تحقيق ـ حسين التتان:يوم الإثنين المقبل تزيل البلدية «الدار الصغيرة» في الرفاع، بعد أن ظلت هذه الدار 86 سنة تقدم خدماتها للتراث البحريني الأصيل.الهدم سيكون بحجة أنها آيلة للسقوط، وكأن لا حل للآيل للسقوط إلا الهدم والإزالة.في دول كثيرة تكتسب الأبنية التي تجاوز عمرها خمسة وسبعين سنة، صفة التراثية وتمنع هدمها وإزالتها أو التلاعب بمعالمها، وإذا تجاوز البناء القرن صار بناء أثرياً لا يجرؤ أحد على هدمه أو تحويل وظيفته أو التلاعب بطابوقة واحدة منه.أوقفوا ذبح الدار الصغيرة نحن تحدثنا عن «الدار الصغيرة» ولم نقل لكم ما هي هذه الدار.الدار الصغيرة، هي عنوان مشكلة في منطقة الرفاع، وهي قضية تؤرق أصحابها وكل العاملين في الفن الشعبي البحريني.الدار الصغيرة، هي دار للفنون والتراث الشعبي البحريني، يرأسها محمد عبداللطيف الشيخ حالياً، وجاهدت طوال 86 عاماً على إحياء التراث، وتركت لها من البصمات المحلية والعالمية الكثير.اليوم ومع اختيار البحرين عاصمة للثقافة، قررت الحكومة عن طريق وزارة البلديات هدم هذا الصرح الثقافي والتراثي من الرفاع، بحجة أن الدار من البيوت الآيلة للسقوط، بينما هناك بيوت يتجاوز عمرها مئات السنين لم تُدرج في خانة الآيلة.أهالي الرفاع ومعهم القائمون على الدار، يناشدون وزارة الثقافة الإبقاء على الدار الصغيرة من خلال استملاكها، بدل أن تصمت وهي تراها تذبح بتهمة كونها «آيلة للسقوط»، أو في أهون الأحوال، يجب أن تتحرك الثقافة لإيجاد مقر دائم للدار الصغيرة، يكون معلماً ثقافياً وفنياً في منطقة الرفاع التي تخلو من ذلك كله عدا هذه الدار المهددة بالهدم.التاسع عشر من مارس الجاري، هو موعد هدم الدار الصغيرة، والوقت يمر سريعاً، فهل من منقذ لآخر قلعة من قلاع التراث في الرفاع؟ أم أنها ستهدم في وقت تم انتخاب البحرين عاصمة للثقافة العربية؟استغاثة إلى وزارة الثقافةحين توجهنا إلى نائب رئيس الدار الصغيرة حمد الشيخ، تحدث لنا عن القصة كاملة ومدى معاناتهم من أجل الإبقاء على التراث البحريني الأصيل والوحيد بمنطقة الرفاع، لكن من دون جدوى.يقول الشيخ: من المعروف أن الدار الصغيرة في منطقة الرفاع، تعني بالأمور الفنية والتراثية البحرينية، وهي الدار الوحيدة في البحرين التي مازالت تحافظ على ذلك الإرث من الفنون، ذات الطابع التقليدي البحريني. من المعروف إن الدار الصغيرة مستأجرة من بعض الورثة، وليست ملكاً لنا، لكن لأننا في هذه الدار منذ أكثر من 86 عاماً، فالجميع يعتقد أن المبنى ملك لأصحاب الدار.يؤكد الشيخ أن أعضاء الدار خاطبوا وزارة الثقافة كونها الجهة المسؤولة عن حفظ التراث الوطني، لاستملاك الدار أو شراء أرض مجاورة لها تحل محلها، حتى جرت اجتماعات ومراسلات عدة مع الثقافة، وفي كل مرَّة يعدون أصحاب الدار بأنهم سيفعلون ما بوسعهم لأجل هذا الأمر، لكن المشكلة مازالت قائمة.وللخوض في بعض تفاصيل القضية يقول الشيخ: إن الدار الصغيرة صغيرة بالفعل من حيث الحجم، ولا توجد فيها مرافق وخدمات ضرورية كدورة للمياه أو أي شيء آخر، وهي مستأجرة ونحن ندفع إيجارها من المبلغ الذي تخصصه لها وزارة الثقافة سنوياً وهو مبلغ 1000 فقط.ويضيف: المشكلة اليوم تطورت بصفة كارثية، إذ إن البلديات أصدرت أمراً مستعجلاً عبر القضاء بهدم الدار، لأنه من المباني الآيلة للسقوط، وفي اعتقادي أن الشكل الخارجي للدار جعلهم يقررون ذلك، ونحن طالبنا البلديات أن تعطينا فرصة لترميم كامل الدار، لكنهم رفضوا هذا الأمر، لكننا رممناه من الخارج. نحن لا نلقي باللوم على البلديات أبداً، فهي تؤدي واجبها القانوني وهي جهة تنفيذية لا غير، بل عتبنا نوجهه إلى الجهات المسؤولة عن حفظ هذه الدور الثقافية.يؤكد الشيخ أن هناك بيوتاً أثرية يصل عمرها إلى مئات السنين، ومع ذلك رممتها وزارة الثقافة، لكن حين وصل الأمر إلى الدار الصغيرة تعللت ببعض الإشكاليات.في هذا الجانب يقول الشيخ: أخبرتنا الثقافة أنها لا تستطيع ترميم الدار الصغيرة لأنها ليست من أملاك الدولة، وعلى هذا المضمون أخبرنا الثقافة مراراً أن عليها أن تستملك الدار، لتكون من أملاك الدولة الثابتة، ومن ثم تصنف بعد الاستملاك من ضمن الأماكن التراثية، لتكون مناراً لمحبي التراث والفنون من الأجيال المقبلة. ونحن نطالب الثقافة أن تعامل الدار الصغيرة بالرفاع كما عاملت البيوت الأثرية والتراثية والفنية القديمة كافة في مناطق المنامة والمحرق. ونحن من خلال صحيفتكم الموقرة، نوجه استغاثة عاجلة إلى وزارة الثقافة بوقف قرار هدم الدار، لحين استملاكها، أو على الأقل البحث عن مقر بديل لها..أمهلونا ولا تهدموا الدارأحد أعضاء الدار الصغيرة ومن المتحمسين بقوة لبقاء الدار وعدم إزالتها هو إبراهيم الرويعي. يتناول المشكلة ويعطي الحل، ويقول: المشكلة عدم وجود مقر دائم للدار الصغيرة، والحل باختصار يكمن في أروقة وزارة الثقافة. إن السؤال الأهم في هذا الموضوع، هو لو تم إخراجنا من الدار فإلى أين سنذهب؟ ومن سيحافظ على هذا التراث العريق في منطقة الرفاع؟ويضيف الرويعي أن القائمين على الدار، وعلى الرغم من تمسكهم بالدار الحالية التراثية وعدم رغبتهم بإزالتها، نظراً لقدمها وتكيفهم مع جيران الدار، فإنهم لا يمانعون من أن توفر وزارة الثقافة مقراً دائماً لهم. ويقول الرويعي في هذا الخصوص: هدفنا الرئيس هو توفير مقر للدار الصغيرة، التي توارثها الآباء عن الأجداد، جيلاً بعد جيل، حتى استطاعوا إيصال رسالة الفن الشعبي إلى هذا الجيل الحالي، ونحن نريد توريثها إلى الأحفاد، ولهذا من المُعيب أن تهدم دار للتراث في ساعة واحدة، وتنقطع عن تأدية رسالتها الوطنية.ويرى الرويعي أن مبلغ الألف دينار الذي تسهم به الثقافة سنوياً للدار، يذهب كله بدل إيجار، أما بقية مستلزمات الدار فكلها تدفع من قِبلهم، فكيف لو استأجروا مقراً جديداً فكم ستكون كلفته مع الإيجارات المرتفعة في مناطق الرفاع؟ويختم الرويعي حديثه قائلاً: نحن نتمنى من وزارة البلديات أن توقف هدم الدار من فورها، لحين أن نأتي إليها بتقرير لأحد المهندسين يثبت سلامة الدار من الناحية الفنية، لعله يخدمنا في هذا الأمر، بالرغم من أننا بدأنا بترميم الدار من الخارج مؤخراً، وهو ما كلفنا مبالغ إضافية أخرى.مسؤولية «الثقافة»الفنان البحريني الكبير أحمد الجُميري هو أحد أبرز الفنانين الذين كرمتهم الدار الصغيرة نظير جهوده في الثقافة والفن، يتحدث عن أهمية مساندة الدار، ويطالب الثقافة بتسلم ملفها لمعالجته معالجة تليق ومستوى الفن الشعبي في البحرين.يقول الجميري: إذا لم تخني الذاكرة، فإن وزارة الإعلام شكلت، في العام 2006 أو 2007، لجنة لبحث أوضاع الدور الثقافية في البحرين، وخصصت هذه اللجنة ميزانية إلى تلك الدور، وأخص بالذكر الدار الصغيرة لترميمها، وجرت في تلك الفترة تحركات وطُرحت مقترحات بمخاطبة المحافظة الجنوبية لتخصيص أرض لإنشاء الدار عليها، وسميت بعض الأراضي لها، لكن ومع التغيرات الوزارية انتقل هذا الملف إلى وزارة الثقافة، وبعدها تم إغلاق الموضوع نهائياً.يعتقد الجميري أن من واجب الثقافة أن تحيي جميع المعالم الثقافية في البحرين عبر إحيائها هذا الملف من جديد، وأن تأخذ مسؤوليتها فتستأجر للقائمين على الصغيرة مقراً مؤقتاً إلى أن تجد لهم الحل النهائي، فإلى أين يولي أصحاب الدار وجوههم إذا هدمت الدار في الأيام المقبلة؟ونسأل الجميري عمن يتحمل مسؤولية هدم الدار، فيجيب: مسؤولية هدم الدار من عدمها، هي مسؤولية وزارة الثقافة، فهي الجهة الحكومية الوحيدة المسؤولة والتي تستطيع مع الجهة الحكومية الأخرى (البلديات) التنسيق فيما بينهما، لمعرفة صلاحية ترميم الدار أو هدمها، فإذا كانت هنالك إمكانية للترميم فلترمم اليوم قبل الغد، وإذا كانت غير صالحة على الإطلاق وتشكل خطراً على مرتاديها، فلابد من هدمها، ويجب على وزارة الثقافة حينئذ أن تتحمل مسؤولية إيجاد بدائل أخرى للدار الصغيرة وللقائمين عليها، بدل ضياع جهود أكثر من80 عاما من العطاء. لماذا تُستثنى الرفاع؟الناشط الاجتماعي بمنطقة الرفاع عادل الرويعي يتحدث بأسى بالغ عن قرار هدم الدار الصغيرة والتي بهدمها سيهدم التراث الشعبي في الرفاع، بل وعلى مستوى البحرين.يقول الرويعي: إن الدار تمثل جانباً مضيئاً من التراث الشعبي البحريني، وإذا فضلوا هدم هذه الدار فإن التراث الشعبي سينتهي في الرفاع، وستظل قلعة الرفاع المكان الأثري الوحيد في المنطقة. نحن نعلم يقيناً أنه لو تم هدم الدار الصغيرة فإنها ستتحول في اليوم التالي إلى مواقف لسيارات الآسيويين والعمال الأجانب.ويؤكد الرويعي دعمه للدار بقوة، وهو لهذا يُلفت نظر الحكومة للسعي من أجل أن تستملك الدار لترميمها وجعلها معلماً من معالم التراث البحريني.ويستنكر الرويعي انتقاء وزارة الثقافة لمناطق دون أخرى في الاهتمام من ناحية الحفاظ على التراث ويقول: هناك في المحرق العديد من البيوت التراثية القديمة استملكتها الحكومة عبر وزارة الثقافة، وهي بيوت أقدم بعشرات الأعوام من الدار الصغيرة، ولم نسمع أنها كانت آيلة للسقوط، لكن بعد ترميمها بصفة احترافية وتخصصية نجدها اليوم شامخة حتى أصبحت قبلة للسائحين من جميع أصقاع الأرض يقصدونها.ويتساءل: لماذا المحرق والمنامة فقط من ينطبق عليهما قانون حفظ التراث؟ وحين يأتون إلى الرفاع لا يطبقون معايير الحفاظ على الهوية والتراث؟ لماذا هذه الازدواجية والتعامل بانتقائية مع المناطق؟... إذا كانت معايير الحفاظ على التراث واحدة لجميع البيوت والأماكن التراثية، فيجب أن تتعامل الثقافة بمسطرة واحدة مع جميع المناطق في البحرين، لا أن تجمِّل منطقة وتهمل أخرى!!ويثمن الرويعي جهود وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ويقول: نتمنى من الجهات المسؤولة عن حفظ التراث الشعبي في البحرين، وفي مقدمتها وزارة الثقافة تبني فكرة استملاك الدار الصغيرة، وإذا حدث ذلك فإن جميع أهل الرفاع سيقدمون الشكر لها، مثمنين من الآن جميع الجهود الكبيرة التي تبذلها للحفاظ على تراثنا البحريني.الثقافة لا تردتوجهنا في النهاية إلى وزارة الثقافة لمعرفة حقيقة الأمر، وما بإمكانها أن تفعل للدار الصغيرة، خصوصاً وأن العد التنازلي للهدم بدأ يقترب، لكننا لم نحصل على أي رد.اتصلنا بصفة شخصية بوزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، لأن الأمر مستعجل جداً، فوعدتنا بالرد في ثلاثة أيام متتابعة، لكنها لم ترد علينا بأي شيء، مما اضطرنا أن نطرح الموضوع على القراء الأعزاء لضيق الوقت المخصص للهدم، لكننا على الرغم من ذلك كله، ما زلنا بانتظار رد الثقافة، وعلى الرغم من أننا نقدر مشاغل الوزيرة، خصوصاً في هذه المرحلة من ربيع الثقافة، إلا إننا أيضاً نطالبها بتحرك عاجل لإنقاذ الدار الصغيرة في الرفاع.