قيـــس محمـــــد معمـــرينبغي أن يعوّد أطفالنا على الإحساس بالمسؤولية، لأنهم إذا كانوا أطفال اليوم فهم حتماً شباب ورجال الغد، فالمسؤولية تكبر مع المراحل العمرية ولكن لماذا يعود الطفل،لأن العادة تقتل الإحساس بألم المسؤولية وتخف من حدته فعندما نمارس المسئولية بشكل منتظم فإنها تصبح عادة، فالإنسان يدفع إيجار شقته في بداية كل شهر بدلاً من أن يشترى المعطف الجلدي الذي يريد شراءه، ونسدد فواتير المياه والكهرباء لأننا لا نريد أن تصبح علينا ديوناً، ومن ثم اعتدنا المسؤولية وأصبحت طبعاً عندنا، ولذلك فلابد أن تكون كذلك بالنسبة للأطفال ولكن متى يبدأ سن تحمل المسئولية عند الطفل ؟ يقول أحد المشايخ أنه في إحدى المدارس التي عمل فيها، وفي يوم من الأيام وهو يقوم بالإشراف على التلاميذ أثناء الفسحة ... إذ لفت انتباهه أحدهم حيث كان يجلس في ركن من أركان المدرسة بعيداً عن زملائه الذين يجلس معهم كالعادة .فاقترب منه فإذا به يراه يسرح في عالم آخر خارج المدرسة، يقول الشيخ : لا أدري أين ؟! فسألته ما بك يا بُني ؟! فأجابني بهدوء عجيب ، لا شيء يا أستاذ .ظننت أنه لم يُحضر إفطاره أو أنه نسي نقوده، فسألته عن ذلك وعرضت عليه أن يذهب ويشتري من المقصف فأبت عزّة نفسه إلا أن يرفض ذلك . فقلت له، اعتبر المبلغ الذي ستأخذه ديناً، وأعِدْه غداً، لكنه رفض أيضاً وشكرني وأقسم لي أنه أفطر في منزله ولا يريد شيئاً الآن .عندها تركته وغموضه الذي رافقني لأيام ...إلى أن جاء الأسبوع التالي , وفي نفس اليوم، وإذ بي على موعد آخر مع نفس المشهد، توجهت إليه ودار الحديث بيننا كما ذكرت سلفاً ... في هذه اللحظة رأيت أنه لا بد من إخبار المرشد الطلابي بالأمر للتواصل مع التلميذ وبحث أمره لعلنا أن نعرف مشكلته ونساعده . وفعلاً بدأ المرشد الطلابي بعمله واستدعى التلميذ، وبعد مداولات وحديث طويل أخبر المرشد بأمره وما السبب الذي جعله ينزوي عن زملائه في ذلك الركن ؟وقد أخبرني المرشد الطلابي أن هذا التلميذ لديه جهاز كمبيوتر، وتسبب هو في عطله، مما جعله يتناول الإفطار في البيت يومياً، ويكتفي به ليجمع النقود من الفلوس التي يحصل عليها من والده لتوفير قيمة إصلاح الجهاز، ولا يستطيع الجلوس مع زملائه وهم يتناولون الإفطار حتى لا يضع نفسه أمام سؤال محرج كسؤالي . يقول الشيخ فعجبت وفرحت كثيراً بهذا الموقف ... نعم ، ما أجمل أن نربي أبناءنا على الإحساس بالمسؤولية وتحملها من الصغر حتى ينشأ الواحد منهم رجلاً قادراً على تحمل ما يواجهه من تحديات وعراقيل خلال فترة حياته .لقد كان وراء هذا الابن تربيةً جادة، جعلته يسلك هذا المسلك. بالرغم أن أسرته مقتدرة مالياً ولكنها لا تريد أن تجعله اتكالياً يعتمد على غيره في كل شأن من شؤون حياته .