الحِلْم دليل قوة إرادة صاحبه وهو الأناة وضبط النفس عند الغضب وبه تكسب قلوب الأعداء قبل الأصدقاء.. وأفضل وسيلة لكسب الخصوم وتحويلهم إلى أصدقاء..قال تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصُّرْعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) من منطلق هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف.. أنقل لكم هذه القصة الجميلة كانت بين صاحبين جليلين رضي الله عنهم أجمعين.. حيث كان لعبدالله بن الزبير مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكان معاوية آنذاك خليفة المسلمين.. وفي ذات يوم دخل عمال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة؛ فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق وقد كانت بينهما عداوة، قائلاً في كتابه: من عبدالله ابن الزبير إلى معاوية (ابن هند آكلة الأكباد) أما بعد.. فإنّ عمالك دخلوا إلى مزرعتي، فمرهم بالخروج منها، أو والذي لا إله إلا هو ليكونن لي معك شأن! فوصلت الرسالة لمعاوية، وكان من أحلم الناس، فقرأها.. ثم قال لابنه يزيد: ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني؟ فقال له ابنه يزيد: أرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه، فقال معاوية: بل خير من ذلك، "زكاةً وأقربَ رُحماً ".. فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها: من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن الزبير ابن أسماء ذات النطاقين أما بعد.. فو الله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك، فإن جنة الله عرضها السموات والأرض! فلما قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بل لحيته بالدموع، وسافر إلى معاوية في دمشق وقبل رأسه، وقال له: لا أعدمك الله حلماً أحلك في قريش هذا المحل..حقاً إن الحلم هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا.. الأقوياء الذين لم يغب عن أبصارهم وأسماعهم، قوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ )..الحلم معناه ألا تغضب لنفسك.. وأن لا تنتقم لنفسك.. بل اجعل الانتصار حين تنتهك محارم الله، واجعل طاقة الغضب كلها لله. فدائماً تستطيع امتلاك قلوب البشر بحسن تعاملك وحبك الخير للآخرين.. فمهما أساء إليك بعض الناس جهلاً أو عمداً.. حاول التغافل عن أخطاء الآخرين احتساباً لما عند الله، وتذكر قوله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) .. ثم لا تظن أنك ضعيف الشخصية أو أن طيبتك هي من جعلت الآخرين يستغلونك.. بل تظل طيبتك هي من تجملك أمام الجميع كإنسان شهم وكريم وحليم وعاقل.. ويكفي أنك تعطي ولا تنتظر من أحد أن يرد لك الجميل.. لكي ترتاح ويرتاح قلبك.. دوماً لا تنتظر من أحد رد الجميل والمكافأة والمديح على جميل عطائك وجمال تعاملك وطيبة نفسك الجميلة.. لأن ما عند الله خيرٌ لك وأبقى.. كما قال تعالى: (وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى).صالح الريمي
الحِلْــــــم خـلــــــق الأقـــويــــــاء
28 سبتمبر 2012