كان تحدياً أكثر منه بروتوكولاً سنوياً، ذاك السيل الجارف من التهاني بمناسبة ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام. كثيرون لا تربطهم علاقات اجتماعية مع أصدقاء مسيحيين، لكنهم أظهروا تعمداً واضحاً في التعبير عن مشاركاتهم لإخوانهم المسيحيين «الذين لا يعرفونهم»، في احتفالات عيد الميلاد المجيد. إذ يشعر كثير من العرب أن مكوناً أصيلاً وشريفاً من مكوناتهم العروبية مستهدف بالتهجير والإبادة من أجل تغيير صورة المشرق العربي من التنوع الغني إلى التصفية لصالح مكونات محدودة.
مظهر من مظاهر جفاف الثقافة العربية الحالية إهمالها لإبراز دور مسيحيي الشرق في النهضة العربية الحديثة. كان المسيحيون هم أصحاب الدور الأبرز في مقاومة عمليات التتريك التي استفحلت في نهايات الدولة العثمانية بافتتاحهم المدارس المهتمة بتعليم اللغة العربية في كل من دمشق وحلب ولبنان والقدس، وبتأليفهم المناهج المبتكرة والحديثة الخاصة بعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وشعر. كما عمل كثير من مسيحيي الشام على تحقيق كثير من المخطوطات العربية. وافتتحوا أول الصحف العربية في الشام ومصر وجلبوا أول مطبعة إلى حلب وهم أول من أسس المسرح العربي الحديث في الشام ومصر، وأهم مؤسسي السينما العربية في مصر، تحديداً، كانت أسماء مسيحية من الشام ومصر. كما أنهم الغالبية الساحقة من شعراء المهجر الذين أثروا اللغة العربية وأغنوها بالشعرية الجديدة. ومن الصعب في هذا المجال الضيق حصر الأسماء العربية المسيحية التي قادت النهضة الفكرية في عصر النهضة، ولكن يكفي أن نذكر الأسماء الآتية التي قد يعرفها الكثيرون ولا يستحضرون مسيحيتها لأنها ذابت في الإحساس العروبي بما يتجاوز أصولها الدينية مثل: سليم نقلا، بشير نقلا، إبراهيم اليازجي، ناصيف اليازجي، بطرس البستاني، قسطاكي الحمصي، ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، مي زيادة، أمين الريحاني..، وغيرهم الكثير.
كما أن النضال القومي أمام سياسات العثمنة ومجازرها التي ارتكبت في الشام تصدت لها بالدرجة الأولى شخصيات مسيحية أسست ما يسمى بـ»الجمعيات والروابط». كما أن المطلعين على تاريخ مقاومة الاستعمار في الشام وفي سوريا تحديداً يتذكرون الذريعة الفرنسية في احتلال سوريا بحماية مسيحيي سوريا من الاضطهاد الديني. فقد كان المسيحيون في واجهة النضال السوري، وفي مقدمة تكذيب تلك المزاعم. ونستحضر هنا موقف رئيس الوزراء السوري «المسيحي» فارس خوري حين وقف على منبر مسجد الجامع الأموي بدمشق وقال: «إذا كانت فرنسا تتذرع بالمسيحيين لاحتلال سوريا فأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله». وبذلك يكون مسيحيو الشرق أحد أهم أركان حماية اللغة العربية، لغة القرآن، والهوية العروبية في المسار ذاته، عكف عليه علماء القرون الوسطى في مجال اللغويات والشرعيات. ويكونون أحد أهم أركان الحفاظ على وحدة التراب العربي واستقلاله وأهم مؤسسي الفكر القومي العروبي والمدافعين عنه.
وأمام ذلك التاريخ النقي والمتفجر بالنضال والعروبة يقف على قدم وساق مشروع ممنهج لترهيب المسيحيين العرب وتفجير كنائسهم والتضييق عليهم لتهجيرهم وإبادتهم لتغيير صورة الوطن العربي الحضاري والمتسامح ولتغيير الهوية القومية العربية الجامعة لصالح الهوية الطائفية الفرعية الهامشية والمشتتة.
لذلك فإن سيل التهاني من المسلمين العرب لإخوانهم في العروبة «المسيحيين» يعد صحوة ووعياً واضحاً بخطورة المشروع التفكيكي الذي يحيق بالمنطقة العربية، وتعد شكلاً من أشكال المقاومة لاستقلال العقل العربي وقوميته وعروبته. كل عام والجميع بخير. وكل عام وأديان العرب وطوائفها ثروة تغني العرب وذخيرة لحماية مستقبلهم.
مظهر من مظاهر جفاف الثقافة العربية الحالية إهمالها لإبراز دور مسيحيي الشرق في النهضة العربية الحديثة. كان المسيحيون هم أصحاب الدور الأبرز في مقاومة عمليات التتريك التي استفحلت في نهايات الدولة العثمانية بافتتاحهم المدارس المهتمة بتعليم اللغة العربية في كل من دمشق وحلب ولبنان والقدس، وبتأليفهم المناهج المبتكرة والحديثة الخاصة بعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وشعر. كما عمل كثير من مسيحيي الشام على تحقيق كثير من المخطوطات العربية. وافتتحوا أول الصحف العربية في الشام ومصر وجلبوا أول مطبعة إلى حلب وهم أول من أسس المسرح العربي الحديث في الشام ومصر، وأهم مؤسسي السينما العربية في مصر، تحديداً، كانت أسماء مسيحية من الشام ومصر. كما أنهم الغالبية الساحقة من شعراء المهجر الذين أثروا اللغة العربية وأغنوها بالشعرية الجديدة. ومن الصعب في هذا المجال الضيق حصر الأسماء العربية المسيحية التي قادت النهضة الفكرية في عصر النهضة، ولكن يكفي أن نذكر الأسماء الآتية التي قد يعرفها الكثيرون ولا يستحضرون مسيحيتها لأنها ذابت في الإحساس العروبي بما يتجاوز أصولها الدينية مثل: سليم نقلا، بشير نقلا، إبراهيم اليازجي، ناصيف اليازجي، بطرس البستاني، قسطاكي الحمصي، ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، مي زيادة، أمين الريحاني..، وغيرهم الكثير.
كما أن النضال القومي أمام سياسات العثمنة ومجازرها التي ارتكبت في الشام تصدت لها بالدرجة الأولى شخصيات مسيحية أسست ما يسمى بـ»الجمعيات والروابط». كما أن المطلعين على تاريخ مقاومة الاستعمار في الشام وفي سوريا تحديداً يتذكرون الذريعة الفرنسية في احتلال سوريا بحماية مسيحيي سوريا من الاضطهاد الديني. فقد كان المسيحيون في واجهة النضال السوري، وفي مقدمة تكذيب تلك المزاعم. ونستحضر هنا موقف رئيس الوزراء السوري «المسيحي» فارس خوري حين وقف على منبر مسجد الجامع الأموي بدمشق وقال: «إذا كانت فرنسا تتذرع بالمسيحيين لاحتلال سوريا فأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله». وبذلك يكون مسيحيو الشرق أحد أهم أركان حماية اللغة العربية، لغة القرآن، والهوية العروبية في المسار ذاته، عكف عليه علماء القرون الوسطى في مجال اللغويات والشرعيات. ويكونون أحد أهم أركان الحفاظ على وحدة التراب العربي واستقلاله وأهم مؤسسي الفكر القومي العروبي والمدافعين عنه.
وأمام ذلك التاريخ النقي والمتفجر بالنضال والعروبة يقف على قدم وساق مشروع ممنهج لترهيب المسيحيين العرب وتفجير كنائسهم والتضييق عليهم لتهجيرهم وإبادتهم لتغيير صورة الوطن العربي الحضاري والمتسامح ولتغيير الهوية القومية العربية الجامعة لصالح الهوية الطائفية الفرعية الهامشية والمشتتة.
لذلك فإن سيل التهاني من المسلمين العرب لإخوانهم في العروبة «المسيحيين» يعد صحوة ووعياً واضحاً بخطورة المشروع التفكيكي الذي يحيق بالمنطقة العربية، وتعد شكلاً من أشكال المقاومة لاستقلال العقل العربي وقوميته وعروبته. كل عام والجميع بخير. وكل عام وأديان العرب وطوائفها ثروة تغني العرب وذخيرة لحماية مستقبلهم.