أحمــــــــــــــد جاســـــــــــمajasim98@gmail.comتربطني بالدمية علاقة لا أستطيع تصنيفها بوضوح ضمن فئات الأبوة والبنوة والأخوة والصداقة أو غيرها، هي جماد لكنها حية، هي طفولية لكنها متعة للكبار، هي أداة للعب لكنها لوحة للتأمل، هكذا هي في نفسي، ولهذا أحببت مسرح الدمى بكل أنواعه، فعندما أدخل محلاً للأطفال غالباً ما أبحث عن قسم الدمى وكأنني على موعد معهم، كما هو الصديق حينما يمر بديار صديق له فلابد من السلام عليه ولو للحظات، وفي كثير من تلك اللحظات كنت أخرج بدمية أو دميتين أو أكثر، وأحياناً أتعذر بأنها لعيالي ولكني أتعهد لنفسي بأنني سأسرقها منهم بين فينة وأخرى لأحركها وأخاطبها وأتدرب على حركتها ولأستفيد منها بعد إذ في مسرح الدمى الذي هو عشقي الأول في المسرح مع الأطفال.ولا يقتصر ذلك على الدمية فقط بل يتعدى ذلك إلى بيوتهم الصغيرة وأدوات غرفهم وحيواناتهم، وكل ذلك والعين تلمح والعقل يفكر في كيفية تحويل هذه البيئة إلى عالم المسرح، ولطالما شدّتني حركات الصغار وهم يلعبون ونزل وحي الأفكار ليلهمني حركة وقصة جديدة في مسرح الدمى، فما أجمله من عالم.ولقد عايشت نخبة من فناني مسرح الطفل من الغربيين فوجدت فيهم ولعاً وشغفا جنونياً مع الدمى، يشعرك بأنهم عياله وخلانه، ويسحرك بلغة التحريك والتخاطب معهم وكأنه يعرفهم ويعرفونه من سنين، فأدركت أن ذلك لا يأتي من فراغ بل هو حب الطفولة والتضحية لهم.بعد فترة اكتشفت أن الذي يعمل مع الأطفال لابد أن تكون له مثل هذه النفسية والعلاقة مع أدوات الطفولة حتى يفهمهم ويسبر أغوار عوالمهم، فلا يُعقل أن تعمل معهم وأنت تتكبر على لغتهم وأدواتهم وبراءتهم وتوجه وتربي وأنت في برجك العاجي، أو أن تتخفى خلف أوراق بحثية باردة، لم ولن تتحرك وتفيد بها إن لم تكن أنت نفسك طفل معهم بروحك وحيويتك.ولطالما ابتعدت عن عوالمهم بسبب انشغالات هنا وهناك، لكن ضربات من التنبيه تأتي سريعاً لترجعني إليهم، فلربما أقدم محاضرة أو مسرحية أو أحضر اجتماعاً للكبار، ثم أرجع للأطفال في المدارس والخشبة وفي البيت فأقول: هذا عالمي، لقد رجعت، لقد رجعت.هكذا أرى معيار التعامل مع الطفولة، وهو أن تعيش معهم ولهم وفيهم ومن أجلهم، وتشعر بأنهم مستقبلنا الذي سنراه في السياسة والاقتصاد والفن والسياحة والعدالة والثقافة وغيرها.
أنا والدمية
08 سبتمبر 2012