في ظل استمرار المعارك المحتدمة في المركز التجاري لمدينة حلب، وفي ضواحي العاصمة دمشق وفي مدن وقرى أخرى، بات من الصعب على الاقتصاد السوري العمل بصورة طبيعية. إن الكثير من الإدارات والأجهزة الحكومية، بما في ذلك البنك المركزي السوري ووزارة المالية، قد توقفت عن نشر البيانات المتعلقة بالوضع الاقتصادي، إلا أن المؤشرات الدالة على الأضرار الناجمة عن الأزمة واضحة للجميع.وطبقاً لتقارير مستقلة فقد توقف السياح عن زيارة سوريا، والاستثمارات تبخرت، كما إن مئات الألوف من السوريين لجأوا إلى الدول المجاورة. وبالنسبة للذين ظلوا في البلاد، فإن المعارك الدائرة بين المعارضين والجيش الحكومي جعلت من الصعب انتقال الأشخاص والسلع من مكان لآخر. تراجع قيمة العملة:تسببت الأزمة في دفع معدلات التضخم إلى الارتفاع السريع، وخاصة منذ بداية العام الجاري. وعندما بدأت الانتفاضة في مارس 2011، كان التضخم يصعد في حدود 3% في السنة، وذلك حسب الجهاز المركزي للإحصاءات في دمشق. وفي يناير من هذا العام ارتفع إلى 16% ليصعد من جديد إلى 33% في مايو 2012. وبالتزامن مع ذلك، باتت الليرة السورية تفقد قيمتها. فقد تراجعت القيمة المعلنة رسميا بنسبة 40% منذ بدء الأزمة، إلا أن السعر في السوق السوداء هبط بدرجة اكبر من تلك. ويقول أحد كبار المحللين الاقتصاديين العاملين بأحد البنوك اللبنانية معلقا: "أصبح الاقتصاد السوري في وضع سيء جدا .. فالتضخم مرتفع جدا والدولة تطبع النقود كي تدفع الرواتب وهذا يزيد من التضخم .. حدث تراجع كبير في قيمة العملة السورية والتي انخفضت من 40 ليرة لكل دولار إلى 100 ليرة لكل دولار”. بالإضافة إلى ما سبق، تتراجع يوما بعد يوم التعاملات في البورصة السورية، التي تهيمن عليها البنوك وشركات التأمين. من جانب آخر، تشير تقديرات صادرة عن معهد التمويل الدولي، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا هبط بنسبة 6% في العام 2011، بل أنه سيهبط بنسبة 14% أخرى العام الجاري. وإذا استمرت المعارك حتى نهاية هذا العام فان تقديرات المعهد تقول بأن الانكماش الاقتصادي قد يبلغ 20%. وإذا ثبتت صحة تلك التوقعات فإن سوريا ستعاني من فترة ركود اقتصادي أطول من الفترة التي عانت منها أي من الدول العربية التي شهدت انتفاضات في السنوات الأخيرة، وانه باستثناء ليبيا فإن الأزمة ستكون أعمق أيضاً. يشار إلى أنه في الحالة الليبية كان الأداء الاقتصادي قد تأثر جراء تراجع مبيعات النفط أثناء القتال، إلا أن استئناف التصدير ساهم في التحسن الاقتصادي السريع. أما إعادة بناء الاقتصاد السوري الأكثر تنوعاً من نظيره الليبي فستكون أكثر صعوبة وتعقيداً. ويقول نائب مدير قسم الشرق الأوسط بمعهد التمويل الدولي، غابريس ايراديان: "لا شك أن هناك انكماشاً أصاب الاقتصاد السوري وأن البلاد تمر بأزمة عميقة جداً. إذ إن تراجع أعداد السياح، وكذلك الاستثمارات المباشرة وغيرها من القطاعات، مثل التصنيع، ترك آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد. مما زاد الطين بله هو أن الحصاد الزراعي هذا العام لم يكن جيداً مما يعني أن الوضع الاقتصادي سيكون سيئاً جداً”. نقص الغذاء:إن الآثار التي تتركها الأوضاع على الكثير من السوريين صعبة جداً وخاصة في المناطق الريفية. وكان تقرير صدر في أوائل أغسطس الماضي، عن وزارة الزراعة والإصلاح الريفي وتم إعداده بالتعاون مع كلا من برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعتان للأمم المتحدة، أشار إلى أنه يقدر بأن حوالي 3. ملايين شخصاً في سوريا، سيحتاجون إلى مساعدات غذائية خلال العام القادم، وأن نصف هؤلاء بحاجة إلى مساعدات غذائية بصفة عاجلة في غضون الأشهر الثلاثة إلى الستة القادمة. يذكر أن حوالي نصف سكان سوريا يعيشون في مناطق ريفية، حيث توفر الزراعة حوالي 80% من الوظائف. وحسب بعض التقارير المستقلة فإن تكلفة الأضرار الواقعة على المحاصيل، والماشية والبنية التحتية الخاصة بالري وصلت إلى حوالي 122 مليار ليرة سورية (1.9 مليار دولار). وعلاوة على الضغوطات الداخلية، يعاني الاقتصاد السوري من العقوبات الدولية التي فرضت وباتت تزداد تشدداً من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، إضافة إلى تركيا وغيرها. وتشمل العقوبات تجميد الأصول على كبار الشخصيات في النظام الحاكم وفرض حظر على مشتريات السلاح والنفط. ونتيجة لذلك انهارت حركة الاستثمارات الدولية وقطاع السياحة. وحسب تقديرات معهد التمويل الدولي فإن مدخول سوريا من العملات الأجنبية جراء أنشطة التصدير والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات العاملين في الخارج هبطت من 21 مليار دولار العام 2010 إلى 16 مليار دولار العام 2011.