عند قراءتنا للتاريخ الإسلامي وغيره، وكذا دراسة المعارك المختلفة على مر الأزمان، نرى كيف كان التخطيط يختلف لتلك المعارك على اختلاف العصور، ومع تقدم وتطور الوسائل، فكلما زاد التطور زادت قدرة الجيوش على التجهيز بأحدث وسائل الدفاع المتنوعة وذلك لضمان تحقيق الفوز والنصر. من ضمن تلك الخطط بل وأهمها، هو معرفة العدو على أكمل وجه من جميع الجوانب، فعندما ندرك قوته أو ضعفه سيجعلنا ذلك أقدر على أن نشحذ أنفسنا بالعتاد والعدة المناسبة لمواجهته فليس مواجهة العدو القوي كالضعيف ولا نستطيع قتل أسد بحجر مثلاً، فتلك وسيلة لا تناسب هذا المفترس، فكم من معارك خاضها الإنسان على مر التاريخ منها ما ربحها ومنها ما خسرها، ولكن عندما نحلل أسباب النصر والهزيمة نرى أن الأساس كان هو عدم معرفة العدو حق معرفته أو الاستهانة به، وبالتالي لم يكن الاستعداد بالشكل المطلوب فكانت الهزيمة محقة. وكذلك هو الحال بالنسبة للمرض فهو عدو حقيقي للمريض ولكن قوته تختلف بنوعيته فمنه، الشديد الفتاك ومنه الضعيف القابل للهزيمة بأقل الإمكانات، والطبيب هو القائد لتلك المعارك فعليه أن يخطط للمقاومة بذكاء وحرفية وذلك أولاً عن طريق معرفة نوعية العدو جيداً وأي عضو يصيب ودرجة تلك الإصابة. كما يبرز ذكاء القائد بعدم الاستهانة بأي عرض كان مهما بدا تافهاً أو هيناً، فبعض الأمور تكون مقدمات لما هو أشرس وأشد فتكاً، فبعد الإلمام بكل تلك المعلومات عليه وضع خطة المقاومة وبما أننا في القرن الحادي والعشرين، وتطور الأسلحة بلغ أعلى مراتبه فليس للقائد حجة ألا يستخدم جميع الأساليب البسيط منها والمتطور وذلك حسب نوعية العدو (المرض) ودرجة قوته، وعليه أيضاً أن يكون على علم ودراية بكيفية استخدام تلك الأسلحة وكيفية تطويرها لتكون أشد دماراً وتأثيراً، كما يجب عليه توزيع المهام على الجنود (الأدوية والتحاليل ودور المريض في العلاج) والاستعانة بالحلفاء في أمور قد لا تسعفه إمكانات جيشه بالقيام بها (كاستشارة أطباء في تخصصات أخرى أو الاستعانة بدراسات وعلاجات في شتى أنحاء العالم). وليعلم القائد بأن قيادة المعارك ليست بالأمر الهين والسهل، ومن ثم لا يوجد في هذه الدنيا للطبيب ما هو أجمل من معركة مع مرض شرس قاتل والانتصار عليه، وسحقه قبل أن يفتك بالمريض، ويجعله يعود أدراجه مهزوماً جاراً أذيال الخيبة، وألا يفكر مجدداً مجرد تفكير في مواجهة هذا القائد الذكي، الذي عرف نقاط الضعف فيه، وأعد العدة فهزمه شر هزيمة فكان النصر والشفاء دليل على مهارة هذا الطبيب القائد بإذن الله. ألتمس العذر على قسوة الموضوع، كون الأطباء دائماً في معركة مع المرض، ولم أجد أفضل من هذا التشبيه حتى تتضح صورة ما يقوم به الأطباء من مواجهة لشتى أنواع المرض، وهنا تبرز قدرتهم على القيادة والمواجهة، ورفع معنويات المريض، لأنه جزء مهم بل هو الأساس في هذه الأحداث اليومية، وتذكروا دائماً أن كل معركة تنتهي بالانتصار هي فرحة لا تقدر بثمن. د . شيخه سلطان آل علي أخصائية طب الأسرة