^ هناك العديد من التعريفات للدبلوماسية التي تذخر بها الكتب والمؤلفات نتيجة حرص بعض كبار الشخصيات العالمية التي تولت أدواراً دبلوماسية وسياسية تسجيل ما قامت به لكي يكون منارة هداية وتعليم للأجيال اللاحقة ومن أشهر هؤلاء السياسي والدبلوماسي الفرنسي ريشيليه الذي أسس أول وزارة خارجية في العالم، والدبلوماسي البريطاني هارولد نيكلسون صاحب المرجع الحديث عن الدبلوماسية وغيرهم، لكن السياسي والمفكر الإيطالي نيقولا مكيافيلي رغم أنه يعد أبو الدبلوماسية الحديثة وأول من قدم نظرية في فلسفة السياسة وفي العمل الدبلوماسي إلا أنه أقل شهرة فيما قدمه من الناحية الفكرية في مجال الدبلوماسية رغم انه ظل أربعة عشر عاما يعمل في الحقل الدبلوماسي ي والدبلوماسية ورغم أنه صاحب عبارة من أشهر المقولات عن الدبلوماسي وهو أن السفير الناجح لابد أن يكون غنياً أو يتزوج سيدة غنية حتى يستطيع الوفاء بمهام وظيفته. لكن ظهور المرأة في العمل الدبلوماسي حتى على المستوى العالمي فهو أقل شهرة وجاء متأخراً من ظهور دور الرجل، وهو أكثر تأخراً في المنطقة العربية ولذلك فإن المؤلفات والكتابات حول دور المرأة في العمل الدبلوماسي سواء كزوجة السفير أو زوجة الدبلوماسي الناشئ أو كموظفة دبلوماسية تمارس العمل الدبلوماسي لم يحظ بالاهتمام الواجب. ولكن شخصية ذات دور ومكانة في العمل الدبلوماسي البحريني اهتمت بهذا الموضوع وسعت لسد الفراغ العلمي وربما أيضاً العملي في هذا المجال وهي الشيخة وصال بنت محمد آل خليفة حرم الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة سفير مملكة البحرين الأسبق في بريطانيا ووزير الخارجية الحالي. لذلك أنشأت الشيخة وصال برنامجاً بعنوان جسور وهو اختيار موفق لاسم البرنامج فهو يعكس طبيعة الدبلوماسية المعاصرة في سعيها لبناء جسور التواصل والوصال بين الأفراد والشعوب والحضارات والمجتمعات. وكما يقول المثل العربي لكل إنسان من اسمه نصيب وهكذا الشيخة وصال، التي كرست هذا البرنامج لبناء المعرفة والقدرات في سيدات السلك الدبلوماسي البحريني وبخاصة زوجات السفراء والدبلوماسيين لكي يكونوا علي بينة ومعرفة لمجتمعهم وحضارته وتقاليده ليعبروا عنه خير تعبير عندما يبعثون مع أزواجهم في الخارج لينهلوا ويتفاعلوا مع حضارات الشعوب الأخرى وينقلوا ما يصلح منها ويتلاءم مع عادات وتقاليد واحتياجات البحرين وشعبها هذه الدولة الصغيرة حجما العريقة حضارة. لعلنا نتذكر أن احد التعريفات غير التقليدية للدبلوماسية هو أنها فن التواصل مع الآخر أو الحوار بين الأمم. ولذلك كتب الدبلوماسي البريطاني آدم واطسون مؤلفه باسم “الحوار بين الأمم” هذا الحوار يعكس عملية التواصل والتفاعل والفهم المتبادل وهو أهم خصائص العمل الدبلوماسي وهذا يذكرنا بالقول المشهور في العلاقات الاجتماعية هو أن التواصل يقوم على مراحل أربع هي: نظرة، فابتسامة، فموعد، فلقاء، طبعاً هذا ليس فقط في إطار التفاعل الاجتماعي بل وأيضاً في التفاعل السياسي والثقافي. وعملية التواصل هذه تقوم على ثلاث ركائز؛ هي الأولى: الكيمياء الاجتماعية، الثانية: الفائدة المتبادلة، الثالثة: الاستمرارية. والتواصل في الدبلوماسية المعاصرة حل محل المقولة التقليدية القائلة بأن الدبلوماسي هو إنسان صادق وأمين يرسل ليكذب باسم دولته واستبدلها بالمصطلح الحديث الذي يعكس الأخلاق والشفافية وهي إن الدبلوماسي إنسان صادق وأمين يعمل لمصلحة بلاده بأمانة وشفافية ومصداقية. إن ذلك يعكس مفهوم العصر الذي أصبح حجب المعلومات أمراً غير ممكن بل من رابع المستحيلات. من هذا المنطلق يعد برنامج جسور علامة مميزة من علامات العمل الدبلوماسي البحريني لقطاع تتزايد أهميته في المستقبل وهو قطاع المرأة الدبلوماسية سواء كزوجة أو كموظفة فكلاهما عليه مسؤولية مهمة في تمثيل بلاده والتعبير عن طموحاتها وآمالها وتطلعاتها والذود عما تتعرض له من تشويه نتيجة نقص المعرفة لدي بعض الشعوب الأخرى هذا العمل الذي قامت به الشيخة وصال كزوجة سفير بحريني في بريطانيا أو كزوجة وزير خارجية هو امتداد عربي لتقاليد دبلوماسية عريقة في المجتمعات الأخرى، إذ كتبت السيدة ماري كنج وودنجتون زوجة السفير الفرنسي الأسبق في روسيا وبريطانيا والذي عمل وزيراً لعدة وزارات منها وزيراً للخارجية عام 1877، ومثل فرنسا في مؤتمر برلين عام 1878 كتبت مذكراتها بعنوان Letters of a Diplomat’s Wife 1903 تحدثت فيه عن تجربتها في العمل الدبلوماسي وموضحة ما كانت تعانيه من صعوبات وفي نفس الوقت ما اكتسبته من خبرات وفوائد ادخل عليها البهجة والسعادة. كذلك السيدة ايرلي هوتشيلد في مذكراتها بعنوان Role of Ambassador’s Wife” تناولت فيه تأثير عمل زوجها على حياتها. وبلورتها في مهمة واحدة تشاركا فيها وهي رسائل التواصل السياسي والاجتماعي وأوضحت أن السفير يتواصل بالرسائل المباشرة وغير المباشرة. أما زوجة السفير فتتواصل عبر الرسائل غير المباشرة، أو ما أطلق عليه “ادوارد هل” أنظمة الرسائل المستترة، وأنها من خلال تواصلها الاجتماعي كانت ترسل رسائل سياسية واجتماعية مهمة. ولم تقتصر السيدة نورزان رستم زوجة المندوب الدائم الأسبق لماليزيا لدي الأمم المتحدة والذي أصبح بعد ذلك نائباً لوزير خارجية بلاده فقد ركزت في مذكراتها على دور زوجة السفير في التفاعل مع الجالية في الخارج وفي داخل بلادها وهذا أكثر قرباً للدور الذي تضطلع به الشيخة وصال من خلال برنامج جسور ولعل ذلك خير ما يجعلنا نشيد ونشير لهذا البرنامج المبتكر وخاصة في الأسبوع الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للمرأة والذي عرض فيه المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة كما نشرت الصحف الإنجازات العديدة التي تحققت والمكتسبات التي حصلت عليها المرأة البحرينية في عهد الإصلاح الذي قاده جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. إن هذا الدور المتميز للمرأة البحرينية في هذه المرحلة جدير بأن يسلط عليه الضوء علي المستوي العالمي وليس فقط على المستوى المحلى ليعرف العالم ما هو وضع المرأة في البحرين وإنجازاتها وطموحاتها والتحديات التي تواجهها. ? باحث في الدراسات الاستراتيجية الدولية وحوار الحضارات
بــــرنـــامـــج جسور والدبلوماسية البحرينيــة
15 أبريل 2012