^  تناقلت وكالات الأنباء مخاوف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أن يكون تنظيم القاعدة هو الذي «يقف وراء التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا الأسبوع الماضي في العاصمة السورية دمشق وأسفرا عن سقوط خمسة وخمسين قتيلاً وإصابة العشرات». وقال بان إن تدخل القاعدة في المنطقة «خلق مشكلة خطيرة للغاية». لم يكشف الأمين العام عن المصادر التي استقى منها تلك المعلومات مكتفياً «باعتقاده» بذلك. ليس هناك من شك أن في تصريحات بان كي مون كثير من السعي لتوفير بعض الغطاء وشيء من التبرير للفشل المحتمل الذي تواجهه مهمة مندوب الأمين العام كوفي أنان في سوريا، حتى بعد نشر ما يزيد على 260 مراقباً من قوات الأمم المتحدة في مدن سوريا وأحيائها، وتوافد ممثلي بان كي مون وكوفي أنان عليها، وعدم قدرتها على استقطاب أي من أطراف القوى المتصارعة التي يسود مواقفها شبه إجماع بعدم جدوى بعثة المراقبين الدوليين الذين لم يتجاوز دورهم، كما ترى تلك القوى تكثيف الزيارات وتسجيل ما يدور هناك من أحداث دون أن يكون لذلك أي تأثير حقيقي يساهم في وقفها، دع عنك الحد من تصاعدها. لكن كل ذلك لا يمنع المتابع لتطورات الساحة السورية من محاولة التفتيش عن أسباب وقوى أخرى من مصلحتها دفع شخصية دولية، عرفت بالرزانة عند الإفصاح عن مواقفها العالمية وتوخي الدقة في تعزيز تصريحاتها بالوثائق التي تحتاجها لإثبات صحتها إلى إهمال كل ذلك، والإقدام على خطوة من غير المستبعد إلحاق الضرر بسمعتها المهنية ومصداقيتها التي بنتها عبر سنوات من الخدمة في المحافل الدولية. لابد من الوصول إلى فضح تلك القوى العالمية التي تتطابق مصالحها مع جر بان كي مون وآخرين من شخصيات عالمية ودول إلى مستنقع الصراع السوري وتوريطهم في ربط مسؤولية أحداثه مع «إرهاب تنظيم القاعدة». على المتابع أن يرى تصريح بان كي مون مترابطاً مع تصريحات السلطات السورية ذاتها بشأن خشيتها من أن تكون ضحية «مؤامرة إرهابية يجري تمويلها وتوجيهها من الخارج تهدف إلى زعزعة الاستقرار في البلاد، بعد أن أرسلت في وقت سابق من الشهر الجاري إلى الأمم المتحدة أسماء 26 أجنبياً قالت إنه تم اعتقالهم بعد مجيئهم للقتال في سوريا، ووصفت 20 منهم بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة دخلوا البلاد من تركيا». وبالقدر ذاته، لابد من الاستماع أيضاً إلى إعلان الجيش اليمني قبل أيام عن انتصار حققه على «تنظيم القاعدة» يعقبه تأكيد المتحدث باسم اللجان الشعبية علي أحمد على أنهم حققوا «انتصاراً عظيماً على (تنظيم القاعدة)، وطردوا مقاتليها من الضواحي المحيطة..». ترافق ذلك مع الإعلان عن «غارة جوية نفذتها طائرة بدون طيار أمريكية استهدفت مركبة في مدينة شبام التاريخية في حضرموت شرق اليمن وأردت قتيلين من عناصر تنظيم القاعدة». ولم تتردد واشنطن في ادعاء أنها «أحبطت مؤامرة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن لتزويد مفجر انتحاري بعبوة ناسفة مصنوعة من مواد غير معدنية..». لو تمعنا في كل تلك التصريحات والإجراءات فسنجدها تجرنا دون الحاجة لبذل أي عناء نحو واشنطن، التي تمتلك المصلحة الأكبر في استمرار الصدامات على الساحة السورية من جهة، وتوجيه الأنظار نحو «تنظيم القاعدة» من جهة أخرى، فمن خلا ذلك في وسع الإدارة الأمريكية تحقيق مجموعة من الأهداف الظاهرة والمخفية التي يمكن حصر أهمها في النقاط التالية: 1. إخفاء العجز الإمريكي من أجل كسب الوقت لاتخاذ موقف حاسم، كذلك الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ليبيا. فرغم مضي ما يزيد على 15 شهراً على بدء الأزمة في سوريا، لكن يبدو وكما رشح من مصادر إعلامية نقلاً عن مسؤول أمريكي، فإن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ماتزال في «حالة ترقب وانتظار، إذ إنها في انتظار تخلي روسيا عن دعمها للرئيس السوري بشار الأسد، وفي انتظار عقوبات للإطاحة بالاقتصاد، وفي انتظار تقديم معارضة سورية منظمة لرؤية متماسكة لسوريا ما بعد الأسد». وقد أشار إلى ذلك بوضوح شارل كروتهامر في صحيفة واشنطن بوست، حين قال «إذا كان أوباما يريد حقاً عدم التدخل في سوريا، يتعين عليه إيضاح أنه من الصعب المساعدة في حل الأزمة وأنه لا توجد مصالح وطنية أو أمنية هناك على الرغم من عدم صحة ذلك»، كي يختم بالقول: «المآسي التي وقعت في رواندا ودارفور، وتجري الآن في سوريا، ليست بسبب نقص المعلومات أو انعدام التنسيق بين الجهات الفاعلة، ولكن بسبب غياب الإرادة». 2. إبعاد وسائل الإعلام عن الاتفاق الذي تم قبل أيام بين وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا ونظيره الإسرائيلي إيهود باراك والذي ستمنح واشنطن بموجبها «إسرائيل» 70 مليون دولار إضافية لـمشروع (نظام القبة الحديد) والذي هو عبارة عن صواريخ صغيرة موجهة بالرادار لتدمير صواريخ «كاتيوشا» في الجو، التي يتراوح مداها بين خمسة كيلومترات وحتى 70 كيلومتراً إضافة إلى قذائف المورتر، والذي من شأنه، كما يقول باراك «تحسين القدرات الدفاعية وتوافر الغطاء لمواطني الجنوب، في مواجهة التهديدات الصاروخية». ينبغي ربط ذلك مع قرار لجنة الشؤون الداخلية والأمن في الكنيست الإسرائيلي بتوسيع «مستوطنة (أرئيل) شمال غربي الضفة الغربية على مرحلتين، تشمل المرحلة الأولى منهما إقامة 700 وحدة استيطانية جديدة، على جزء من أراضي قرية كفر لاقف في قلقيلية، في ما تشمل المرحلة الثانية إقامة 1400 وحدة استيطانية، على أراضي باقة الحطب وعزبة أبو حمادة وكفر عبوش، في محافظة طولكرم». 3. تشويه معالم الصراع القائم في سوريا، من خلال تحويله إلى نزاع بين النظام القائم وتنظيم إرهابي، هو «تنظيم القاعدة»، الأمر الذي من شأنه تجريد المعارضة السورية، بمختلف فصائلها من أي تعاطف دولي، بل وحتى محلي، خاصة عندما يؤخذ في الحسبان، نجاح الإعلام الدولي، وعلى وجه الخصوص الأمريكي منه، في تأليب الرأي العالمي ضد ذلك التنظيم. فما هو أهم بالنسبة لواشنطن، تجيير نتائج الصراع لصالح أي مشروع شرق أوسطي جديد تزمع ترويجه خلال الفترة المقبلة. عبث الأصابع الأمريكية واضح في الساحة السورية، وواشنطن لم، ولن تتردد في استخدام المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، وأشخاص يتمتعون بمصداقية عالية مثل أمينها العام بان كي مون، في سبيل تحقيق أهدافها الشرق أوسطية، التي تضمن لها: سلامة الكيان الصهيوني، وضمان تدفق النفط وبأسعار مقبولة لديها، ولجم أي جموح إيراني غير محسوب العواقب