كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري: تمثل المجالس في البحرين منذ القدم، مكاناً للتدارس والتشاور في شتى نواحي الحياة، ومكاناً لمساعدة المحتاجين، ولضيافة من لا يجد فندقاً. وقد تميزت المحرق بهذه المجالس، ومنها مجلس العثمان، لصاحبه عبدالله العثمان. الذي ورثه عن جده. ولايزال يستقبل زواره من جميع مدن وقرى البحرين. ترسيخ التضامن الاجتماعيحول هذه المجالس يقول عبدالله العثمان: إن أهمية المجالس البحرينية تتجلى في ترسيخها التضامن الاجتماعي، ودورها الكبير في نشر الوعي والتثقيف من خلال التوجيه والتحاور والتشاور، إلى جانب غرس حب الوطن والترفيه عن النفس واكتساب الخبرات، فيما ينفع الوطن والمواطن. وهي تؤصل مشاعر جميلة تعبر عن التلاحم والوفاء والولاء للوطن والقيادة الرشيدة. فالهدف الأول منها التواصل بين الأبناء والآباء، فمجتمعنا في البحرين انعكاس يجسد هموم أبنائه الذين لايزالون يداً واحدة في الشدة والرخاء. هذه هي المجالس التي عرفها آباؤنا وأجدادنا؛ تلاحم من أجل أمن واستقرار الوطن. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب) وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدال على الخير كفاعله). وكما قيل قديماً (مجالسنا مدارسنا). فهي تعلمنا حب الوطن والناس وتقربنا من بعضنا البعض، حيث نلتقي فيها دائماً في الشدة لنحمل عن بعضنا ما نتعرض له من أزمات مالية وصحية. ويضيف بشأن مجلس العثمان: يقع مجلسنا في منطقة تسمى "منطقة الزمة” بالقرب منة الجمعية الإسلامية، وهو من المجالس المعروفة بأنشطتها وفعاليتها الاجتماعية والثقافية والدينية، يقدم محاضرات وندوات يحييها شيوخ دين وأطباء وأخصائيون، يتم استضافتهم ضمن البرنامج العام للمجلس على مدار العام. كما إنه ينظم زيارات ورحلات متعددة إلى الأماكن الأثرية في البحرين، إضافةً إلى قيامه برحلات إلى دول مجلس التعاون الخليجي لمد أواصر المحبة بين شعوب المنطقة. وقد زار حتى الآن 30 مؤسسة. ونقوم في المجلس بمساعدة المرضى وزيارة دار المسنين والأعمال التطوعية، مقتدين بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في قوله: (تهادوا تحابوا). والمثل يقول "عامل الناس بأخلاقك ولا تعاملهم بأخلاقهم”. وكانت الوالدة تقول لي باللهجة الشعبية "يا وليدي ما تم نفس مكروبة”. أي لابد أن يفرج الله أحوال الإنسان للأحسن. ومن الأمثال القديمة "لا اتدش السوق مفلس يا قليل الدراهم يصيدك غبن " والغبن: الحزن. ومن منطلق ذلك أنصح كل مسلم بأن يجاهد نفسه خصوصاً ضد البخل، ويساعد كل محتاج وفقير، لأن المال مال الله تعالى.جدي كان صاحب المجلسوحول حياته يقول العثمان: كان لجدي مجلس يفتح طوال اليوم، يستقبل أهل الديرة والجيران. وكان رحمه الله من نواخذة الحد المرتبطين بالبحر. وكان يمتلك جالبوتاً للغوص ولصيد السمك. ولايزال البحر يشكل أهمية كبيرة في حياة عوائل أهل البحرين؛ فهو تراثنا المتمثل في كفاح الآباء والأجداد القدامى في الغوص والتجارة. لذلك اتخذنا من الجالبوت شعاراً لمجلسنا الحالي يرمز لأصالة أهل البحرين ووحدتهم وتعاونهم وتحابهم وطيبتهم منذ زمن الغوص. وقد درست في مدرسة الحد الابتدائية وكان أغلب المدرسين من أهل الحد. بعدها انتقلت إلى المعهد الديني بالحورة، وكنت مولعاً بحفظ القرآن الكريم. وكان مدير المعهد آن ذاك الشيخ إبراهيم المحمود ومن مدرسيه القاضي الشيخ عيسى بو بشيت رحمه الله، يدرس مادة الفقه، وأتذكر من المدرسين العرب المصريين والفلسطينيين يحيى الفلسطيني، كان يدرسنا مادة العربي، وإذا لم نجب على أسئلته كان يسألنا: "انتو ماكلين فول اليوم”. وقد عملت بشركة بابكو كمحاسب في برادة عوالي، كانت خاصة بسكان عوالي. ثم انتقلت كمشغل في مصنع التكرير. وأتذكر إننا كنا نمشي من جنوب الحد إلى شماله للوصول إلى الباص لينقلنا لشركة بابكو، ونستلم الراتب كل أسبوعين. وقضيت سنين عمري في خدمة البحرين 32 عاماً حتى تقاعدت. ويضيف العثمان: كنت في طفولتي أذهب في عطلة الصيف مع عمي محمد لصيد السمك (بانوش) في أعماق البحر. وأحياناً مع رفاقي إلى عين أم السوالي جنوب الحد للسباحة وصيد الحويت بالثبر. وكان خالي يذهب بنا إلى السينما بالمنامة، وأحياناً أزور جدتي بفريج البوخميس بالمحرق. وكنا نذهب في عبرة (سفينة شراعية صغيرة) تأخذنا من المحرق إلى عراد (نادي المحرق حالياً) للمصيف. وفي بعض الأوقات نلتحق ببعض أعمال المقاول لاستثمار عطلة الصيف. وأتذكر أهل الحد وأهل المحرق وهم رمز التعاون والفزعة والمحبة. كنا نربي الحيوانات في بيتنا مثل البقر والطيور كالبط والحمام. وكنا نترك الغنم تسرح لوحدها صباحاً خارج المنزل. وتعود في المساء قبل أذان المغرب. فسبحان الله!. وكان من عادات أهل الحد والمحرق القديمة تبادل الوجبات مع جيرانهم، خصوصاً في شهر رمضان الكريم. حيث يضيفون بعضهم بعضاً في وقت السحور، ونفتقد ذلك اليوم. السفر هواياتي المفضلةأما عن هواياته فيقول العثمان: كان السفر ولايزال من الهوايات المحببة لي، إضافةً إلى الرحلات وقراءة الكتب العلمية والدينية. وسبق أن سافرت إلى العديد من دول العالم، بحثاً عن المعرفة، والتعرف على العادات والتقاليد عند الشعوب التي زرتها. إضافةً إلى هواية زيارة المتاحف العلمية والتراثية في كل دولة زرتها. لقد سافرت إلى بلدان عربية عدة منها: دول الخليج العربية كالكويت ودبي وأبوظبي والعين بدولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان وقطر. كما زرت القاهرة وكنت في السادسة عشرة في عهد الرئيس السابق أنور السادات. وسافرت إلى لبنان والأردن وسوريا. واخترت قبرص لقضاء شهر العسل لأنها دولة جميلة هادئة بعيدة عن الضوضاء. كما زرت عدة مدن بالمملكة العربية السعودية كالدمام والخبر والإحساء والطائف وأبها والنعيرية والجبيل والقصيم، ولمدينة الإحساء مكانة خاصة في قلبي لكثرة ترددي عليها. وقد أديت فريضة الحج 3 مرات، وكانت حجتي الأولى عن طريق جسر الملك فهد مع بداية افتتاح الجسر مع الحاج أحمد بودهيش رحمه الله، وأنا أعتمر كل عام وأزور المدينة المنورة.سبحان الرزاق الكريم يتذكر العثمان مواقف لا ينساها، ومنها هذا الموقف الذي يرويه: من عادات أهل البحرين عند إنجاب الزوجة للمولود، أن تذهب إلى بيت أبيها " للنفاس” وكان أن أخذت إجازة سنوية وخطر على بالي أن أشتري " قرقوراً” لصيد السمك، وذهبت به إلى البحر جنوب الحد. ومن باب الاحترام استأذنت من صاحب "الحظرة” لكي أضع القرقور خلف "الحظرة” بمسافة بعيدة لكي لا أتسبب بقطع رزقه والتأثير على صيد الحظرة. وفي اليوم الأول اصطدت كيلوين من السمك الصافي. أما في اليوم الثاني فاصطدت كيلوين ونصف من السمك الصافي. وكان صاحب "الحظرة” ينظر إلي من بعيد. وفي اليوم الثالث اصطدت ما يقارب كيلوين ونصف من السمك الصافي. فاقترب صاحب "الحظرة” وقال لي: "يا بو راشد عندي ثلاثة حظور ولم أصد مثل ما اصطدت بالقرقور الواحد”. وفي اليوم الرابع وضع صاحب الحظرة 3 قراقير بالقرب من القرقور الذي أصطاد به وصدت أنا كيلوين ونصف من السمك الصافي، بينما لم يصد هو إلا شيئاً بسيطاً. فأعطيت بعضاً من السمك للأهل. واستيقنت أن الله هو الرازق وكل مقدر رزقه. قال الله تعالى (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) بعدها أهديت القرقور لأحد الأصدقاء. كذلك من المواقف الظريفة أن زرت يوماً أحد جيراني، فقال لي: "يا أبو راشد لدي راديو لا يعمل منذ أكثر من سنة ونصف وهو من نوعية قديمة يعمل ببطارية كبيرة الحجم "بطارية السيارة”. وعندما وجهت له ضربة على مقدمته فعاد يعمل مرة أخرى. فقال الجار "جزاك الله خير” مع إنني لم أعمل أي شيء. وفي عصر اليوم نفسه طلب مني جاري إصلاح الراديو الخاص به ورغم ضربي إياه عدة ضربات إلا أنه رفض العمل!.