^ التقيت قبل أيام بأحد الزملاء الأكاديميين الذي يشغل منصب عميد كلية في إحدى الجامعات الخاصة، وكانت بالنسبة لي فرصة لتهنئة متأخرة على توليه منصب العميد، إلا أنني فوجئت أن هذه التهنئة كانت متأخرة “جداً”؛ إذ أن الرجل بعد أن شكرني على تهنئتي أعلمني أنه سيغادر موقعه قريباً. صمتُ لهنيهة أبحث عما أتحدث به فالموقف صار غير الذي ابتدأت. شعر محدثي بالحرج الذي أنا فيه فتدخل مبيناً عدم انزعاجه من مغادرته موقع العمادة، بل على العكس أنه وجد ذلك حافزاً له للعمل والبحث العلمي!! سارعت أسائله عن سبب تنحيته عن منصبه وقد شجعتني كلماته تلك بعد أن كنت أستصعب أن أسأله. قال لي أنه سينُحى عن منصبه في ضوء تعميم من الوزارة يفيد بضرورة أن لا تكون الدرجة الأكاديمية لرئيس القسم أو العميد أدنى من أستاذ مشارك. وأضاف أنه يعتقد أن هذه “الالتفاتة” من الوزارة قد أتت في وقت مناسب منبهة إياه أنه أضاع من الوقت الكثير وأنه لابد أن يلتفت لنفسه وعلمه وبحثه وأن يعمل على ترقيته الأكاديمية؛ وإلا فسيبقى وقتاً طويلاً أستاذاً مساعداً؛ وهو لايجد هذا لطيفاً بحقه!!... واسترسل محدثي يحدثني عن جدية الوزارة وصرامة مواقفها فيما يخص إلزام الجامعات الخاصة بمراعاة النظم والمعايير والتقاليد الجامعية. فوجئت وأنا أتوقع أنني استمع إلى واحد يمثل خصوم الوزارة وهو يقول لي إن سنوات قليلة مضت مثلت فارقاً كبيراً في أداء الجامعة الخاصة التي ينتمي إليها من وجهة نظره على الأقل، ففي الوقت الذي كان معيار الربح والخسارة هو الحكم الأساس دون مراعاة للكثير من المعايير والتقاليد الجامعية، فهو يجد اليوم الموقف وإن لم يصل بعد إلى درجة الرضا إلى أنه لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال مع ما كان الحال عليه قبل سنوات قلائل. أصدقكم القول إنني شعرت بالغبطة ووددت أن أتابع الموضوع مع محدثي وفعلاً فعلت وقلت في نفسي لعلي ألتقي آخرين ممن أعرف ممن يعملون في الجامعات الخاصة غير تلك التي يعمل فيها محدثي لعل صورة الأمر تتضح أكثر وتكتمل. ولعلي أنقل لكم على هذه الصفحة بعضاً مما سأجد.. لكني في لحظة تساءلت ماذا عن جامعة البحرين الجامعة الوطنية؟! بالتأكيد لا يمكن مقارنة إنجازات هذه الجامعة العريقة بأي من الجامعات الخاصة الفتية عمراً وتجربة. ولايمكن بحال مقارنة الدعم الكبير الذي تتلقاه الجامعة من الدولة باعتبارها الجامعة الوطنية ولا يمكن مقارنة ما استثمرته الدولة في بناء وتعزيز البنى التحتية الجامعية بكل الاستثمارات المالية في الجامعات الخاصة. وبالتالي فإن عطاءها المتوقع بالتأكيد أكبر بكثير وهذا ما هو حاصل بالفعل حتى أن عدداً من مدرسي وإداريي الجامعات الخاصة هم من عطاء هذه الجامعة الوطنية.. لاشك في أنه لا أحد يختلف على هذا ولم يكن هنا محل تساؤلي. لكن تساؤلي كان هل أن ذات المعايير التي يراد من الجامعات الخاصة الالتزام بها يراد بذات القدر أن تلتزم بها جامعة البحرين!؟ في الحقيقة أفترض أن تكون الإجابة نعم. ولكنني أعتقد ولربما أجزم أن جامعة البحرين سباقة إلى تطبيق المعايير الأكاديمية وهي حريصة على الالتزام بالتقاليد والأعراف الجامعية وهي أحرص من أن تنتظر من أحد تنبيهها إلى ذلك. وهذا ما يتوقع منها في مقابل الثقة والدعم والإسناد التي توليه لها قيادة هذا البلد لترتقي بها إلى مصاف الريادة. فوجئت وأنا أتصفح صفحة ضمان الجودة في جامعة البحرين أن كلية فيها تدار بالكامل من تدريسيين بدرجة (أستاذ مساعد) عميدها وكل رؤساء أقسامها رغم أن الكلية تطرح برنامج ماجستير إضافة إلى برامج الدراسة الجامعية الأولية. قلت لربما اضطرت الجامعة إلى ذلك لخلو الكلية من أساتذة وأساتذة مشاركين؛ لكنني وجدت ذلك منافياً للمنطق؛ إذ كيف يمكن أن تخلو كلية تطرح برنامج ماجستير من الأساتذة والأساتذة المشاركين وضوابط الجامعة تمنع من هم بدرجة أستاذ مساعد من المحاضرة في برامج الماجستير إلا ضمن ضوابط مشددة –منها غزارة الإنتاج البحثي- لضمان الجودة. حقا ًحوتني حيرتي... أنا لا أشك إطلاقاً في أن عميد هذه الكلية ورؤساء أقسامها لهم من المزايا ما جعل الجامعة تسند لهم ما أسندت من مسؤولية وأنا لا أقصد أشخاصهم بهذا الكلام بقدر ما يهمني من علاقة التكليف بالموقع الوظيفي بالدرجة الأكاديمية تماماً مثل محدثي العميد في الجامعة الخاصة الذي ارتضى برحابة صدر أن يمتثل لمعايير الوزارة أو لنقل للمعايير المعتمدة في معظم جامعات العالم بما فيها ما يحيطنا في محيطنا من جامعات خليجية وعربية؛ محدثي الذي ارتضى أن يتنحى لأنه رغم سني خبرته التدريسية لم يفلح بعد أو لنقل لم يعمل بعد على اجتياز أول ترقية أكاديمية في السلم الأكاديمي بعد حصوله على الدكتوراه. استعدت كلمات محدثي العميد في الجامعة الخاصة وهو يربأ بنفسه أن يكون مثل عميد آخر بذات درجته الأكاديمية رافضاً أن يكون محل اعتراض أو تساؤل من الآخرين فيه الكثير من المنطق والمصداقية إذ كيف له وهو الذي قضى عقداً من الزمن أو يزيد دون أن ينشر بحثا خارج أسوار جامعته أن يقود كليته نحو تعزيز البحث العلمي وترصينه ..وكيف له وهو في مرتبة لاتسمح له بالمحاضرة في الدراسات العليا أن يطور هذه الدراسات ويعززها ويؤثر فيها إيجاباً..وكيف له وهو لم يجتز ترقيته الأكاديمية الأولى أن يقيم من التدريسيين في كليته من هم بدرجة مشارك أو أستاذ ..بل وربما يكون فاعلاً كعميد في تعيين هذا أو فصل ذاك ممن هم أعلى منه أكاديمياً لكنهم -لسوء طالعهم- بمعيته إدارياً!!!.تساؤلات طرحها محدثي العميد في الجامعة الخاصة.. أمسكت نقالي وأنا أمني نفسي أن تكون لجامعة البحرين مبرراتها إن أغفلت معيار الدرجة الأكاديمية في إدارة تلك الكلية وفي أقسام أخر؛ وكتبت لمحدثي العميد في الجامعة الخاصة: “أتمنى لك التوفيق ..من كل قلبي!!”.
الجامعات الخاصة والجامعـــة الوطنيــــة
15 أبريل 2012