لم يحظَ اجتماع من اجتماعات رؤساء مجلس التعاون لدول الخليج العربية من اهتمام شعبي خليجي وعربي وعالمي مثلما ناله الاجتماع التشاوري لزعماء الدول في الخليج والذي انعقد في 14 مايو 2012 فقد وقف الشعب الخليجي خاصة وبأسره وقف على أخمص قدميه وبقلب وجل منتظراً ما سيتمخض عنه الاجتماع في ما يخص "الاتحاد بين دول المجلس”.إن مثل هذا البند مهد له عبر ثلاثين سنة خلت من عمر المجلس إذ كان الاتحاد هو الصيغة الأُولى المطروحة على رؤساء دول الخليج في أول اجتماع لهم عام 1981 ولكن ضغوط خارجية واختلاف رؤى بين بعض الأعضاء حولت الاتحاد إلى تعاون ومع هذا لم يغب الاتحاد عن أذهان زعمائنا الكرام فجاء البند الرابع وفي فقرته الأُولى ما يجبر خاطر الشعوب فكان نصه:«تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها”.واستمر التنسيق والترابط ثلاثين سنة ولما طرح خادم الحرمين الشريفين فكرة العودة إلى الاتحاد في قمة الرياض العام الماضي وقع ما وقع وأرجو ألا ننتظر ثلاثين عاماً أخرى "فما أشبه الليلة بالبارحة”.ومع ذلك لن نغمط مجلس التعاون منجزاته الممهدة للوحدة فقد حقق منجزات متعددة ففي مجال الاقتصاد وقعت اتفاقيتان إحداهما سنة 1981 والثانية عام 2001 والتي تعرضت لمجموعة عملية من المواضيع يجدر ذكرها:التكامل الإنمائي، والتعاون الفني، والتبادل التجاري، وحرية انتقال الأفراد والأموال ومزاولة الأنشطة الاقتصادية، والتنسيق في مجال الثروة الحقيقية، والاتحاد الجمركي، والإسكان، والمواصلات والاتصالات، والاتحاد النقدي والسوق الخليجية المشتركة، والموارد البشرية.وهذه كلها تصب في مصلحة الشعوب وتمهد الطريق للاتحاد.كما دفعت هذه الاتفاقات إلى قرارات اهتمت بعصب الحياة الخليجية ومن أهمها: التأكيد على الدمج الاقتصادي بين مواطني دول المجلس دون تمييز، وربط البنى الأساسية سعياً لخلق حركة انسيابية بين دول المجلس، وتشجيع القطاع الخاص في المشاركات الاستثمارية في المشاريع المختلفة، وتماثل القوانين والأنظمة، والسماح لمواطني دول المجلس ممارسة المهن التخصصية، وتوحيد السياسات الاقتصادية مع وضع خطة استراتيجية بعيدة المدى 2000-2025.وبجانب ذلك هناك جهود لتوحيد الصف السياسي والعسكري والأمني.ولكننا نرى أن القوة الدافعة للوحدة في الخليج ليست الإرادة السياسية ولا الأداء الاقتصادي بل هي الإرادة الشعبية فالشعب الخليجىي شعب عربي آمن بوحدة أمته العربية ولذا نجده انطلق في تكوين مجموعة من الاتحادات وعلى صعد مختلفة مثل الاتحاد الرياضي واتحاد غرف الخليج واتحاد للمتخصصين في الشريعة... وهكذا.بجانب ذلك نرى أن مؤسسات المجتمع المدني تشكل أداة ضغط قوية تجاه المضي في الاتحاد وذلك من مضامين لقاءاتها وندواتها التي ضيقت كثيراً من الفجوات السلبية ومهدت لطريق وحدوي مقبل.إن إيمان الشعب العربي الخليجي بالوحدة ينبع من منطلقين، المنطلق العقدي إيماناً منه بقوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا” وما توحدت أمتنا العربية في الماضي إلا بعقيدتها وفي تاريخنا المعاصر لم ينجح الملك عبدالعزيز آل سعود إلا عندما اتخذ التوحيد منهجاً، إضافة إلى منطلق المصلحة فالاتحاد سيحقق للشعب الخليجي الأمن بجميع عناصره: على مستوى تحقيق الأمن السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والوظيفي، والغذائي، والصحي.ولن يتحقق هذا الأمن إلا بتوفر عدة عناصر أهمها:1) رقعة جغرافية متسعة متكاملة ليس بينها حواجز حدودية ولا عوائق جمركية تماماً كما كان في عهد السلف الصالح يولد المسلم في أرض ويمارس عمله في أرض أخرى دون أن يسأل من أنت ومن أين أتيت؟.2) تعداد سكاني أكبر يتحرك أفراده على تلك المساحة الجغرافية الواسعة ينشط تجارياً أو اجتماعياً أو سياسياً أينما كان وبدرجة متساوية مع الغير.3) اقتصاد حقيقي متاح لأى مستثمر خليجي يريد تطويره والاستفادة منه.4) اقتصاد مالي مرن الأداء متاح لأي فرد من القطاع الخاص المشاركة في بنائه.5) إتاحة الفرصة للفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للالتقاء في نادٍ فكري موحد لتقديم رؤاهم في تفعيل المجتمع الخليجي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً لبناء مستقبل أفضل سمته الإصلاح المستمر والتطور الدائم. 6) جيش وقوة أمن تحرس الخليج منتشر في كل الثغور ومن مختلف بقاع الخليج، البحريني يكون كتفاً بكتف مع أخيه القطري أو السعودي أو العماني أو الكويتي أو الإماراتي معاً في أي بقعة في الخليج الممتد.7) تكاتف مؤسسات المجتمع المدني لشد بعضها أزر بعض وسد الاحتياجات والثغرات دون النظر أين صدر ترخيصها بل النظر ممعن في أى بقعة خليجية هي أحوج لخدماتها وتستطيع خدمتها بشكل أفضل.8) ممارسة أي خليجي حقوقه السياسية والاجتماعية أينما كان فهو مواطن في أي بقعة يحل من خليجه يتمتع بكامل حقوق المواطنة من سكن ووظيفة وتجارة وتأمين صحي وانتخاب وترشح... وغيرها.إن دول الخليج إذا اجتمعت شكلت قوة بشرية على أرض واسعة تعداد سكانها 35 مليون نسمة وتملك ناتجاً محلياً يقدر 1,4 ترليون دولار وتملك احتياطياً نقدياً يقدر بـ600 مليار دولار، كما تتمتع بثروات حقيقية متنوعة مثل النفط والغاز والمعادن والزراعة وغيرها.وعبر ثلاثين عاماً مضت تركزت خبرات تخصصية في دول الخليج، فالبحرين تخصصت في المصارف والتأمين والمنتجات المالية ودبي في التجارة وقطر في الإعلام وهكذا توزعت التخصصات المطلوبة بحيث أصبحت كل دولة تكمل الأخرى.إنه من الطبيعي عند قيام الوحدة أن نستفيد بشكل أكبر من ثروات ومن قدرات حكوماتنا وشعوبنا خاصة إذا قلصنا دور القطاع العام في ميدان التجارة والاقتصاد وعززنا دور القطاع الخاص خدمة للوطن.إن شعب الخليج سيستفيد من الاتحاد في مجالات عديدة أورد منها على سبيل المثال ما يلي:1) قدرة تفاوضية عند توحيد مشترياتنا للسلع الاستراتيجية خاصة فنفوز بالسعر الأقل.2) انسياب العمالة الخليجية بين مختلف بلدان الاتحاد الخليجي.3) انسياب التسويق والتسوق بين دول الاتحاد.4) صوت متحد مؤثر في المحافل السياسية العالمية.5) قوة عسكرية وأمنية متحدة تشكل ردعاً للطامعين.6) نمو أكبر في الناتج المحلى.7) قدرة أكبر على جذب الاستثمارات الأجنبية نتيجة سهولة التعامل مع الخليج بأسره ونتيجة الاستقرار في المنطقة الذي سيسود بإذن الله، علماً أننا بوضعنا الحالي استقطبنا ترليون دولار سنة 2010 انخفضت نتيجة أوضاعنا غير المستقرة سياسياً وأمنياً ونتيجة الأوضاع المالية في العالم بنسبة 18% تقريباً.إن ما سنجنيه من الاتحاد من الفوائد كبيرة، المهم القرار السياسي الحازم والسريع ومثل هذا القرار لن يسعد شعب الخليج بل سيسعد شعبنا العربي التواق للوحدة العربية الشاملة.ومن الغـريب أن تتحفظ الكويت على بعض النقاط فأجلت قرارها والكويت هي أكثر دولــــة خليجــــية اكتـــوت بغدر الجار وطمع فيها الطامعون وعــرفت معــنى الوحــدة عندما غزيت وتشرد الحاكم والمحكوم وهب شعب الخليــج ليفــتدي الكويت والكويتــيين بالأرواح والأموال فما هو المبرر للتحفظ أتريد الكويت أن تطفئ الحريق بالماء المقطر.إن الكويت والبحرين هما بالذات أحوج من غيرهما للاتحاد فهما الخاصرة الخليجية الرخوة التي شجعت الطامعين فيهما.أما عمان فموقفها لم أفهمه بعد لأنني أعرف عن شعب عمان تمسكه بدينه وبإيمانه بوحدة أمته العربية وبأصالة شعبه العربي الأصيل الذي قلت فيهم قصيدة مطولة ختمتها بما يسمى ببيت القصيد على طريقة كثير من شعراء العرب فقلت:عمان نسل شعبك لا يضاهىرجال من رجال من رجال