في ليلةٍ من الليالي الجميلة، من أيام رمضان المبارك، هذه الليلة ربما كانت هي أفضل أيام الدنيا، بل هي أفضل من ألف شهر ، كما قال ربنا عز وجل ( ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ).. كنت في ضيافة صديق بعد صلاة التراويح، وكان حديثنا عن العفو عن الناس والتسامح مع الآخرين وكظم الغيظ عن المخطئين والإحسان إلى الغير..الغريب في الأمر أن صاحبي هو الذي بدأ الحديث، واسترسل بجلب الأدلة والبراهين والقصص، وبين حين وآخر يقول الدعاء المأثور عن نبينا صلى الله علية وسلم في العشر الأواخر في رمضان ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عنا ).. بعدما انتهى من حديثه قلت له : أبو فلان هل انتهت الخصومة التي حصلت بينك وبين فلان؟!!! قال : لا ولن أعفو عنه وأسامحه حتى ألقى حتفي ، وهو ليوم القيامة خصمي..قلت له متعجباً أين حديثك وكلامك عن العفو والتسامح!!! خصوصاً وأنت في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وعدم تطابق كلامك وفعلك في خصومتك مع فلان.. ثم أردفت قائلاً : بالله عليك كيف تريد من الله المغفرة والرحمة والعفو عنك وعما بدر منك من أخطاء تجاه ربك، وأنت لم تبادر بالعفو عن زيد ومسامحة عبيد.. ثم ذكرته بقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ).. فالجزاء من جنس العمل ( وكما يقولون كما تدين تدان ).. هل تريد العفو من الله والمغفرة منه عز وجل ؟؟!! إذاً تجاوز عن أخطاء خلق الله تبتغي بذلك مرضاته سبحانه وجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر..وفي نهاية حديثي ذكرت له قصة رجل من تجار جدة الأثرياء، حيث تعاملت معه مرة وبعدها أصبحت أتردد على مجلسه كثيراً، وخير ما رأيته منه سمو أخلاقه في التعامل مع الناس، حتى مع عماله، وغالباً ما أجده يترفع عن القيل والقال.. لقد كنت تجد هذا التاجر صاحب الأخلاق الرفيعة عندما يتم الحساب بينه وبين التجار أو مع أصحاب الدين أو مع عماله، تجده يتجاوز كثيراً ولا يدقق مع أحد، وكثير التغاضي عن الزلات والأخطاء، خصوصاً من قصروا معه في الحقوق خطأً وليس عمداً ، ومع ذلك لم أجده يوماً اشتكى فلاناً في المحاكم، أو تخاصم مع علان، بل دائماً تجد حديثه الدائم في الخصومات والنزاعات .. الجزاء من جنس العمل .. اللهم إني تجاوزت عن خلقك مخافةً منك وطمعاً في ثوابك ، فتجاوز عني يوم لا ينفع ريال ولا درهم..إن الله عز وجل قد أودع هذا الكون سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، يُنسج على منوالها نظام هذه الحياة، فالعاقل اللبيب من يساير سنن الله ولا يصادمها، ومن هذه القواعد والسنن العظيمة أن الجزاء من جنس العمل .. فجزاء العامل من جنس عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. كمال قال تعالى : ( جَزَاءً وِفَاقاً ) .. ( ولا يظلمُ ربك أحدا )..ومضة :من روائع ابن القيم في كلامه عن الجزاء من جنس العمل:«لذلك كان الجزاء مماثلاً للعمل من جنسه في الخير والشر .. فمن ستر مسلماً ستره الله ..ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة .. ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة .. ومن أقال نادماً أقال الله عثرته يوم القيامة .. ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته .. ومن ضار مسلماً ضار الله به .. ومن شاق - شاق الله عليه .. ومن خذل مسلماً في موضع يحب نصرته فيه خذله الله في موضع يحب نصرته فيه .. ومن سمح - سمح الله له .. والراحمون يرحمهم الرحمن .. وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .. ومن أنفق - أنفق عليه، ومن أوعى أوعى عليه .. ومن عفا عن حقه، عفا الله له عن حقه .. ومن تجاوز - تجاوز الله عنه .. ومن استقصى - استقصى الله عليه .. فهذا شرع الله وقدره ووحيه ، وثوابه وعقابه ، كله قائم بهذا الأصل، وهو إلحاق النظير بالنظير ، واعتبار المثل بالمثل..صالح الريمي
العفو والتسامح صفات أفضل الناس وأكثرهم نبلاً
30 أغسطس 2012