً منه لمقتضى ما نص عليه الدستور في المادة (5 فقرة ج) من كفالة الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين، فإنه بذلك لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية في جوهره أو يعدمه جل خصائصه، وإذ كان ذلك وكان رائد المُشرع في تقرير تضامن الخلف مع السلف في سداد مستحقات الهيئة، هو تقرير ضمانة أساسية لتحصيل المستحقات المالية للهيئة.وأكدت تمكين هيئة التأمينات الاجتماعية من الاضطلاع بالأعباء الملقاة على عاتقها حيال المؤمن عليهم، التي تصب في المحصلة النهائية في توفير حياة كريمة لهم تقيهم العوز، وتساعدهم على القيام بأعبائهم المعيشية، والمُشرِّع بذلك كله يكون قد استلهم أغراضاً اقتضاها الصالح العام.وبما أن النص المطعون فيه لا يشكل اعتداء على حق الملكية، وإنما هو تنظيم تشريعي توخى المُشرع من خلاله وفي ضوء الموازنة التي أجراها ما ارتآه حماية لمصالح جديرة بالحماية، فهو بذلك يكون متوافقاً وأحكام الدستور، متسقاً مع مقاصده، ومحافظاً على حقوق المؤمن عليهم، ومعززاً لدور الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في الحفاظ على أموال المؤمن عليهم، مما يتعين معه الحكم برفض الدعوى.