^ في هذه الأزمة سمعنا كلمة “حوار” أكثر مما سمعنا كلمات أخرى داخلة في سياق محاولات تهدئة الأمور وإيجاد الحلول ومساعي إعادة الوضع لما كان عليه سابقاً، هذه المساعي التي أوصلت البعض حتى لمستوى “خداع” أنفسهم واعتبار أن شيئاً لم يحصل، وأن الحل سيكون بكبسة زر، أو كلام عام يطلق، أو عبر حل أكثر خداعاً للعقل وتخديراً للنفس باعتبار أن كل ذلك كابوس سينتهي حينما يصحون من النوم. إن كان هذا التعويل فإن “نوم” هؤلاء سيطول، فالبحرين ليست بحاجة اليوم لأحلام يقظة، ليست بحاجة للحالمين في خيالات تتكسر على أرض الواقع، بل بحاجة للعاملين على تصحيح الوضع بطريقة عملية وبأسلوب يمكن أن يقاس فعلياً. نرى أغلب الأطراف في المعادلة البحرينية تورد هذه الكلمة، باعتبار أن “الحوار هو الحل”، لكن المسألة لا تتعدى الكلام بالنسبة لأطراف معينة. الدولة تقدم فرصة الحوار في مرة أولى فيتم “التعنتر” عليها، تقيم حواراً ثانياً، فيتم الانسحاب منه، تتباكى بعدها الأطراف المؤزمة على حوار جديد فترسل الدولة مؤشرات إيجابية، لكن حالة “التعنتر” تعود لتبرز، تفرض شروطاً جديدة، يُغلق الباب فيعودون للحديث بأنهم يقبلون حواراً بلا شروط، وهكذا دواليك. نسمع الجميع يقول “حوار”، لكن في قناعتنا بأن هذا لن يحصل في ظل الأجواء السائدة حالياً، ومع حقيقة يحاول البعض عدم الاعتراف بها، تتمثل بأن من يتباكى على الحوار لن يقبل إلا بما يريده هو، وما يريدونه لا يخرج عن هدف سرقة البلد، وتغيير نظام الحكم. إن كان وزير العدل قال مؤخراً بأن الدولة مستعدة لأي حوار وفي أي وقت، ويقول بما يفرضه المنطق والعقل أن من يريد الحوار عليه أن يثبت جديته أولاً بإدانة العنف والعمل الجاد لإيقاف التوتر على الأرض، إن كان هذا هو الاشتراط فإننا نبشركم بأن أي حوار مزمع مع تلك الأطراف التي حاولت اختطاف البحرين وإسقاط نظامها لن يحصل أبداً. لكنني هنا ألفت الانتباه إلى مسألة أكثر أهمية بخصوص “الحوار”، مسألة لا يجب نسيانها أو إغفالها، خاصة بعدما كشفته الأسابيع الأخيرة. كانت الفكرة من الحوار هو تجميع جميع الأطراف البحرينية على طاولة واحدة لتتباحث في شأنها الداخلي، ولتصل إلى صيغ من خلالها يتم حل الوضع، ويتم من عبر النقاشات وضع اليد على الجروح وإيجاد العلاجات لها. المشكلة كانت بأن جهة واحدة سعت لإلغاء جميع مكونات المجتمع واختزلت الوطن ومؤسساته المدنية في نفسها، هذه الجهة أصلاً كانت ومازالت في موضع الاتهام بشأن أهدافها قياساً بما تسعى له الجهات الأخرى في هذا الوطن، ولكنها اليوم بعد أن خرجت تلبية لأوامر إيرانية للتظاهر ضد الاتحاد الخليجي، وبعد صمتها وقبولها الضمني بقول إيران إن البحرينيين المتظاهرين ضد نظامهم يريدون الانضمام لإيران، أثبتت بأنها قوى عميلة للخارج وولاؤها بالداخل موضع شك كبير. كل ذلك يفرض علينا توجيه سؤال للدولة، ولكل من يعطي مؤشراً بشأن إمكانية إقامة أي نوع من أنواع الحوار، إذ أفيدونا مع من نتحاور هنا؟! المسألة الآن ليست متعلقة بإدانة العنف عبر بيانات ستعتبر صكوك قبول لإقامة حوار، وليست المسألة أصلاً مرتبطة الآن بعد المتغيرات التي حصلت على مواقف ضبابية وجمل هلامية يطلقها هؤلاء تأخذها الدولة بحسن نية وتفسرها بالطريقة “الطيبة” لتعلن فتح حوار جديد. المسألة اختلفت تماماً، وهنا سنسألكم مراراً وتكراراً: مع من نتحاور الآن؟! هل نحن نتحاور مع طيف بحريني “صادق في وطنيته”، أم نتحاور مع عناصر أثبتت بأنها طابور خامس صريح موالٍ لإيران؟! عفواً هذا ليس حواراً بحرينياً خالصاً حينما تجلسون المكونات كلها في المجتمع البحريني مع فئة تدين بالولاء والانتماء للنظام الإيراني وترى في الخامنئي مرجعها السياسي والمذهبي والآمر الناهي في كل شيء. تجلسونها في حوار بناء على رغبة جهات لا يمكنها إثبات مصداقية انتمائها للبحرين. الاشتراط يجب أن يتغير اليوم، لا يكفي أن يدين هؤلاء العنف والإرهاب الآن ليقطعوا تذكرة دخول لأي حوار قادم، اليوم هؤلاء مطالبون بأن يثبتوا وبكل طريقة وأسلوب بأنهم غير مرتبطين بولاية الفقيه الإيرانية، عليهم أن يفسروا سبب “خرس ألسنتهم” عن الرد على التهديدات الإيرانية الصريحة والتصريحات المستفزة والادعاء بأن البحرين ولاية إيرانية، وأن الفرع يجب أن يعود للأصل، وأن يحددوا موقفهم من القبول أو الرفض من قول الإيرانيين بأن البحرينيين يريدون الانضمام لإيران بدلاً من السعودية أو الخليج. نتحاور مع من هنا، مع ممثلي إيران في البحرين؟! مع أتباع الولي الفقيه؟! مع أناس ولاؤهم لإيران أكثر من البحرين (نتحداكم أن تثبتوا العكس، أدينوا إيران ومسؤوليها صراحة لو تجرؤون)؟! إن كان من حوار فلابد من أن يكون حواراً بحرينياً، لا نريد دخلاء، ولا عملاء، ولا موالين للخارج، وموالين لجهة تعادينا صراحة. لا توجد دولة في العالم تقبل أن تتحاور مع فئة تمثل ذراعاً تابعاً لنظام خارجي، ومع فئة هدفها الواضح الانقلاب على النظام. البحرين لا تمتلك معارضة بحرينية، البحرين فيها معارضة ضد البحرين، معارضة تنتمي للخارج وتدين بالولاء لها، خيانتها واضحة، وإرهابها أشد وضوحاً، ومع ذلك مازالت بعض الأطراف تريد أن تتحاور معها. الحوار مع هؤلاء لا يمكن أن يتم إلا بحضور الوصي عليهم وولي أمرهم،لا يتم إلا بحضور من يقولون له بأنهم “خدم” له. نقول ذلك لأن الحوار مع هؤلاء لن يكون إلا حواراً مع إيران ومع أتباعها في داخل البحرين.
الحـــــــوار مع «العميل» الإيراني!
٢٨ مايو ٢٠١٢