تتناول الباحثة والمحللة السياسية كيتلين تالماج في كتابها “وقت الإغلاق .. التهديد الإيراني لمضيق هرمز” المخاوف العالمية من إقدام إيران على إغلاق المضيق، وتستعرض مجموعة من التساؤلات عن إمكانية إيران إغلاق المضيق ودوافع إيران إلى اتخاذ إجراء مناقض لمصالحها الاقتصادية ومدى إمكانية إيران العسكرية اللازمة لشن حملة عسكرية في المضيق إضافة إلى الشكل الذي ستأخذه هذه الحملة. وتحاول الباحثة في كتابها الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، تقديم تفسيرات حول ما الذي يتعين على القوات العسكرية الأمريكية فعله للدفاع عن المضيق في حال تدخل الإيرانيين والتكاليف التي قد تتكبدها الولايات المتحدة وطول الفترة المتوقعة وحصيلة الجهود. “الوطن” تعرض في سلسلة حلقات دراسة الباحثة كيتلين تالماج والتي تشمل 5 محاور، يتضمن الأول لمحة عن جغرافية المضيق والطرق والكيفية التي يمكن إيران أن تستفيد منها في شن حملة ساحلية متكاملة، باستخدام الألغام، وصواريخ كروز المضادة للسفن، والدفاعات الأرضية المضادة للطيران. وتشتمل المحاور الثلاثة التي تلي ذلك تحليلاً لكل من هذه المكونات في حملة إيرانية محتملة، ولردود أمريكية ممكنة عليها. ويتم التركيز على القدرات الحالية، علماً أن الدراسة توضح كيف أن التغيرات المستقبلية المعقولة ستسهم في تغيير التحليل. وسيناقش المحور الأخير -وهو الاستنتاجات- انعكاسات السياسات الأمريكية تجاه إيران وبنية القوة الأمريكية، بشكل أعم”. في الحلقة السادسة من الكتاب تتحدث الباحثة عن متطلبات السيطرة الجوية الأمريكية. متطلبات السيطرة الجوية الأمريكية تقول الباحثة “لا تعد الدفاعات الجوية الإيرانية مثيرة للاهتمام، ولكنها مع ذلك، يمكنها أن تمثل تهديداً للقوات الأمريكية، وخاصة للطيارين الذين يقومون بدوريات مباشرة فوق المجال الجوي الإيراني، بحثاً عن بطاريات صاروخية متنقلة. وتمثل العمليات الأمريكية في كوسوفو أساساً معقولاً، يمكن -بناءً عليه- توقع الطريقة التي يمكن أن ترغب فيها الولايات المتحدة تحسين ضرباتها، لإسكات الدفاعات الجوية الإيرانية. وكما ذكرنا سابقاً، فإن الأراضي الإيرانية المعنية أكبر من منطقة العمليات في كوسوفو بنسبة 50% تقريباً، ولكن الدفاعات الجوية الإيرانية أيضاً، من نوع أسوأ، ومن المحتمل أن تكون أكثر تفرقاً من الدفاعات الصربية”. وتضيف الباحثة “لقد تم إنجاز معظم مهمة إسكات الدفاعات الجوية في كوسوفو بـ 48 طائرة من طراز F-16CJ، و30 طائرة من نوع EA-6B، تابعة للبحرية ولقوات المارينز، وكلها انطلق من قواعد أرضية ومن حاملات الطائرات. لقد ركزت مهمة طائرات فالكون في تدمير بطاريات صواريخ سام، بواسطة صواريخ مقاومة للإشعاع وفائقة السرعة، بينما استخدمت طائرات برولر Prowler لتوليد ترتيبات إلكترونية مضادة لرادارات الإنذار المبكر الصربية. وقد قامت طائرات تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز Compass Call EC-130، بحرب إلكترونية أخرى ضد الاتصالات الصوتية المعادية، بينما نفذت طائرات RC-135، عملية تميع معلومات استخباراتية إلكترونية سلبية؛ لإرشاد طياري إف-16، إلى مواقع صواريخ سام”. وتتابع “من المؤكد أن هذه المتطلبات ليست ثانوية، بل إن هذه القوات وفرت حماية للطيران الأمريكي في أجواء كوسوفو. أما الصرب الذين ركزوا قواتهم بشكل أكبر مما يستطيع الإيرانيون فعله، فلم يتمكنوا من إسقاط إلا طائرتين أمريكيتين، هما إف -117، وإف -16، من أصل آلاف الهجمات الأمريكية. وتجلت النتيجة الرئيسية للكفاح الذي قام به الصرب، من أجل السيطرة الجوية، في وضع حد أقصى لعدد الهجمات التي يمكن تخصيصها للمهمات الهجومية، (حملة القصف الاستراتيجي في حالة كوسوفو، والبحث عن الصواريخ في حالة إيران). وبما أن الأسلحة الجوية الأمريكية لإسكات الدفاعات المعادية كانت – وما تزال – نادرة، فإن الحاجة المستمرة إلى إضافة مثل هذه الأسلحة إلى كل مجموعة ضربات، حدَّت من عدد الضربات التي يمكن القيام بها كل يوم، ونتيجة لذلك ازداد الطول الإجمالي للحرب. وبرغم هذا فإن مجموع القوات هذه، استطاع أداء المهمة بنجاح في كوسوفو، ولعل مجموعة مماثلة من القوات يمكن أن تؤدي الدور نفسه خلال الصراع في مضيق هرمز”. “للإطلاع على ملخص لتقديرات طول الحملة والالتزامات العسكرية، أنظر الجدول 1”. حرب الألغام وقدرات إيران تشير الباحثة كيتلين تالماج إلى أن “التفوق العسكري المطلق للولايات المتحدة الأمريكية على إيران ليس موضع شك، ومن ثم فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستسيطر في أي مواجهة. ومع هذا فان حرب الألغام تقع ضمن حدود إمكانيات إيران، وتملك إيران صواريخ كروز المضادة للسفن والدفاع الجوي، لجعل العمليات الأمريكية ضد الألغام أشد صعوبة وأكثر استهلاكاً للوقت مما عليه الأمر في العادة. ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الخيال للإشارة إلى أن حركة مرور السفن في مضيق هرمز ستتم إعاقتها أسابيع أو أكثر من ذلك، برغم العمليات الجوية والبحرية الرئيسية، لاستعادة انسيابية حركة السفن الكاملة”. وتوضح أن “معوقات إيران، مثل تحديات القيادة والسيطرة والاستهداف التي تواجهها في الحرب الساحلية، لا تعطى حق قدرها غالباً، ولكن نقاط قوتها غالباً ما يتم التغاضي عنها أيضاً، مثل مخزونات الصواريخ، والألغام الأقوى من حيث القوة التفجيرية التي حصلت عليها إثر حرب الناقلات في ثمانينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من احتفاظ الولايات المتحدة الأمريكية كذلك، بأفضل جيش تقليدي في العالم، فإن تجاربها السابقة في اصطياد الأهداف المتحركة من الجو، والقيام بعمليات لإزالة الألغام في المناطق الساحلية لا توحي بالثقة أن المواجهة في المضيق ستنتهي بسرعة. إن دفاعات الأسطول الأمريكي لم يسبق أن تم اختبارها في الحرب ضد خصم لديه عدد كبير من صواريخ كروز، كما إن الولايات المتحدة الأمريكية تمر وسط مرحلة انتقالية رئيسية في مفهومها الكلي عن العمليات المضادة للألغام. وبأخذ هذه الحقائق في الحسبان، فإن “التطمينات” الإيجابية حول سير الصراع العسكري ونتائجه في مضيق هرمز، تبدو غير مسوغة في أحسن الأحوال، وخطيرة في أكثرها سوءاً”. وتتابع “الأمر الأهم، أن إيران لا تحتاج إلى غلق المضيق تماماً، لاستفزاز الولايات المتحدة الأمريكية لدفعها إلى التدخل، وبعد أن يبدأ هذا التدخل تكون احتمالات حدوث مزيد من التدخل العسكري عالية. وإذا كانت الحملات الجوية والبحرية تبدو بطيئة بصورة خاصة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد تضطر إلى التفكير في ضرب أهداف أخرى في إيران، أو في استخدام القوات البرية. وفي كلتا الحالتين يبدو متوقعاً حدوث ارتفاع كبير مستمر في سعر النفط. وتوضح أن “لهذا التحليل انعكاسات مهمة على وضع القوات الأمريكية والسياسة الخارجية، فأولاً، يدل التحليل بصورة عامة، أنه بالرغم من وجود اتفاق متزايد بين الحزبين الأمريكيين “الديمقراطي والجمهوري”، على الحاجة إلى توسيع القوات البرية الأمريكية، فإن القدرات الجوية والبحرية الأمريكية تبقى أساسية للدفاع عن إمدادات النفط في الخليج. وبصورة أكثر تحديداً، فإن القدرة الأمريكية على إعادة فتح المضيق تعتمد بصورة حاسمة على مجموعتين من الإمكانيات النادرة، هما وجود قدرات مخصصة لإزالة الألغام، وقدرات إسكات الدفاعات الجوية. إن امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية أسطولاً صغيراً ومتناقصاً مضاداً للألغام على وجه الدقة، يجعلها بحاجة إلى بذل جهد هجومي حقيقي، للقضاء على النيران الإيرانية المنطلقة من السواحل. ولو كانت إمكانيات إزالة الألغام أكبر عدداً، ومن ثم أكثر قدرة على التوسيع، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تصبح قادرة على المخاطرة بتشغيلها في بيئة أقل سهولة، بحيث تختصر المدة اللازمة لإعادة فتح المضيق”. وتقول الباحثة “وبصورة مماثلة نجد أن وسائل إسكات الدفاعات، تستمر “الحاجة الماسة إليها، برغم قلة عددها”، الأمر الذي يعوق عدد الهجمات الجوية التي يمكن تنفيذها في أي وقت من الأوقات. وهذه الندرة تضع قيداً لازماً على مدى السرعة في تقدم أي عملية مطاردة جوية للأهداف المتحركة، إلا إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في تحمل مخاطر متزايدة لإسقاط طائراتها. ولن تزداد أهمية وسائل السيطرة الجوية الأمريكية، إلا إذا أتيحت لإيران فرصة الحصول على صواريخ سام أكثر تقدماً، وطائرات اعتراضية في السنوات القادمة. كما إن زيادة استثمار الولايات المتحدة الأمريكية في مهمة إسكات الدفاعات، نعمة لا لإمكانيات الولايات المتحدة في المضيق، بل ضد الخصوم المحتملين، مثل، الصين وكوريا الشمالية أيضاً”. وتضيف الباحثة انه “يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، أن تشجع استخدام طرق الملاحة الأقرب إلى جنوب الخليج، حسبما يسمح بذلك عمق المياه. وكلما كانت المساحة التي يمكن الناقلات عبورها أكبر، كان من الأصعب على إيران تهديد تدفق حركة الملاحة تلك، بعدد صغير من الألغام. أضف إلى ذلك أنه كلما كان كانت طرق ملاحة الناقلات أبعد عن الساحل الإيراني، كانت المنطقة التي يتم إطلاق الصواريخ منها في إيران على السفن في الخليج أصغر مساحة، ذلك أن تقليص تلك المنطقة يقلل صعوبة اصطياد بطاريات الصواريخ المتنقلة، ومتطلبات الدفاعات الجوية ذات الصلة بذلك أيضاً؛ وهذا يزيد سرعة تنفيذ الولايات المتحدة الأمريكية عمليات إزالة الألغام في بيئة سهلة”. وتؤكد أن “الأهم من ذلك كله، أن السيناريو الوارد هنا، يشير إلى الأهمية الحاسمة للكشف المبكر لأي عملية زرع ألغام إيرانية في مياه الخليج، ولاسيما الحاجة إلى مراقبة نشاط الغواصات الإيرانية عن كثب. ولا تعتمد هذه المراقبة على النشاطات الأمريكية في المنطقة فحسب، وإنما على نشاطات جيران إيران في الخليج أيضاً. وإذا ما رغبت الولايات المتحدة الأمريكية في استمرار العمل، بوصفه ضامناً لحرية الملاحة في المضيق، فإنها تحتاج إلى جعل نشاطات المراقبة هذه جزءاً من جهد أوسع، لتثبيط محاولات إيران التحرش بحركة الملاحة في المضيق أو إغلاقه. ونظراً إلى احتمال طول العمليات المذكورة في هذه الدراسة وتعقيدها، فقد ترغب الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، في إفهام إيران أن حملة لتطهير الخليج من الألغام الإيرانية يمكن أن تُحوَّل بسرعة إلى حرب لتطهير المواني والسواحل الإيرانية من معظم بقايا القوات العسكرية الإيرانية”.