^ من أهم القضايا التي تؤرق المجتمعات والحكومات الخليجية، هي القضايا التي تتعلق برسم الاستراتيجيات الخاصة بالمستقبل، ولعل من أبرزها كيفية الحفاظ على مستوى الاقتصاد الوطني في تلك الدول، وما يتعلق به من أمور متصلة كقضايا العمل والإنتاجية والبطالة. مؤخراً تحدث أحد التقارير المهمة لمنظمة العمل الدولية أن واحداً من أصل أربعة شباب في العالم العربي عاطل عن العمل، وبهذا تبلغ نسبة البطالة بين الشباب إلى 26.2%، في حين أن نسبة البطالة بين الأفراد الأكبر عمراً تبلغ 6.6%. في ذات التقرير هناك إشارة مهمة جداً، وهي أنه رغم ارتفاع مستوى التحصيل العلمي بين الشباب العربي، فإنه غالباً ما يشتكي أصحاب الأعمال من غياب المهارات المؤهلة للتوظيف في صفوف شباب المنطقة، مما يشكل حاجزاً أمام وصولهم إلى فرص العمل. من جهة أخرى يرى المحلل الاقتصادي غسان معمر في تصريح للـ (CNN) أن معدلات النمو في دول الخليج العربي هي معدلات في النمو العمراني، أكثر من كونها (نمواً حقيقياً) للقطاعات الاقتصادية بشكل عام. ليس هذا فحسب، بل يذهب معمر أن مردودات الصادرات النفطية والغازية المستخرجة من الخليج تصب في مجملها في عمليات تشييد الأبنية وناطحات السحاب فقط. كما يوضح معمر أن عدم تنويع الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية ستؤثر بشكل مباشر على المدى القريب على قضايا الأمن والتماسك الاجتماعي، إضافة إلى كثير من القضايا السلبية للأوضاع غير المستقرة والتي نلمس آثارها في هذه المرحلة تحديداً في عدد من الدول المجاورة. يبدو أن هذا السياق واضح للعيان من خلال كثير من التحديات التي تمر بها بلداننا على شريط الخليج العربي، فالتطور العمراني وإن كان ضرورياً جداً لمحاولة اللحاق بالركب المدني، إلا أن ذلك يعد مرحلة متأخرة من مراحل النمو الاقتصادي، فتطوير اقتصاديات الخليج، والسعي الجاد للاستثمار في الإنسان، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة، والحفاظ على البيئة ومصادر المياه، والتقليل من نسب البطالة، كلها أمور أساسية، على دول الخليج العربي أن تبحثها في المرحلة القادمة، لبناء نفسها بطريقة أكثر تطوراً. ليست العمارات الشاهقة ولا السيارات الأوروبية ولا العطور الفرنسية، ولا أحدث وسائل الاتصال السريعة، هي الضمانات الحقيقية التي تصنع أوطاناً قوية، بل هي نوع من أنواع الترف الاستهلاكي تنتهي مع انتهاء الطاقة التي بين يدينا. هناك عديد من الصعوبات الاقتصادية التي ستواجهها دول الخليج العربي في المرحلة القادمة، من هنا يكون من الواجب أن تتغير ثقافتنا نحو الأشياء، وأن نميز بين الترف والحاجة، لأن المعارك القادمة هي معارك شرسة للغاية أكثر مما تتخيلون، فهي معارك تتعلق بالمياه والطاقة المتجددة وبالنمو الاقتصادي وليس النمو العمراني الذي نعايشه في كل عماراتنا الشاهقة. نحن نراهن أن أمامنا فرصاً هائلة للصحوة الاقتصادية لم يفت أوانها بعد، وأن لدينا عقولاً شابة منفتحة على التغيير، لكن في حال اقتنعنا ببضع عمارات إسمنتية نراها أمام أعيننا كل يوم، فإننا سوف نحمِّل الأجيال القادمة مسيرة النهضة والتغيير لكن بعد فوات كل شيء. علينا اليوم أن نغير من سياساتنا الاقتصادية كدول ومجتمعات، وأن نطوِّر من مفاهيمنا للحياة بطريقة أكثر رقياً ونضجاً وخوفاً على المستقبل. نحن عشنا اللحظة، لكن يجب علينا أيضاً أن نؤمِّنَ مستقبل الأجيال القادمة، وألا نكون أنانيين أكثر من اللازم، فكما استمتعتم دعوا غيركم يستمتع أيضاً.
معركتنا القادمة في الخليج العربي
28 مايو 2012