قصة قصيرة – جعفر الديري: إنها امرأة مدرّبة تدريباً جيداً على اصطياد أمثاله من عشّاق الجمال؛ لقد أرغمته على السفر للمرة الثانية، وهذه المرّة إلى بلدها، حيث الجبال والمناظر الخلابة، وحيث لا أحد يعنى بأمر أحد، سوى صاحب المال، حتى إن الناس وما أن علموا بأنه خليجي حتى هرعوا إليه زرافات!... - هل أعجبك المكان؟- إنه مكان مدهشانشغلت بالتطلع إلى آيات الجمال، بينما أمسك حجراً ألقاه بكل قوّته على الهرّة، ففرّت مرعوبة.انتبهت، فأقبلت إليه ضاحكة... - لماذا فعلت ذلك؟- لقد أشفقت على الفأر!قالت وهي تزوي شفتيها: - ومتى ستشفق علي؟! حرّك يده علامة على الضيق، وابتسم ساخراً... - حتّى متى تمنّين نفسك بالمحال؟!- حتى تخرج هذه الصخرة القديمة من رأسك؟نهض، نافضاً التراب من على بنطاله. أخرج سيجارة أخرى راح يدخنها وعيناه ترنوان إلى البعيد... - هل فكرت كيف سيكون حال الأبناء.. والبنات على وجه الخصوص؟ ردّت في دهشة: - كيف سيكون حالهم؟قال في سخريّة: - سيكونون مثلك!- وما في ذلك؟!ألقى بالسيجارة وتقدم منها، أمسك برأسها بين راحتيه، وقال وعيناه مصوبتان إلى عينيها: - أنت امرأة غير محتشمة.. وتعرفين معنى ذلك جيداًنزعت يده بقوة، ورجعت برأسها إلى الخلف في حركة وشت بضيقها... - متخلّف!ضحك ساخراً، غير أنّ الهواجس كانت لها سلطتها. حتّى متى يظلّ عازباً يتنقل من امرأة لأخرى، لقد تخطى الثلاثين من عمره، وغداً لن تكون القوة كما هي عليه الآن. المدهش أنه لم يختر هذه الحياة؛ إلا بعد أن اكتشف الوجه الآخر لأبيه... - هاي.. إلى أين ذهبت؟!- ماذا تقولين؟ - ناديتك أكثر من مرة فلم تجب!- يكفي القلب ما فيه من أحزان - وهل تشعر مثل بقية الناس؟! لم يكترث بالرد عليها، إنها امرأة شأنها شأن من سبقها، ولولا ماله؛ لما استمرت معه شهراً واحداً، لكن.. لماذا لا يلعب معها لعبة ممتعة... أقبل إليها باسماً، وجلس قربها، مدّ يده إلى شعرها الأشقر. ما أجمل هذا القوام وهذا الوجه... - سأخبرك أمراً مهمّاً- ما هو؟ - هل أخبرتك من قبل أن لي إخوة عشرة؟- ماذا؟! - بلى.. هذه هي الحقيقة التي أغفلتها عنك- لكن... - صحيح.. أخبرتك أنه لا إخوة لي ولا أخوات- كنت تكذب إذن؟ - وأنت صدقت بمنتهى السذاجة.. كيف لعقلك أن يقبل أمراً كهذا؟! - وإذن... - إذن فإن ثروة أبي لن تؤول لي وحدي ظلّت واجمة لبضع دقائق متطلعة إلى الأرض، لا تلحظ عيناه وهما يراقبان ردّة فعلها. حتى شعّ وجهها مجدّداً... - لا بأس.. فإن لدى أبوك مالاً كثيراً - ليس للحد الذي تتصورين - ماذا تعني؟ - إن الأزمة العالمية أخذت منه الكثير - لا!... - كما إنه أوكل لأخي الكبير إدارة ممتلكاته، وأخي لا يثق بي على الإطلاققالت ساخرة:- فأنت مفلس إذن؟! - بالضبط.. لا أملك شروى نقير- ولماذا أصاحبك إذن؟! - لأنك تحبينني- وماذا يفيدني حبك؟! - عندما تتزوجيني سيتغيّر كل شيء - لن أتزوجك- منذ لحظات كنت على وشك قتلي لرفضي الزواج منك! - والآن سأقتلك إن فكرت في ذلك ضحك حتى استلقى على قفاه، أمّا هي فأخذت بتوضيب حاجياتها... - انتظري أيتها البلهاء! - ماذا تريد؟ - لايزال لدي مال كثير - لن يغير شيئاً من المعادلةتركها تذهب ليقينه بأنها ستأتيه بعد قليل. هذه المرأة التي لا خير فيها، طبل أجوف، يعجبك شكله، لكنك لو فتقته، فلن تجد شيئاً فيه، بل رائحة كريهة تزكم أنفك. وبقدر ما هي جميلة المظهر، بقدر ما هي سقيمة القلب؛ لا تستطيع العيش دون أن تفكّر في المال وكيف تنال منه المزيد. تعلم يقيناً أنه يحتقرها في سرّه، ومع ذلك لا تكفّ عن الإلحاح بالزواج.ليست الأولى ولن تكون الأخيرة حتما، مجرّد امرأة تضاف إلى القائمة الحافلة بالنساء البيضاوات والسمراوات والشقراوات، اللاتي عرفهن، وخدمه فيهن شارع الغرام، وغداً يملّها كما ملّ سواها.
ضفة أخرى
02 أكتوبر 2012