كتب – جعفر الديري: أشار تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة احتفالها في 15 مايو الماضي باليوم الدولي للأسرة، إلى تراجع نسبة الأسر الممتدة بأنواعها التي تتكون من أفراد في أجيال عمرية مختلفة وتضم الوالدين وأبنائهما المتزوجين أو غير المتزوجين والجدين أو أحدهما، لكنها أوضحت أنه رغم هذا فإن الأسر ما تزال تحافظ على أواصر الصلة مع الأقارب، وعليه فإن القربى ماتزال العامل الرئيس في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.ذلك ما يؤكده تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو أمر يتّخذ خصوصية عند الحديث عن مجتمعات محافظة متدينة كالمجتمع البحريني، الذي تغلب عليه العلاقات الإنسانية، عرف منذ القدم بتعدد الأسر في البيت الواحد، حيث كان الأب سيد العائلة؛ يوجه من فيه من أبناء وأحفاد. غير أن بقاء الحال من المحال، وإذا كان أهل لوّل، قبلوا بهذه الطريقة من الحياة؛ فإن الأجيال التي تلت، رفضت أن تعيش في بيت ممتد، واختارت أن تعيش في بيت معزول، حتى من لا يمتلك المال والإمكانية من جيل اليوم، يحاول ما أمكنه السكن في سكن خاص، يضمه وزوجته وأبنائه. نتساءل هنا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للأسرة؛ عن الفرق بين الأمس واليوم، ونطرح سؤالاً مفاده؛ هل لايزال الجيل الجديد من الشباب محافظاً على أواصر القربى؛ بعد اختياره السكن المنفصل؟ أم أنه اتخذ هذه الطريقة عن أنانية ورغبة في الانعزال عن العائلة ومشاكلها؟! هل لاتزال القربى تشكل بالنسبة له؛ العامل الرئيس في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. الإجابة نجدها في الآراء الآتية... القربى تاج على رؤوسنا تؤكد الطالبة خديجة محمد، متزوجة حديثاً، أن القربى تشكّل بالنسبة لها ولزوجها؛ العامل الرئيس في حياتهما الاجتماعية والاقتصادية. وأنها لا تجد معنى لحياة الإنسان؛ إن لم يضع المحافظة على العلاقات مع الوالدين وأهل الزوجين؛ تاجاً على رأسه يحرص عليه كأشد ما يكون الحرص. وتضيف محمد: أتصور أن الجيل الجديد من الشباب والشابات، لايزالون محافظين على إنسانيتهم، كما لا يزالون يتوخّون العلاقة الطيبة مع أهاليهم. وإذا كانوا قد انفصلوا في سكن خاص، فلذلك أسبابه، لكنهم بشكل عام، يتزاورون، ويسألون عن بعضهم. وأنا شخصياً أعيش مع زوجي في سكن خاص، لكنني أزور أهلي وأهل زوجي بشكل دوري، كما إني أتواصل معهم عن طريق التشات والآي فون والبلاك بيري. جيل لا خير فيه وتجد السيدة مريم عبدالله أن الحياة التي فرضت على الشباب؛ الانتقال إلى سكن خاص، أتاحت لهم من وسائل الاتصال، ما لم تتحه لمن سبقهم، وبالتالي فإن عدم مراعاة الجيل الحالي لأواصر القربى؛ ليس خطئاً وحسب، بل فعلاً منكراً؛ يستحقون عليه الاحتقار. تقول عبدالله: عندما أخبرني ابني أنه ينوي الانتقال إلى السكن مع زوجته في شقة بقريتها، انزعجت كثيراً؛ فهو ولدي، لكنني لم أبد له ذلك، خوفاً على مشاعره، أو التسبب له بمشكلة مع زوجته، معللة نفسي بأنه سيزورني، ويتواصل معي عن طريق الهاتف. وقد قام بذلك في البداية، ثم بدأ لا يهتم بي وبأخواته. حتى وصل به الأمر أنه لا يزورني سوى ساعة في الشهر، ولا يتصل سوى للسؤال السريع، وكأنه يؤدي عملاً يكرهه. وتتساءل عبدالله: إذا كان الاتصال عن طريق الآيفون والبلاك بيري يشكل مجهوداً لولدي، فأي محبة يحفظها لي في قلبه؟! وماذا يمكن أن أتوقع منه من خير في يوم الأسرة؛ وأنا أمه التي ربته وتعبت حتى رأته رجلاً؟! إنه يبخل حتى بالسؤال!. وعندما أعاتبه، يتعلل بلقمة العيش. تصور أنني قابلته في إحدى المجمعات التجارية بصحبة زوجته، فعانقته وبكيت بشكل أثار استغراب الناس، وهم لا يعرفون حكم ما أكابده من ولدي؟!.مجتمع متخلّف من جانبه لا يعتقد الشاب يعقوب جمعة؛ أعزب؛ بجدوى الحديث مع الشباب بشأن الانتقال إلى بيت مستقلّ، وحفاظهم على أواصر القربى، معللاً ذلك بقسوة الظروف، مطالباً الآباء بوعي أكبر لطبيعة حياة أبنائهم، وهم الذين يعيشون حياة مختلفة عما عاشها آباؤهم، في محيط ثقافي مختلف، تغلب عليه الأنانية والآثرة، ويأكل القوي فيه الضعيف. ويضيف جمعة: إن لوم الشباب لخروجهم في بيت مستقل مع زوجاتهم، لا إنصاف فيه؛ كما إن لومهم لأنهم لا يتواصلون مع آبائهم وأمهاتهم، لا إنصاف فيه أيضاً. يجب على الآباء أن يتقبلوا فكرة استقلال أبنائهم. لقد قاموا بواجبهم وجزاهم الله خيراً، والمفترض أنهم قاموا بكل ذلك لوجه الله تعالى، وليس طلباً للجزاء، لذلك لا أجد مبرراً للعتب عليهم. ويتابع: عندما أقارن بين وضعنا نحن الشباب ووضع أترابنا في الدول الغربية، أتفاجأ بالفرق، هناك لا يعتبرون توثيق هذه العلاقات أمراً مقدساً، بل إن الشاب يترك البيت ليعيش حياته كما يشاء، دون وصاية أب أو أم، بل إن الأب لا يسأل عن ابنه، وكذلك الابن لا يسأل عن أبيه. لكننا هنا نلزم أنفسنا بأمور تقلقنا دون طائل. المعوّل على التربية من ناحيته يرجع المتقاعد عبدالله محسن، أمر الحفاظ على أواصر القربى؛ إلى طبيعة التربية التي يتلقاها أبناء هذا الجيل، موضحاً أن الشاب متى وجد أبويه محافظين على أواصر القربى، فمن الطبيعي أن يكون على شاكلتهما؛ يضع مثل هذه الأمور محل اهتمامه، أما إذا كان أبواه، براجماتيان، تستهلك أمور الحياة والمصلحة الشخصية حياتهما، فلا شك أنه لن يخرج على طريقتهما. ويرى محسن أن ذلك هو علة تميز جيله عن جيل اليوم، مشيراً إلى أن الحياة التي عاشها مع أبناء جيله، أدارها آباء كانوا يحتفظون في نفوسهم بعوامل مهمة لفعل الخير، يؤمنون أشد الإيمان بأن أواصر القربى، إحدى مظاهر السعادة في الحياة، لذلك وجدناهم، لا يلهيهم شيء عن التواصل والتزاور، والسؤال، مؤكداً أن تعلل الشباب بصعوبة الحياة؛ أمر لا يقبله عقل، فإن جيلهم ومن سبقهم كانوا يعيشون في ظروف أشد ومع ذلك، ومع ذلك لم تثنهم عن توطيد العلاقات. هذا مع الأهل والجيران، أما مع آبائهم فقد كانوا بارين بهم، تدفعهم القرابة القريبة منهم؛ إلى العناية بهم وتفقدهم في كل ساعة. ولا يعتقد محسن أن من شأن السكن المنعزل أن يشكل عائقاً أمام الشاب للسؤال عن ذويه، مبيناً أن من يرغب في ذلك، يجد ألف طريقة وطريقة، مشيراً ألى أن هناك من الشباب من يحرص على الزيارة، رغم أنه يسلك طريقاً طويلاً حتى يصل إلى أهله، بينما هناك من الشباب من تجده في البيت نفسه، لكنه لا يعلم من أمر والديه وإخوانه وأخواته شيئاً. العزلة مرض جديد وتدلي الشابة رباب عبدالنبي من جانبها؛ بوجهة نظر مختلفة، حين تشير إلى تأثر الإنسان بما حواليه في تكوين قناعاته، مبينة أن الناس جميعهم وليس الشباب فقط، يرغبون بالانعزال، وبالتالي، لم تعد القربى تشكل شيئاً مهماً بالنسبة لهم. وتضيف عبدالنبي: عندما أذهب لأي مكان، للتبضع مثلاً، أجد كثيرات تعرفت عليهن من قبل، لكنهن لا يبادرن بالسلام والتحية؛ لماذا؟ لأنهن ببساطة لا يرغبن في تبادل الحديث معي، لأن لديهن من الصديقات ما يكفيهن، فلماذا يوجعن رؤوسهن بصديقات جديدات، يشغلن جزءاً من تفكيرهن. إنهن يفضلن العزلة على الاختلاط؛ فهي أريح للدماغ. وتواصل: إن الرغبة في العزلة؛ انسحبت على القربى، فالناس اليوم لا يتواصلون إلا مع ذوي القرابة القريبة كالأب والأم والإخوة والأخوات. العتب على الكمبيوتر من جهتها تحمّل ربة البيت معصومة عباس؛ الكمبيوتر وأبناءه من آي فون وبلاك بيري؛ نتيجة ما يفعله الناس والشباب خاصة، من تقطيع لأواصر القربى. تقول عباس: إذا كان أزواجنا وهم ليسوا من هذا الجيل؛ لا يقومون عن الكرسي، فهم يقضون جل أوقاتهم أمام شاشة الكمبيوتر، فما حال أبنائنا وهم يواجهون إغراءات الآيفون والبلاك بيري، وما حال أبنائهم وهم سيستقبلون أجهزة جديدة؟! «يطلعنا الله» من مستقبل مخيف، لا نعلم ماذا سيفعل بأبنائنا.وتضيف: لقد تمكّن جهاز الكمبيوتر؛ من سرقة الناس من بعضهم، فنحن غالباً ما ننشغل به، عن أنفسنا حتى، فكيف عن أقربائنا. كثيراً ما تأمل الزوجة الخروج مع زوجها، لكنه يفضل الكمبيوتر عليها، حتى زياراته لأهله يقلصها من أجل عيون الكمبيوتر.