^ نسمع كثيراً عن كلمة الرؤية، والتي تتردد في كل المؤتمرات والندوات واللقاءات الداخلية والخارجية، وانتقلت من الكتابات الأدبية والنقدية والفكرية إلى الكتابات السياسية، ومنها جاءت موضوعة الرؤية إلى المستقبل. ونحن نرى، إن لم تكن هناك فروقات بين الناس في حاسة النظر إلى الأشياء المنعكسة في العين، فإن الفروقات في واقعها تكمن في الرؤية؛ النظرة إلى الشيء وطبيعتها مسطحة، خارجية، أفقية، رؤية الشيء؛ طبيعتها عميقة، داخلية، عمودية أو شاقولية. النظر مرتبط بحاسة العين، الرؤية مرتبطة بكل الحواس الخمس ومعها الحاسة السادسة، النظر مادي والرؤية روحية، النظر سريع، خاطف، والرؤية بطيئة متثاقلة، لذلك دائماً ما أربط شخصياً بين رؤية الإنسان الكونية والغرض من مروره على كوكب الأرض لبعض الوقت، أربط بين رؤيته والرسالة التي يحملها بين الخروج من رحم الأم الصغرى، أمه الطبيعية، وبين الدخول في رحم الأم الكبرى، الأرض. نقرأ في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة في الإنترنت، عن الرؤية الكونية.. “يعد مفهوم “رؤية العالم” أحد المفاهيم الأساسية التي شاع استخدامها في البحوث والدراسات الأنثروبولوجية الثقافية في الولايات المتحدة الأمريكية في الخمسينات من هذا القرن، إلا أن المفهوم عاد إلى الظل من جديد خلال عقدي الستينات والسبعينات، وهجره العلماء ليعودوا إليه من جديد يستعينون به في تحليل المواد الأثنوجرافية المتعلقة بوجه خاص بالدين والسحر وعالم الأرواح وتصور الكون لدى الجماعات المختلفة -في منحى استعماري- بهدف السيطرة علي مقدرات وثروات المجتمعات والشعوب التي وقفت في مرحلة متأخرة من التقدم العلمي والصناعي”. من هنا نقول كمهتمين بفضاء الداخل نرى إلى ما حولنا أو إلى داخلنا ولا نقول ننظر، فالنظر إلى الشيء يختلف كل الاختلاف عن رؤيته بكل ما عليه وفيه. وأنا أستعيد بعض القراءات السابقة وقعت أمامي حكاية من الحكايات التي تبقى في خلايا الذاكرة إلى أن تحصل على ما يحفزها للخروج إلى الآخرين لتعبّر عن نفسها، الحكاية تقول.. كان أحد الأشخاص يسير عند البحر، فرأى ولداً صغيراً يلتقط نجمة بحر ويعيدها للبحر، فسأله لماذا تعيد النجمة للبحر والبحر يُلقي بالمزيد دوماً؟ فأجابه الولد الصغير قائلاً: “لأن ذلك سيصنع فارقاً”، فازداد الرجل حيرة وسأله؛ وماذا يمثل لك رمي إحداهن؟ قال الولد “ذلك سيصنع فارقاً لتلك النجمة”، ففهم الرجل درساً مهماً من ذلك الصبي الصغير؛ إنها الأشياء الصغيرة تصنع فارقاً رغم بساطتها، ربما إلقاء النجمة في البحر لا يعني شيئاً للبحر الكبير، لكن يعني الكثير بالنسبة للنجمة الصغيرة. يقول من نقل الحكاية إلى غيره من أبناء آدم؛ كذلك الحياة الزوجية، الأشياء الصغيرة والبسيطة فيها تصنع فارقاً كبيراً كالكلمة الطيبة مثل “جزاك الله خيراً” أو “شكراً لك” أو “يسّر الله أمرك” الكلمات التشجيعية، دعوة صغيرة ربما يستجيبها الله، ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”. والآن؛ أنا العبد الفقير أقول لك أيها القارئ الجميل إنه إذا أردت أن تعرف إنساناً معرفةً جيدة، عليك أن تتعرّف على رؤيته التي يرى بها ذاته والمجتمع والعالم، الكون الأصغر.. الإنسان، والكون الأكبر.. الحياة وما بعد الحياة، رؤية الإنسان هي فلسفته في الحياة، رؤية الإنسان هي دخوله في ذاته، وفي حلم المجتمع البشري لحركة الكون، للماضي والحاضر والمستقبل.
بالرؤية أصنع فارقاً
28 مايو 2012