^ مازال المنصب الوزاري لدى البعض وليس الكل يمثل رفاهية، ويحول الشخص العادي إلى أشبه ما يكون بـ”آلهة الإغريق” لا يمكن الوصول له في “برجه العاجي”. مشاكلنا في البحرين كلنا تحل لو تحرك المسؤول الأول في أي قطاع، وشريطة أن يكون تحركه في الاتجاه الصحيح ويفضي إلى نتيجة يمكن قياسها أو لمسها لدى المواطنين. نريد فقط إحصائية بسيطة تبين لنا عدد الوزراء الذين يفتحون أبوابهم أقلها مرة في الأسبوع أمام المواطنين ليتعاملوا معهم مباشرة دون وسطاء، خاصة وأن كثيراً من الأمور تحل لو وصلت للوزراء دون تعطيل من قبل من يقلون عنهم في التراتبية الوظيفية. لن نبالغ ونقول بأن الوزير يجب أن يبقي بابه مفتوحاً طوال اليوم ولجميع الناس، لكننا نقول أقلها أن يكون موجوداً يحس بوجوده الناس، يتواصل معهم مباشرة ليعرف منهم نتاج عمل قطاعه وما إذا كانت هناك مشكلات تتعرقل في طريق وصولها إلى مكتبه. نعلم أن كثيراً من المسؤولين يتحرك على الفور لو وصلت القضايا له مباشرة أو تم لفت انتباهه لها، لكن خطوط التواصل مقطوعة والاعتماد على أمانة من سيوصل هذه القضايا له دون تعطيل أو زيادة أو نقصان إما تصيب أو تخيب. لذلك نرى تحركات عاجلة وسريعة من قبل بعض الوزراء مباشرة لو وصلت القضايا لتطرح من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة بالأخص، وهذا التحرك هو ما يدفع البعض للجزم بأنه ناتج لرغبة في تغطية الأمور ولملمتها عن أن تكبر، لكنه بحد ذاته يكشف حجم الخلل وكيف يعاني الناس والمتعاملون أحياناً في بعض الوزارات خاصة وإن كان الوصول إلى باب الوزير فقط يعد ضرباً من المستحيل. يغلق الوزير بابه حينما ينسى بأن موقعه تكليف وليس تشريفاً، يغلقه حينما تتغير نظرته للناس من نظرة متساوية إلى نظرة فوقية، وإنه حاكم في قطاعه لا يفترض به النزول لهم، وهذه بحد ذاتها كارثة. أتذكر مرة أنني طالبت بأن يعين الفقراء وزراء، أقلها سيمتلكون إحساساً بمعاناة الناس وشعوراً يشابه شعورهم، إلا إن مسهم “مرض الكرسي” وتغيروا إلى أباطرة، ولدينا من الأمثلة ما شاء الله. العام الماضي وفي زيارة لسمو رئيس الوزراء إلى المحرق برفقة بعض الوزراء قمت شخصياً بمداخلة مناشداً الأمير خليفة بن سلمان إلزام الوزراء باعتماد يوم أقلها للتواصل مع الناس مباشرة، وكيف أن التناقض بيّن وواضح، إذ طريق الوصول إلى رئيس الحكومة لا يتضمن عوائق وحواجز، بينما الوصول لبعض الوزراء من سابع المستحيلات. نقول دائما إن المواطن البحريني هو ثروتنا الحقيقية، وأن الحراك الدائر في البلد يجب أن ينصب لصالح الناس وما يخدمهم، لكننا نرى في جانب آخر المواطن يعاني، فقط استمعوا للبرنامج الإذاعي الصباحي وحسوا بآهات الناس ومعاناتهم، أليست هذه المعاناة نتيجة ضعف الإجراءات والتباطؤ فيها وهي ناتجة من عدم إحساس بالمواطن. هذا رأيي الشخصي الذي أؤمن بأن كثيراً من الناس يتفقون معي فيه، إذ كيف يحس الشبعان بالجائع؟! وكيف يحس بالنار من يده دائماً في الماء؟! والكارثة الأكبر، كيف نطالب من لا يعرف ما يعانيه الناس بأن يحل معاناة الناس؟! يبقى الوزير موظفاً في الدولة وعليه مسؤولية أكبر من غيره من المسؤولين، كونه مسئولاً عن قطاع كبير يضع له سياسات وخطط واستراتيجيات، يفترض بها أن تثمر وتحقق نجاحاً يقود لرضى عام لدى المعنيين بعمل هذا القطاع، لكن ما نراه من الناس تزايد للهموم والمشكلات والمعاناة. المسؤول الذي لا يتواصل مع الناس لا يستحق أن يكون مسئولاً، والمسؤول الذي يرى نفسه فوق الناس لا يستحق أبداً أن يتولى مسؤولية معنية بالناس. لم يتخلص الناس من “فرعون” حتى يأتي يوم نبتكر فيه في عديد من القطاعات “فراعنة” لا يعيرون الناس أي اهتمام. دائماً ما نقول بأننا نرى أمامنا مدرسة إدارية نموذجية تتمثل بصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله، كيف يتواصل مع الناس، كيف يتحرك ميدانياً، كيف يوجه للاهتمام بكل ما يصله من قضايا وهموم، وكيف يكون تفاعله مع ما يطرحه الإعلام فورياً، ومقابل ذلك يظل السؤال حائراً بشأن حال بعض الوزراء والمسؤولين، إذ ألا يمكن لكم التمثل أقلها بربع ما يقوم به هذا الرجل؟! لا نريد دولة يغلق فيها الوزير بابه أمام الناس، ولا نريد دولة فيها المسؤولون يرون أنفسهم مواطنين درجة أولى بينما البقية دونهم لا موقع لهم من الإعراب. السادة النواب ذكّروا الوزراء دائماً بأنهم موظفون كلفوا بأمانة تجاه هذا البلد وأهله، ذكروهم وأنتم المسؤولون عن مراقبتهم ومحاسبتهم بأن زمن التعامل من علو ومن فوق أبراج عاجية انتهى، طبعاً لا تنسوا تذكير بعضكم أيضاً الذي بات يمارس نفس الأسلوب. من لديه القدرة على خدمة الوطن والمواطنين ووضعهم أولاً قبل نفسه وبرستيجه وشكله فهو من نريده، ومن لا يمتلك هذه المقومات قولوا له “خليك في البيت أحسن”. طبعاً ندائي هذا للنواب الذين يعرفون كيف يتحدثون بلباقة وأدب، إذ كثير من الحق ضاع وتاه في الزحام حينما يتحول الخطاب إلى أسلوب تقريع وهجوم شخصي. نناشد سمو رئيس الوزراء بتوجيه الوزراء لتخصيص يوم أسبوعي يفتحون فيه مجالسهم حتى لو في الفترة المسائية ليستقبلوا الناس، لا للسلام والحديث الباسم، بل للتواصل معهم ومعرفة مشاكلهم والسعي لحلها، ولا ضير من عملهم خارج أوقات الدوام، إذ هم موجودون أصلاً وعلى الدوام في استقبالات ومناسبات واحتفالات خارج أوقات الدوام، بالتالي المواطن أولى من كل ذلك.
ولماذا لا يفتح سعادة الوزير بابه؟!
٢٨ مايو ٢٠١٢