الرأي

'كن أنت'.. لا نحتاج المال كي نزداد جمالاً!

كثيراً ما أسمع الشباب يرددون أغنية «لا، لا، لا» للمطرب حمود الخضر، حيث تقول كلماتها «لا، لا، لا نحتاج المال كي نزداد جمالاً.. جوهرنا هنا في القلب تلالاً»، ومفادها أنه علينا ألا نبالغ في الاهتمام بمظهرنا الخارجي لمجرد مجاراة الآخرين حتى لو لم نرضَ عن أنفسنا، فالجمال الحقيقي جمال القلب.

إن الهوس بتعديل المظهر أصبح يطغى على الاهتمام بالمضمون حتى ازدهر سوق عمليات التجميل وأصبحت تتخطى المألوف، والعجيب أنه لم يعد هذا الهوس يخص أهل الشهرة فقط بل تعدى ذلك ليصيب الجميع حتى الرجال منا والذي كنا نعتقد أنهم بمنأى عند هذا الهوس.

وعلى ذكر هذه الأغنية تذكرت قول إحدى طبيبات التجميل بأننا أصبحنا لا نتقبل أشكالنا، فكثيراً ما يراجعنا في العيادة «رجال ونساء» يطلبون تعديل ملامح وجوههم سواء كان هناك ضرورة أو لم يكن.. وهذه ظاهرة لم نألفها في عيادات التجميل سابقاً وهذا يدل على مدى التغير الاجتماعي، فهم يدفعون مبالغ باهظة لتغيير ملامح وجوههم.

سألتها، هل ملامح وجوههم خارج المألوف؟ فأجابتني بالنفي.. بل إنها مجرد رغبة في التغيير نحو الأجمل حسب مقاييس الجمال الجديدة، مشيرة إلى أنه في بعض الدول تجد الفتيات تدخر كل ما تستطيع إدخاره حتى تستطيع أن تعدل منها كما تحب أو أسوة بالفنانة التي تعشقها كي تقترب من ملامحها، حتى وصل بالبعض إلى إجراء العديد من العمليات ليقترب من شكل أحد أبطال القصص المصورة كالعروسة «باربي».

ويعد التصوير أحد أهم أسباب مبالغة الناس في الاهتمام بتغيير ملامح وجوههم، فلم يكن يرى الناس وجوههم إلا بشكل يومي في المرآة للحظات ثم يواصلون نشاطهم اليومي دون وقفات التأمل، أما التصوير فكان للمناسبات فقط، ولكن اليوم فنحن جاهزون دوماً للتصوير في أي لحظة وفي أي وضع، على طاولة الطعام، في المطاعم، أثناء الزيارات في العمل، وغيرها، وتنتشر هذه الصور على الملأ، وتتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، سابقاً لم يكن الناس لديهم ثقافة تقييم الصورة ووضوح ألوانها أو زاوية التقاطها، أما اليوم نجدهم يتأملون الصورة بدقة ويبحثون في جميع ملامحها وبالتالي ملامح الوجه.. فأصبح الناس يحددون طريقة الابتسامة وشغلوا بملامح وجوههم ويبحثون عن زاوية الكاميرا التي تظهر ملامحها في أحسن صورة، لقد أصبحت كاميرات الموبايل نقمة، فما بين «فيسبوك» و«سناب شات» وهوس صور الـ «سيلفي» التي جعلت الجميع أسرى للكاميرات وكأنهم نجوم سينما.

وتفننت الشركات لكي تطور هذه الكاميرات التي أصبحت ترصد ما لا تستطع العين المجردة رصده حتى أنه صدر تحذير في اليابان بعدم رفع علامة النصر أثناء التصوير حتى لا يتم أخذ بصمة الاصبع واستخدامها في عمليات التزوير.

إن حرص الشباب على التقاط الصور بمختلف الأوضاع وفي جميع الأوقات، جعل هذا الجيل يتفاعل مع المظهر دون الجوهر، وأصبحت حياة الناس مكشوفة على بعضها البعض، حتى أنك تستطيع أن تحدد نمط حياة إنسان من مجرد النظر إلى صفحته على أحد البرامج التفاعلية، وقد أدى هذا الهوس بالتصوير لوقوع العديد من الحوادث المهلكة، والتي أدى بعضها لموت أصحابها أثناء سعيهم لالتقاط صورة تجسد ما رأته أعينهم ونقلها إلى الواقع الافتراضي الذي يعيشون فيه.

في السابق اشتهرت الممثلات بالاهتمام بعمليات التجميل؛ لأنهن يقفن أمام الكاميرا طويلاً وتتداول صورهن ما بين صحف ومجلات.. أما اليوم فالجميع يقف أمام الكاميرا وتتداول صوره.. ومما زاد الأمر انتشاراً عيادات التجميل وتشجيعهم للناس على إجراء هذه العمليات والتي وصلت عند البعض أنهم نسوا أثناء الدعاية والإعلان عن جراحات التجميل إلى تجاهل أخلاقيات المهنة، وتحولوا إلى مجرد تجار يروجون لبضاعتهم، لا أصحاب مهنة إنسانية، فقد تعلموا الطب لعلاج الناس ومساعدتهم على الشفاء فتلك الرسالة ضاعت في خضم البحث عن الكسب المادي، فتحولوا من معالجين إلى مصدر خطر يجلب الضرر والمرض والأذى للأصحاء، فكم من مراجع لعيادات التجميل دخلها وهو معافى وخرج منها مصاباً يعاني السقم.

إن تغليظ العقوبة على الأخطاء التي تحدث نتيجة عمليات التجميل هي أحد أهم المسؤوليات التي ستكون رادعاً لبعض الأطباء الذين نسوا ميثاق الشرف الذي أقسموه وغيبوا واقع مهنة سامية، فطبيب التجميل عليه أن يوجه علاجه وخبرته لعلاج الشخص الذي يتعرض لحادث أو يولد بعيب خلقي، ليستطيع أن يصالح نفسه مع المجتمع وينظر في المرآة دون ألم، لا أن يغيب الضمير ويحل محله رغبة جشعة لجمع المال تريد أن تبتلع كل ما يوجد في طريقها دون النظر إلى أية أخلاقيات.

ختاماً، أصبح الأمر بحاجة لرقابة على عيادات التجميل من قبل الجهات المعنية، مع غياب الرقابة الداخلية والذاتية لدى بعض الأطباء أمام الرغبة في حصد المزيد من المال من جيوب الناس، لابد من وضع نظام رقابي بحيث لا يسمح بإجراء مثل هذه العمليات إلا للضرورة، ووضع معايير وأسس وأخذ موافقات من الجهات المختصة، والأهم من هذا كله علينا أن نعود إلى أنفسنا وأن نعزز ثقافة الثقة بالنفس، وأن ننشر ثقافة تقبل بعضنا البعض لا بشكلنا ولكن بجوهرنا، وبذلك لن نحتاج المال كي نزداد جمالاً.. ودمتم سالمين.