\أكد وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة أنه في الوقت الذي تمد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدها إلى جارتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنها وللأسف الشديد، قلماً تجد تجاوباً يساعد على بناء الثقة وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار، بل وعلى العكس من ذلك ، تواجه تدخلات مستمرة في شؤونها الداخلية.وقال الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 67 أمس، «ها نحن في الفترة الأخيرة نسمع تهديد إيران ووعيدها لدول المجلس بما يخالف مبادئ حسن الجوار ويخلق حالة من التوتر وعدم الثقة في المنطقة. والأهم من ذلك كله، فإن مملكة البحرين تؤكد من جديد على ضرورة حل قضية الجزر الثلاث التابعة للإمارات العربية المتحدة الشقيقة «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى» المحتلة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من خلال المفاوضات المباشرة أو إحالتها إلى محكمة العدل الدولية».وأوضح أن مملكة البحرين واجهت منذ العام الماضي تحديات كبيرة لأمنها واستقرارها، إلا أنها تعاملت معها بكل شفافية والتزام وأمانة، وذلك بإعادة الأمن والاستقرار، ومن ثم إنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق لتبيان الحقيقة وإعطاء كل ذي حق حقه، وحواراً شاملاً بين أطياف المجتمع، نتج عنه سلسلة من الإصلاحات الدستورية والتشريعية تغطي جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية.وأردف قائلاً «في ضوء هذه التجربة بادر سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين المفدى باقتراح إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان تضع أسس البيئة المناسبة لحماية حقوق الإنسان ومنع إنتهاكاتها في العالم العربي على غرار محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب»، لافتاً إلى موافقة مجلس جامعة الدول العربية على هذه المبادرة التاريخية وأنه جار العمل من أجل وضع الأسس القانونية لقيامها، على أمل أن تصبح واقعاً ملموساً في القريب العاجل.وأشار وزير الخارجية إلى أنه ومن خلال الجهود المتواصلة الهادفة إلى بناء مجتمع بحريني تعددي، وتأكيدا لالتزامات مملكة البحرين تجاه تعزيز وحماية حقوق الإنسان، فقد قبلت حكومة مملكة البحرين في الأسبوع الماضي أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، أكثر من 90% من التوصيات التي اقترحها المجلس والمتعلقة بالمراجعة الدورية الشاملة، بما في ذلك النظر في الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مكافحة التعذيب.وحول التحديات التي تواجهها المنطقة فقد أوضح وزير الخارجية أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أدركت أهمية التحرك إلى مزيد من الترابط، وذلك بتبني طرح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بالسعي للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، من أجل التصدي لتلك التهديدات والتحديات، وبناء القدرات الذاتية اللازمة لبلوغ مجتمع خليجي موحد قائم على رؤية مستقبلية مشتركة تواكب الحركة المتسارعة في العالم، واستجابةً لتطلعات شعوب مجلس التعاون المؤمنة بأن مصالحها ومكتسباتها لا يمكن أن تتحقق إلا بالتماسك والاتحاد.تطورات كارثية في سورياودعا وزير الخارجية في كلمته للاهتمام بالأزمة السورية والنظر إلى التطورات الكارثية والمتسارعة في سوريا الشقيقة. مطالباً المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بصون السلم والأمن، وبتوحيد المواقف من أجل وقف المعاناة الإنسانية للشعب السوري، وإيجاد حل سياسي للأزمة يضع حداً للعنف وإراقة الدماء، ويحافظ على وحدة سوريا وتماسك شعبها، ويقي المنطقة تداعيات خطيرة محدقة بها لن تقف عند حدود سوريا.وأكد وزير الخارجية ضرورة أن تتحمل منظمة الأمم المتحدة مسؤولياتها لحماية المدنيين العزل، وأن لا تشكل آليات الأمم المتحدة عائقا يحول دون قيامها بدورها في منع الجرائم ضد الإنسانية، وتجاوز المصالح الجيوسياسية الآنية إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو مبدأ مسؤولية الحماية للمدنيين في حالة الحروب والنزاعات المسلحة، معلناً في هذا الصدد ترحيب مملكة البحرين بتعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة والجامعة العربية، مع تمنياتها له بالتوفيق في مهامه من أجل تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري الشقيق.فلسطين قضيتنا الرئيسةوحول دعم قضية العرب الأولى فلسطين فقد قال وزير الخارجية «فلسطين ومعاناة شعبها الشقيق ما زالت قضيتنا الرئيسة كدول عربية وكمجتمع دولي، وترى مملكة البحرين إنه من الضروري العمل الجاد من أجل الوصول إلى حل عادل ودائم وشامل، وذلك بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية، وقرارات اللجنة الرباعية الدولية».وعبّر وزير الخارجية عن الشعور بقلق بالغ إزاء ما تتعرض له الأماكن المقدسة في القدس الشريف من إنتهاك لحرماتها وتغيير لهويتها، داعيا المجتمع الدولي لمؤازرة رئيس دولة فلسطين محمود عباس. الذي يبذل جهوداً مضنية من أجل قضية وطنه المغتصب، ويعمل من أجل إحلال السلام العادل والشامل في المنطقة. وحاثّاً المجتمع الدولي على مطالبة إسرائيل بالكف عن إنشاء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإزالتها، التي يقوض إنشاؤها فرص السلام.وأكد وزير الخارجية في ذات السياق على ضرورة تفعيل قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي لوقف كافة الانتهاكات والتعديات الإسرائيلية المستمرة، واحترام مبادئ الشرعية الدولية في هذا الشأن واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحظر إحداث تغييرات جغرافية أو ديموغرافية في الأراضي الخاضعة للاحتلال، معرباً عن التطلع إلى إحلال السلام في منطقتنا لما فيه خير شعوبها جميعاً.عدم الإساءة للأديان والأنبياءوأشار وزير الخارجية إلى الفيلم المسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، حيث قال «لقد شهدنا في الفترة الأخيرة تطاولاً قبيحاً وإساءات كبيرة لسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأبرز مثال على ذلك هو الفيلم المشين الذي استنكرته مملكة البحرين بشدة وما نتج عنه من عنف وتخريب في عدد من بلدان العالم. ويزيد من قلقنا الشديد الهجوم المؤسف على البعثات الدبلوماسية للدول وخاصة الهجوم غير المبرر على البعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية في بنغازي بليبيا، والذي أودى بحياة السفير كريستوفر ستيفنز وعدد من الدبلوماسيين الأمريكيين الأبرياء، والذي يُعد انتهاكاً صارخاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية».وأضاف وزير الخارجية في قوله إنه بالرغم من هذه التداعيات الخطيرة، إلا أنه ينبغي علينا أن لا نتذكر هذا المشهد القاتم، بقدر مشهد الجموع التي خرجت في ليبيا في اليوم التالي مستنكرة هذا العمل المشين، ولذلك فإن المسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً كشعوب وأمم أن نتبادل الاحترام وأن نكثف الجهود بما يحول دون تكرار الإساءات للأديان والأنبياء والرسل وجميع المقدسات الدينية.وشدد وزير الخارجية على وجوب الوقوف مع مسلمي «الروهينغيا» بميانمار في محنتهم، وتقديم العون والمساعدة لهم، إضافةً إلى إسداء النصح السليم لحكومة ميانمار بهذا الشأن.إلزام إسرائيل بالقرارات «النووية»وحرصاً على جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية فقد أكد وزير الخارجية أن مملكة البحرين تجدد موقفها الثابت في الدعوة إلى جعل الشرق الأوسط، منطقة خالية من الأسلحة النووية، ولن يتأتى ذلك إلا بإلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، والانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى أهمية التزام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتعهداتها في التعاون التام والشفاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال وزير الخارجية «نشدد على ضرورة الإعداد الجيد لعقد مؤتمر 2012 طبقا للوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 2010. كما نؤكد أن مبدأ جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية لا يخل بحق جميع الدول في الحصول على التقنيات النووية للاستخدامات السلمية شريطة إلتزام الشفافية التامة والامتثال لنظام الضمانات تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وفيما يتعلق بتطورات الأوضاع في اليمن، فقد نوه وزير الخارجية إلى أهمية نجاح المرحلة الانتقالية الحالية بما يحقق الأمن والاستقرار في ربوعه، وذلك تنفيذاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والآليات التنفيذية لذلك الاتفاق، مرحباً بالخطوات التي اتخذها الرئيس عبدربه منصور هادي لإطلاق الحوار الوطني اليمني.ونقل وزير الخارجية ترحيب مملكة البحرين بمؤتمر المانحين الذي قامت برعايته المملكة العربية السعودية الشقيقة بالرياض ودعمها الكامل للتوصيات والنتائج التي تم الاتفاق عليها من أجل بناء مستقبل أفضل لليمن الشقيق، وكذلك نتائج اجتماع أصدقاء اليمن الذي عقد مؤخراً في مدينة نيويورك.وأكد وزير الخارجية في كلمته على موقف مملكة البحرين المبدئي والثابت والمتضامن مع المملكة المغربية الشقيقة بأهمية الحفاظ على وحدة التراب المغربي وحل مشكلة الصحراء المغربية وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.وفيما يتعلق بالتطورات السياسية الجارية في الصومال الشقيق، فقد أعرب وزير الخارجية عن ترحيب مملكة البحرين بانتخاب حسن شيخ محمود رئيساً جديداً للبلاد، وذلك ضمن العملية الانتقالية في هذا البلد الشقيق، داعياً المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم والمساندة لإحلال الأمن والسلام في ربوعه بما يحفظ وحدة أراضيه واستقلاله السياسي.البحرين أنجزت معظم الأهداف الإنمائيةوحول الالتزام بتنفيذ اهداف الانمائية للألفية أفاد وزير الخارجية بأن مملكة البحرين كانت من أوائل الدول التي أنجزت معظم الأهداف الإنمائية للألفية قبل موعدها من حيث توفير التعليم المجاني في المراحل الأساسية، وتمكين المرأة، والتركيز على تكافؤ الفرص بين الجنسين، وتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي للفئات غير القادرة، ورفع مستوى الرعاية الصحية، وبخاصة للأطفال، ولهذا احتلت مملكة البحرين مكانة متقدمة على المستوى العالمي، في تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة عبر السنوات الماضية. وذكر وزير الخارجية أنه لكي ينجح المجتمع الدولي في التغلب على التحديات التي تواجه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فإن ذلك يتطلب أن تكون الدول قادرة على القيام بمسؤوليتها على أكمل وجه، وذلك مع اقتراب الموعد المحدد لبلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، والتي لم يعد الفصل عنها سوى ثلاث سنوات ونيف، ولن يتسنى هذا إلا بتكثيف الجهود لمراجعة السياسات التي تقود إلى تحقيقها، وبناء القدرات الوطنية والإقليمية من خلال أساليب تفاعلية لتنفيذ تلك الأهداف ومعالجة الخلل الذي يعيق السير نحو تحقيقها. وأبدى الوزير ترحيب مملكة البحرين بنتائج مؤتمر ريو+20، وبرؤى الأمين العام نحو التنمية المستدامة، لافتاً بأن هناك الكثير الذي ينبغي القيام به لضمان حصول الشعوب في جميع أنحاء العالم، لا على احتياجاتها الأساسية فحسب، بل أيضاً على الأدوات التي تستخدمها لضمان استدامتها لتلك الاحتياجات مع أهمية الإقرار بأن الاستدامة ليست مجرد استجابة للاحتياجات فحسب، بل أيضاً مبدأً أساسياً لكرامة الإنسان.واختتم وزير الخارجية كلمته بالإشارة إلى أنه بقدر حجم التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم والتحولات الناجمة عنها، إلا أنه أمامنا فرصة ثمينة لن نتمكن من اغتنامها إلا بالحكمة والشجاعة والصبر والعمل المشترك، وعلينا أن نعمل بكل طاقاتنا للتصدي لما قد يفرقنا من تخلف وتطرف وانعزال والاستمرار في مد يد العون والمساعدة لمن هم بحاجة لها، وأن نواجه الجمود والتعصب بالموضوعية والنزاهة من أجل تحقيق ما تصبو إليه شعوبنا جميعاً من تقدم ورفعة وازدهار. وتقدم وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة بالتهنئة إلى الرئيس الجديد المنتخب للجمعية فوكيريميتش ممثلاً عن جمهورية صربيا، معرباً عن بالغ التقدير للجهود التي بذلها الرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة السفير ناصر النصر من دولة قطر الشقيقة، والدورالمهم الذي قام به وحسن إدارته لاعمال الدورة السادسة والستين، مشيداً أيضاً بالجهود الدؤوبة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في تعزيز دور المنظمة الفاعل في مختلف المجالات.