تقدم المخرجة الجزائرية جميلة صحراوي في فيلمها «يما» وهو الفيلم الروائي العربي الرابع في فئة «آفاق» في الدورة السادسة والتسعين من مهرجان البندقية، تراجيدايا الأم الجزائرية التي تفقد أبناءها مثل ميدي أو انتيغون في التراجيديات اليونانية. وتقدم جميلة صحراوي في أول حضور لها في مهرجان البندقية، تماماً مثل مخرجين عرب آخرين سبقوها في الفئة نفسها، هيام عباس وهيفاء المنصور وإبراهيم البطوط، جانباً حرفياً خاصاً في العمل السينمائي الذي يتمسك مثل الأعمال المسرحية بوحدة المكان. يركز «يما» على العوالم النفسية للشخصيات، ويظهرها بالنظرة وحركة الجسد أكثر منه في الكلام. وتقول المخرجة «أعمل على الأشياء التي تهمني فقط. أحب السينما التي أصنعها وأهتم بالمشاهد كشريك. ألجأ إلى خيالي لكتابة قصة خاصة تستفيد من معطيات الواقع. أنا قارئة أدب وروايات وأحب الكاتب الذي يلتفت لذكائي». يروي الفيلم قصة أم تعود إلى دار طفولتها القائم في مكان منعزل أجرد بعد غياب طويل تجر وراءها جثة يتضح لاحقاً أنها جثة ابنها العسكري الذي قتله ربما أخوه المتشدد فتقوم بغسله ودفنه بمفردها. وتقول جميلة «بحثت طويلاً عن هذا المكان الذي يجب أن يكون معزولاً تماماً ولا طريق تقود إليه ولا كهرباء تصله، هناك فقط المياه الضرورية للحياة». وتؤدي المخرجة التي لم تخض أية تجربة في التمثيل من قبل دور تلك الأم «وردية» التي لا تشبه غيرها من النساء، لا تشكو ولا تتكلم ولا تشكر، وتكاد لا تبكي إلا مرتين في الفيلم رغم كمية الغضب والتراجيديا النابعة من حقيقة كون أبناؤها إخوة أعداء. وتقول «أنا أشبه كثيراً تلك المرأة، بحثت طويلاً عن امرأة لتؤدي ذلك الدور وكان عندي مواصفات عقلية وجسدية لها، كان يجب أن تعبر بحضورها الجسدي وبعوالمها النفسية وبالنظرة، كثيرون ممن يحيطون بي نصحوني بتأدية هذا الدور ونفذت ذلك في اللحظة الأخيرة». تلك المرأة «وردية»، الأم الثكلى، تتعلق بالأرض الجرداء التي لا تريد أن تستجيب لما تزرعه فيها، حركتها اليومية حين تسقي نبتاتها تبدو وكأنها تنفذها منذ عصور سحيقة.. وفي تمسكها بجعل أشجارها ونبتاتها تثمر تمسك بالحياة. وبحسب جميلة، فإن «التعلق بالأشياء الصغيرة أثناء مرورنا بمآس كبيرة قد يكون كفيلاً بجعلنا نستمر في الحياة»، وهذا ما تفسر به تكرار تلك الحركات والتركيز على مشاهد ري الأرض وزرعها.