تحتفل المملكة العربية السعودية اليوم بالعيد الوطني الثاني والثمانين، وسط إنجازات محلية وإقليمية وعالمية، حيث يشكل الأول من "الميزان” الموافق 23 سبتمبر من كل عام يوماً فارقاً في تاريخ الجزيرة العربية. ففي مثل هذا اليوم عام 1932، أعلن المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود قيام المملكة العربية السعودية، وتوحيد الأراضي السعودية تحت علم واحد وقيادة واحدة. وشكل هذا اليوم المجيد في وجدان كل عربي ومسلم نقطة تحول كبيرة، حيث استبدلت الفرقة والعصبية القبلية إلى نماذج متميزة من الوحدة والتعاضد، فانتشر العدل والمساواة مكان الظلم والتميز، وحلت القوة بدل الضعف، والوحدة -تحت راية لا إله إلا الله- مكان التشتت والتشرذم، وتحقق كل ذلك بتضحيات وجهد كبير من جلالة الملك المؤسس الذي قيض الله له رجالاً مخلصين آمنوا بفكره، فأخذوا على عاتقهم نشر الأمن والسلام وضحوا لأجل ذلك بأرواحهم، من أجل رفع راية الوحدة والبناء والعدل والمساواة. واستمرت الفكرة عقوداً حمل خلالها الرجال الشعلة، فلم يهنوا ولم يستكينوا إيماناً بمبادئ المؤسس الراحل، فأصبحت المملكة قبلة العالم، وتبوأت مكانها الطبيعي منارة يتطلع لها العالم كنموذج للتقدم والحضارة الإنسانية، ولم يكن ذلك ليتم إلا بما تمتعت به القيادة من حسن خصوصاً في قدرتها على استثمار الفرص على مختلف الأصعدة، فكانت مواقف المملكة تستند إلى فكر إنساني مستنير فاستحقت بحق احترام القاصي والداني.مسيرة البناء والعطاءولأن عظمة الأمم تقاس بمدى ما تحققه من إنجازات ملموسة على أرض الواقع وليس بالشعارات وأدبيات التنظير، تعد المملكة العربية السعودية متفردة في هذا الشأن بين نظيراتها من الدول الحديثة. فقد قيض الله سبحانه وتعالى لها قادة مخلصين من أبنائها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والذين تم على أيديهم ما يلمسه المواطن السعودي ويعيشه وينعم به من استقرار ورخاء وأمان ونهضة شاملة، حتى الوصول إلى العالمية في عهد خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.ونعرض هنا بعض الجوانب التنموية الملموسة التي تمثل النهضة الحديثة للمملكة العربية السعودية:الصناعة والتجارة أولت الدولة القطاع الصناعي أهمية كبيرة أسهمت إسهاماً أساسياً بشكل واضح خلال خطط التنمية الخمس الماضية، وأكبر دليل على تطور القطاع تضاعف نسبة إسهامه في الناتج المحلي، حيث كان قبيل بداية خطة التنمية الأولى عام 1969 لا يتجاوز 2.5%، وصلت خلال 26 عاماً إلى 50.4%، وتعزى هذه القفزة إلى دعم الدولة لهذا القطاع، ويتضح ذلك الدعم فيما صرفته الدولة من قروض داعمة للنشاط الصناعي حيث أنشأت صندوق التنمية الصناعي السعودي الذي أسهم في دعم المشاريع الصناعية للقطاع الخاص، وقد ارتفع الدعم الحكومي لتلك المشاريع الصناعية من 35 مليون ريال مع نهاية خطة التنمية الأولى عام 1974 إلى 19.49 بليون في 1994، واستثمر هذا الدعم في إقامة مشاريع نهضة صناعية مذهلة. ومن البديهي أن هذا النمو الصناعي ينعكس إيجاباً على التجارة سواء تجارة الصادرات أو الواردات، فقد تحولت التجارة في البلاد من تجارة محدودة موسمية تعتمد بشكل كبير على موسم الحج مثلاً، إلى تجارة تقوم على أسس اقتصادية ثابتة، هي بالأصح ثمرة لما وصلت إليه المملكة من تنمية شاملة في شتى المجالات، ويلاحظ نمو الصادرات بشكل مضطرد في الـ25 سنة الماضية أي منذ بداية خطة التنمية الأولى، فبينما كانت قيمتها في عام 1970 حوالي 10.9 بليون ريال قفزت في 1994 إلى 159.6 بليون. الزراعة والأمن الغذائيحظيت الزراعة بنصيب وافر من رعاية واهتمام السعودية، وما تحقق في هذا المجال أحد العلامات البارزة التي تميزت بها التجربة التنموية السعودية، فقد استطاعت الدولة بتخطيطها السليم واستقرائها الناضج لمتطلبات العصر الحديث وبدعمها السخي لهذا القطاع وبما يشبه المعجزة تحويل الصحاري القاحلة المقفرة في قلب جزيرة العرب إلى جنة وارفة الظلال وفيرة الغلال وفي زمن قياسي لا يتجاوز ربع القرن. الرعاية الصحية والاجتماعيةتسعى السعودية جاهدة إلى توفير الرعاية الصحية مجاناً للمواطنين من خلال مستشفيات الدولة، وقد تطورت الخدمات والتجهيزات الصحية بالمملكة، وظهرت بشكل متميز في منطقة الشرق الأوسط كما إن هذه الخدمات أصبحت تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، وقد حظي القطاع الصحي برعاية الدولة واهتمامها فزاد عدد المستشفيات في المملكة من 47 عاماً 1970 إلى 175 عام 1995، كما قفز عدد المراكز الصحية من 519 إلى 1725 مركزاً في الفترة نفسها، فيما زاد عدد الأطباء من 789 إلى 15.4 ألف. وفى مجال الرعاية الاجتماعية تولي الدولة جل اهتمامها للفئات المحتاجة، وتقوم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالدور الرئيس في ذلك، ويشمل نشاطها رعاية ذوي الظروف الخاصة من أبناء المجتمع السعودي كالعجزة والمسنين والأيتام والمعاقين والأحداث. التعليـمظل التعليم هدفاً رئيساً من الأهداف التي سعى الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده على تحقيقها لأبناء المملكة ومحاولة تعميمه مجاناً لأهل هذه البلاد، وأدرك قادة المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز حتى الوقت الحاضر أن تعليـم أبناء المملكة هو الثروة الحقيقية والدعامة الأساسية لبناء دولة قوية مسلمة عصرية. وتطور التعليم تدريجياً حسب إمكانات البلاد الاقتصادية والبشرية، ولكنه خطا خطوته الواعدة منذ تولى الأمير الراحل فهد بن عبدالعزيز أول وزارة للمعارف في المملكة، وقتها بدأت تظهر ملامح السياسة التعليمية وأسسها التي كانت النواة للنهضة التعليمية المذهلة التي نعيشها في هذا الوقت. ويقوم التعليم في المملكة على العديد من الأسس العامة أهمها توكيد التوجه الإسلامي الصحيح للتعليم، وإبراز القيم الإسلامية، وتوكيد التعليم على الإيمان بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، إضافة إلى التطور الإسلامي للكون والإنسان والحياة وأن الكون كله خاضع لمشيئة الله تعالى، والحياة الدنيا مرحلة إنتاج وعمل يستثمر فيها المسلم طاقاته عن إيمان وهدى للحياة الأبدية الخالدة في الدار الآخرة، والرسالة المحمدية هي المنهاج الأقوم للحياة الفاضلة، والعمل بالقيم العليا التي جاء بها الإسلام لقيـام حضارة إنسانية راشدة، الإيمان بالكرامة الإنسانية التي قررها القـرآن الكريم.التطور الأمنيمن الحقائق البديهية أن الأمن والتنمية صنوان لا يفترقان، فكما يقال لا تنمية بدون استقرار ولا استقرار بدون أمن، وقد تنبهت السعودية لهذه الحقيقة منذ بدايات إنشائها، وأولت هذه المسألة جل اهتمامها ممثلة في وزارة الداخلية التي تضطلع بالدور الأساسي والرئيس في حفظ الأمن والعمل على تعميمه والمحافظة على راحة وطمأنينة المواطنين.الاتصالات أولت الدولة اهتماماً خاصاً لقطاع الاتصالات ونفذت وزارة البريد والبرق والهاتف مشروعات ضخمة فارتبطت المملكة بالعالم عن طريق الأقمار الصناعية أو الكوابل البحرية والمحورية. كما أنشأت مركزاً للمعلومات الهاتفية يعمل بواسطة الحاسب الآلي مقره الرياض، وتطورت خدمة الاتصالات خاصة في المدن الكبيرة ففي الرياض مثلاً يوجد 17 مقسماً للهاتـف الآلي أكثر من 2.5 مـليون خـط، إضافة إلى هواتف العملة، وأولت الدولة الخدمة الهاتفية اهتماماً واضحاً في مكة المكرمة، حيث مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين الذين يفدون إلى المدينة المقدسة فعممت بها الخدمة الهاتفية وأنشأت مئات من هواتف العملة في المدينة. تحلية المياه المالحة كان توفير المياه الصالحة للشرب يشكل معضلة رئيسة في جزيرة العرب قبل العهد السعودي الزاهر، وتحسنت خدمات المياه في عهد الملك عبدالعزيز وابنه الملك سعود، حيث تمكنت الدولة من مواجهة المشكلة بعدة وسائل كحفر الآبار الارتوازية، وتجميع مياه العيون في بعض الأودية ونقلها إلى المدن، ولكن مع زيادة النمو السكاني والعمراني بدأت المملكة الأخذ بأحدث أساليب تنقية المياه المالحة، وهو تحويل مياه البحر إلى مياه عذبة، فأنشأت محطتين لذلك في الوجه وضبا على ساحل البحر الأحمر. ونتيجة لنجاح هذه المحطات تم إنشاء محطة لتحلية المياه في العديد من المدن. الرياضة والثقافةتولي المملكة اهتماماً كبيراً بالرياضة والشباب والنشاط الثقافي بكل أنواعه، لذا أنشأت الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي تطورت من مديرية عام 1974 لتتولى المسؤولية عن النشاطات الرياضية والاجتماعية والثقافية. وفي المجال الفني والثقافي حققت الرئاسة العامة لرعاية الشباب نجاحاً ملموساً، فقد أنشأت الأندية الأدبية ويبلغ عددها حالياً 12 نادياً، كما أنشأت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ولها 8 فروع في مدن المملكة. وتحرص الدولة على تشجيع الحركة الثقافية حيث تقيم معظم المناطق الآن جائزة للتفوق العلمي مثل جائزة الأمير محمد بن فهد وغيرها من الجوائز المماثلة، خاصة في الرياض وأبها والباحة ومكة المكرمة وتبوك. محاربة الإرهابوقعت المملكة العربية السعودية اتفاقية تأسيس مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب الذي دعا إلى تأسيسه خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض عام 2005 بحضور وفود من أكثر من 60 دولة. وقالت وكالة الأنباء السعودية "قام بتوقيع الاتفاقية بين المملكة العربية السعودية ومنظمة الأمم المتحدة كل من وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل رئيس وفد المملكة إلى اجتماعات الدورة الـ 66 للجمعية العامة للأمم المتحدة والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون”.وشارك الفيصل وبان كي مون في حضور ندوة الأمم المتحدة المخصصة لبحث التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب والتي شارك في حضورها أيضاً وزراء خارجية أكثر من 20 دولة.وقال الأمير سعود الفيصل في كلمة ألقاها في الندوة إن "تأسيس مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب هو تتويج لجهود المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي اقترح فيه خادم الحرمين الشريفين تأسيس مركز عالمي لمكافحة الإرهاب برعاية منظمة الأمم المتحدة”.تأسيس مركز للحوار بين المذاهبحظيت دعوة خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود بتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره الرياض، وذلك خلال افتتاح قمة التعاون الإسلامي التي عقدت في مكة المكرمة يومي 26 و27 من شهر رمضان الماضي بتأييد عربي ودولي. وثمن محللون الدعوة باعتبارها ستسهم في تفعيل الحوار بين المذاهب الإسلامية، مشيرين إلى أن وجود حوار حقيقي وجاد سيفضي إلى شيء مثمر، كما إنها إرادة ستحافظ على وحدة الأمة الإسلامية دينيا وثقافيا وتعود بها إلى منابع الإيمان الصافي والفكر النقي واحترام العقل وتحكيم الفطرة السليمة والمنطق السوي.
السعــوديــــة تعيــــش إنجــــازات محليــــة وإقليميــة وعــالميــة
23 سبتمبر 2012