أكد علماء وشيوخ دين أن "الإسلام دعا إلى حرية العقيدة، وجعل قضية الإيمان أو عدمه من الأمور المرتبطة بمشيئة الإنسان نفسه، واقتناعه الداخلي”، مشيرين إلى أن "الله سبحانه وتعالى دعا نبيه الكريم في القرآنُ إلى هذه الحقيقة، وبَيَّنَ له أن عليه تبليغ الدعوة فقط، وأنه لا سلطان له في إجبار الناس إلى اعتناق الإسلام”، بينما "نهى الإسلام في الوقت ذاته عن السب والقذف، حينما تتحول المسألة من حرية فكر واعتقاد إلى سوء خلق”.وأضافوا أن "الرسول والمسلمون من بعده لم يدعوا إلى اعتناق الإسلام قسراً، لأن الدين يُقَرِّرُ حرية الاعتقاد، ويرفض رفضاً قاطعاً إكراه أَحَدٍ على اعتناق الإسلام”. وذكروا أن "هناك أكثر من 100 آية في القرآن الكريم تدعو إلى حرية الفكر والرأي والعقيدة” لكن في الوقت ذاته، "حرم الإسلام الفاحشة وسوء الخلق خاصة خلال تبادل وجهات النظر مع أطراف أخرى”.وقالوا إن "إقرار الحرية الدينية يعني الاعتراف بالتَّعَدُّدِيَّة الدينية، وقد جاء ذلك تطبيقاً عملياً حين أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية في أوَّل دستور للمدينة المنورة بعد الهجرة، وذلك حينما أكد لليهود بأنهم يُشَكِّلُون مع المسلمين أُمَّةً واحدة، وأيضاً في فتح مكة حين لم يُجْبِرِ الرسول قريشاً على اعتناق الإسلام، رغم تمكُّنه وانتصاره، ولكنه قال لهم: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ”.حرية الفكر وضوابط الأخلاقمن جانبه، قال الشيخ الدكتور النعمان منذر الشاوي إنه "يُقصد بحرية التعبير قدرة الإنسان على الجهر بما يراه صائباً ومحققاً النفع له وللمجتمع، سواء تعلق بالشؤون الخاصة أو العامة”.وأضاف أن "حرية التعبير عن الرأي تعد من أهم فروع حقوق الإنسان السياسية إن لم تكن أهمها لأن الإفصاح عن مكنون النفس البشرية ضرورة عقلية لأن الرأي ناتج عن التفكير، والتفكير هو الذي يميز الإنسان عن بقية الأحياء.كذلك فإنَّ التعبير عن الرأي حق أقرَّته الشريعة الإسلامية لأتباعها ولغيرهم وفق ضوابط محددة، وربما ارتقى هذا الحق -في بعض الحالات- ليصبح واجباً شرعياً يثاب فاعله ويعاقب تاركه”.وأوضح د.النعمان الشاوي أن "حق التعبير عن الرأي -ببعديه الديني والدنيوي، العام والخاص- أساسه في قوله صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ)، فتأمل كيف حصر الدين كله في النصيحة، فإذا عرفنا أن النصيحة هي إخلاص الرأي من الغش للمنصوح وإيثار مصلحته، تبين لنا مكانة التعبير عن الرأي في الإسلام إذا كان خالياً من شوائب الغش وحظوظ النفس”.وأضاف أنه "إذا توقف الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر على التعبير عن الرأي، فإن الأخير سيصبح فرضاً على جماعة المسلمين، وربما تعين على واحدٍ منهم لقوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)”.واستطرد د.الشاوي قائلاً "لكن حرية التعبير عن الرأي قد تتحول إلى فوضى عارمة تُدمر بدلاً من أن تُعمر، ذلك إذا لم تنضبط تلك الحرية أو ذلك الحق بضوابط الشرع والأخلاق والقانون”، موضحاً أن "من أهم تلك الضوابط هو عدم الإساءة للغير بما يمس حياته أو عرضه أو سمعته أو مكانته الأدبية مثل الانتقاص والازدراء والسخرية، ونشر ذلك بأي وسيلة كانت”.وتابع "بالنسبة للإساءة للغير بما يمس حياته فقد حرَّمها الله تعالى أشد التحريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ تعالى مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)، وأما الإساءة للغير بما يمس عرضه أو سمعته أو مكانته الأدبية، فقد شرع الله تعالى لردعها تحريم الغيبة (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، وحدَّ القذف (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، ووعد المسلم المدافع عن عرض أخيه بأجزل ثواب في الآخرة: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)”.وخلص د.الشاوي إلى أن "حرية الإنسان في التعبير محترمة طالما أنها تقف عند حقوق الآخرين وحرياتهم، فإذا تعدتها أُهدرت تلك الحرية وفقدت مبررات وجودها”.الجدال الحسنمن جانبه، قال الدكتور فريد التوني إنه "حينما نقول بحرية التعبير والرأي، فإنه لا يغيب عنا بأي حال من الأحوال ـ الالتزام بالآداب والأخلاقيات، وهذا عند العقلاء جميعاً فضلاً عن الشرعيين، فالتحسين والتقبيح العقليين هو مقرر عند المتكلمين ـ فالجميع يدعو إلى النقد البناء المثمر”. وللوقوف معاً عند نقطة الالتقاء ينبغي معرفة أن الاختلاف بين الناس جميعاً ـ أمر طبيعي في البشرية جمعاء، فقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، وقال تعالى: (وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)”.وأضاف د.التوني أن "الاختلاف الحاصل بين الناس جميعاً وارد، وأمرنا الله تعالى فيه بالالتزام بالجدال المنضبط الذي يقوم على احترام الآخر، حتى وإن كان مخالفاً معك في الاعتقاد، فقال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بل أمر نبيه بذلك فقال (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وأمر موسى وهارون عليهما السلام ـ بذلك مع أكبر طاغية وهو فرعون، فقال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى). وبين سبحانه لنبيه محمد الحوار مع كفار قريش فقال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُل اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)”.وأوضح د.التوني أن "الإسلام منح الذين هم على غير ديننا أن يعيشوا بيننا آمنين ما داموا يحافظون على العهود والمواثيق، ولم يجبر ديننا أحداً على اعتناق الدين الإسلامي”.ورأى د.التوني أن "هذه المبادئ في الحوار ـ يجب أن يتحلى بها الطرفان، ففقد هذه المبادئ بينهما ـ يبعد صاحب الحق عن حقه ولا يقبله الناس، كما يزيد صاحب الباطل في غيه ويتهالك. فلا يقبل الناس الحق من سيئ الخلق، وقد يقبل الباطل مع صاحب الخلق الحسن. وهذا ما يوافق العقل السليم، ولا يخالفه النص الصحيح.قذف الناس بالباطلوفي ذات السياق يرى علماء أن "الإسلام كفل حرية العقيدة، وهناك أكثر من 100 آية في القرآن الكريم تحث على حرية الفكر والرأي والمعتقد منها قول الله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، و(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، و(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)، و(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ)، و(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، و(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، و(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، و(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وغيرها”.وأضافوا "لكن في الوقت ذاته نهى الإسلام عن السب والقذف، وإذا تأملنا قول الله تعالى في كتابه الكريم: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا...)، فالآية الكريمة لا تتحدث عن الزناة أو الفاسقين، ولكن الآية تتحدث عن الذين يقذفون الناس بالباطل، فمثلاً شخص قذف امرأة، أو امرأة قذفت أخرى، فالإسلام يعتبر الشخص الذي قذف بالباطل وليس عنده 4 شهود يصبح من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، والآية تتحدث عن 3 من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ليسوا من المنافقين هم: مسطح بن أبي مسطح، وحسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فنزلت الآية الكريمة بأن المطلوب 4 شهود وهم ثلاثة، فأقيم عليهم حد القذف”.وأشاروا إلى أن "الإسلام في هذه الحالة يدعو إلى التصدي للفاحشة فلا نسمح أن تنتشر الفاحشة سواء كانت بالكلام، أو الزي الفاحش، أو الإعلام المرئي والمسموح الذي يدعو للفجور، لكن في الوقت ذاته إذا أجاز الإسلام حرية العقيدة سواء للمسلم أو غير المسلم فإنه يرفض الإسلام أن يتكلم 3 أشخاص في حق امرأة وعرضها فهذا ممنوع، حتى وإن كانوا مسلمين”.وذكروا أن "في الإسلام، الأخلاق يجب أن تضبط والفكر يجب أن يتاح”، مشيرين إلى أن "ذلك من أول المصادر في الثبات على القيم أن يصبح المجتمع نظيفاً، والإعلام هادفاً بعيداً عن الفجور والفسوق، والحوار يصبح راقياً طيباً، حتى ينعكس ذلك على أفكار الناس وعلى مشاعرهم وسلوكهم، فمن الممكن والجائز لغير المسلمين أن يرفضوا أفكار الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، لكن سب الإسلام والرسول والمسلمين ممنوع، لأننا انتقلنا في تلك الحالة من حرية الفكر إلى سوء ضبط الأخلاق وسوء الأدب”.