أدارت أستاذة علم النفس التربوي المشارك نائب رئيس اللجنة الوطنية للطفولة ورئيس المكتب التنفيذي الدكتورة جيهان العمران ورشة استراتيجيات التعامل مع الغضب والعنف في مواجهة الأزمة الراهنة للخروج من سجن الكراهية إلى فضاء المحبة والسلام الداخلي، ضمن البرنامج الإرشادي «التكيف مع الأزمات» الذي تقوم بتنظيمه اللجنة الوطنية للطفولة تحت رعاية وزيرة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية الدكتورة فاطمة البلوشي، ضمن حملة تعزيز الوحدة الوطنية الاجتماعية «وحِدة وحدة» حيث أشارت إلى أن رياح التغيير السياسي التي عصفت بأجواء المجتمع العربي تعزى إلى الشعور بالغضب العارم الذي لم يتم التعامل معه بشكل سليم، مما أدى إلى انفجار بركاني تحول إلى عمليات عنف وقتل واعتداء، مؤكدة إن هذا الشعور بالغضب لم يحدث فجأة ولم ينطلق من فراغ، بل نما هذا الشعور الداخلي داخل نفس الإنسان العربي بالتدريج وتغذى بسوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية، وإدراك بالتهميش والظلم والغبن، سواء كان هذا الإدراك حقيقة أم وهماً، أي أن أنه ليس من الضرورة أن يكون الواقع مطابقاً لما يدركه الفرد في عالمه الداخلي، لأن ما يدركه الفرد هو الذي يؤثر في سلوكه. وعندما وجد له متنفساً خرج كالمارد من القمقم بشكل تصعب العودة فيه، والشعور بالغضب هو شعور طبيعي إن تعامل معه الفرد بشكل صحيح، ووجد له متنفساً صحياً، ولكن في حال كبته، فإنه يصبح العدو الأول للفرد، فيهدم نفسه قبل أن يهدم الآخرين، لأن الغضب يخرج عن سيطرته، ويعمل على تخريب كل شيء حوله، العلاقات الأسرية، المستقبل المهني ، الصحة، السلامة العقلية، الإحساس الداخلي بالرضا والسعادة. وتوضح د. العمران إن الغضب هو انفعال طبيعي عام يشعر به كل إنسان على وجه الأرض، هو شعور غريزي مؤلم يسبب عدم الشعور بالراحة، يمر به الجميع في جميع الفئات العمرية. ولكن إدارة شعور الغضب وأسلوب التعامل معه هو سلوك مكتسب من البيئة، من أساليب التنشئة الأسرية والاجتماعية. وينجم الشعور بالغضب عن ألم جسمي أو نفسي أو سوء معاملة، مما يؤدي إلى شعور الفرد بالرغبة في رد فعل انتقامي لمصدر الغضب أو إزاء الموقف المثير لشعور الغضب، مبينة إن للغضب أثاراً مدمرة على صحة الفرد الجسمية والصحية وعلاقاته الاجتماعية ونجاحه الأكاديمي والمهني وسعادته في الحياة ومن الثابت علمياً إن الغضب يؤدي إلى العديد من الأمراض لأنه يطلق هرمون الضغط المسمى بالكورتيزول بشكل مبالغ فيه، فيؤثر على توازن نسبة السكر في الدم، ويضعف مناعة الجسم، ويجعل الجسم أكثر عرضة للالتهابات المزمنة، ويضعف وظائف الغدة الدرقية، ويضعف ميتابولزم الجسم، ويزيد من ضغط الدم، والقدرة على التفكير والتركيز، مشيرة إلى أن الغضب يزيد سرعة ضربات القلب إلى 180 ضربة بالدقيقة. وضغط الدم إلى 130/ 220 ، كما إنه يجعل الأعصاب مشدودة، ويسبب الصداع، والقرحة المعدية، ويمكن أن يؤدي إلى الجلطة الدماغية والسكتة القلبية، والقضاء على بعض الأعصاب الدماغية. وتوضح د.العمران أن الغضب شعور فطري طبيعي يمر به كل إنسان صغيرا ًكان أو كبيراً. قد يسعى الفرد من خلاله التعبير عن قضية اجتماعية أو أخلاقية أو سياسية، وتزوده بقدر من الطاقة والتوتر يكون ضرورياً لاستثارة الحماس، والوصول إلى أهداف سامية اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية باستخدام أساليب حضارية كالحوار وأساليب حل المشكلات والتواصل والإقناع. ولكنه يصبح مشكلة عندما يؤدي شعور الغضب إلى سلوك العنف على الذات أو الآخرين أو الأشياء سواء كان يعقد النية أو السلوك الفعلي أو التهديد. ويشمل العنف البدني مثل القتل والضرب والاعتداء الجسمي، والعنف اللفظي مثل السب والشتم، والعدوان المادي مثل حرق الأشياء أو تخريب الممتلكات الخاصة أو العامة، والعنف الاجتماعي مثل الوشاية أو خلق الإشاعات المغرضة، أو النبذ الاجتماعي، وعندما يكون أحد الطرفين المتخاصمين أو الغاضبين يفكر بضمير «أنا « أو « هو» لا الضمير الجمعي « نحن» دون النظر إلى المساحة المشتركة بين الطرفين وهي حب الوطن، أي أن أحد الأطراف أو كليهما يكون غير قادر على حل المشكلات أو التسوية بل يريد أن يكون الطرف الرابح من الخلاف عن طريق اللجوء إلى الجدل العقيم، وصراع القوى واستخدام السيطرة على الآخر. مؤكدة أن الشعور بالتحيز والكراهية إزاء الآخر المختلف لاختلافات في الدين أو المذهب أو الجنس أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي يؤدي إلى إعطاء تبريرات للعنف والغضب إزاء الآخر المختلف لجعله يبدو سيئاً وكريهاً وإقناع الذات بأنه يستحق العقاب والانتقام من أجل التخلص من الشعور بالذنب عند إلحاق الأذى به، وخاصة إن كان التبرير يرتبط بعقيدة دينية يجعل كسر الحاجز النفسي أكثر سهولة والتبرير أكثر إقناعاً من أجل اللجوء للعنف. وعندما يكون التحيز ضد جماعة معينة تصبح الجماعة هي الذات الكبيرة للفرد، يأخذ العنف شكلاً جماعياً، ويعمم الفرد شعوره بالكراهية على جميع أفراد الفئة الأخرى. وتبين د. جيهان العمران أن الأطفال يميلون إلى إعادة السلوك الذي نشؤوا عليه في أسرتهم. فتشجيع سلوك العنف، وتلبية رغبات الطفل بعد نوبات الغضب يعزز سلوك الغضب والعنف للوصول إلى الأهداف، أو عندما يرى الطفل والديه يحققون مطالبهم عن طريق الانفعال والغضب من خلال تفاعلاتهم داخل الأسرة أو خارجها. فالطفل يتعلم الدرس الأول في العنف بالبيت، ثم يلجأ إلى تقليد نفس السلوك خارج البيت في حل مشكلاته مع الآخرين، مما لا شك فيه أن المحيط الاجتماعي أيضاً يلعب دوراً في تعليم الطفل أن الغضب ومن ثم العنف يحققان مآربه، وخاصة وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة. فمضامين التلفزيون التي تحتوي على عنف، ومنها أفلام الكارتون، تعلم الأطفال أن العنف هو الأسلوب الأمثل لحل المشكلات، وخاصة عندما ينجح النموذج في الوصول إلى هدف عن طريق إظهار شعور الغضب واللجوء إلى سلوك العنف. وفي ختام الورشة تطرقت د. جيهان العمران إلى الأزمة الراهنة التي تعيشها البحرين وترى ضرورة تضافر جهود جميع المواطنين كل حسب موقعه، مشيرة إلى أن الحل السياسي هو سيد الموقف، والمواطن الصالح هو ذاك الذي يخدم وطنه بإخلاص، ويعمل على تطهير نفسه بالمسامحة والصفح، مؤكدة أن محاولة المصالحة الوطنية عن طريق التكيف مع الأزمة هي تجربة فريدة ورائدة للبحرين نأمل أن نستفيد منها، وهناك أصوات متعالية من الطرفين تندد بالطرف الآخر المختلف، وتلقي باللائمة عليه، وتؤجج مشاعر الغضب ضده، والدعوة للانتقام منه، وهناك أصوات معتدلة تدعو إلى المصالحة الوطنية ولمِّ شمل الأسرة الواحدة. فلندعُ إلى المصالحة الوطنية والسلم الأهلي حتى لا نعيش مع الكراهية والألم فيكون مصيرنا الهلاك كما قال أحد الحكماء «إن الكراهية مثل شرب الشخص لسم يقتل به نفسه ظناً منه أنه بذلك السم يقتل الشخص الآخر مصدر الكراهية».