تعد أكثر فقرات السيرك واقعية و إثارة و خطورة و أقلها إعتماداً علي الحيل البصرية و السمعية فهي تعتمد في الأساس علي الموهبة الفطرية للاعب فضلاً عن أمكانيات جسدية و ذهنية تفوق قدرات البشر العاديين من حيث المرونة و التوافق العضلى العقلي … و موهبة إتخاذ القرار الصائب في سرعة البرق .. فالتلكوء أو الخطأ يسطران نهاية أكيدة لحياة إنسان .. و عادةً يجب أن يكون لاعبي الإكروبات من الأبناء الذين نشأوا و تربوا داخل أروقة السيرك يعرفون خباياه الفريدة و أسراره الكامنة .. فضلاً عن خضوعهم لتدريبات و إختبارت تبرز مواهبهم الإكروباتية و تصقلها من خلال متتابعة رياضية تُكسب هؤلاء اللاعبين أجساداً فولاذية في غاية المرونة تؤهلهم لتنفيذ أخطر الفقرات و أشدها تعقيداً .. و ما أن تجتاز هذه الأجساد المطاطية إختبارات الإرتقاء و الثبات حتي يتم الدفع بهم في عروض أرضية تمكنهم من تجاوز صدمة مواجهة مزاجية الجمهور و تجاوز مراحل الزهو و الإرتجال طبقاً لصعود و هبوط تفاعل الجماهير مع حركاتهم البهلوانية .. مما يكسبهم ما يسمي بالبلادة التفاعلية مع إرهاصات الجماهير السلبية و الإيجابية .. الأمر الذى يقلل من تعرضهم لأى رد فعل نفسي خلال العرض يجبرهم علي اللجوء إلي الإرتجال لضبط الإيقاع الإنفعالي للجمهور مما يعرض حياة الجميع للموت المحقق .. وما أن تتأكد إدارة السيرك من جاهزية هؤلاء اللاعبين نفسياً و عضلياً حتي يتم الدفع بهم في تدريبات هوائية متدرجة الإرتفاع و مؤمنه إلي أقصي درجة ممكنة .. مما يُكسبهم مهارة تقدير الإرتفاعات و ما يتطلبه من مهارات القفز و الإرتقاء و سرعة الإلتقاط و الإلقاء .. فضلاً عن إرتفاع معدلات التأمين أثناء التدريبات فقط لإكساب هؤلاء اللاعبين ثقة لا متناهية .. و ما أن يصبح لدى هؤلاء اللاعبين التوافق العضلي العقلي المطلوب حتي يتم الدفع بهم للتلاعب بعصى و حبال منصة التلقي و الإرتقاء و من ثم التلاعب بمشاعر الجماهير المترقبة لهذا النوع من المخاطر .. و في جو مشحون بالإثارة و الموسيقي الصاخبة و الأضواء المتداخلة يظهر هؤلاء اللاعبين أمام الجمهور في تتابع زمني دقيق يسمح لكل منهم بإستعراض جسده المطاطي و ملابسه المزركشة ..ثم تنقطع الأصوات و تُكتم الأنفاس و تخفت الأضواء و تترقب العيون هؤلاء اللاعبين و هم يتسلقون حبال و سلالم المنصة الهوائية و يبدأون في الإرتقاء و الطيران و الإلتقاط في تناسق زمني متطابق و سيناريو لا يقبل الإجتهاد .. و بينما يستعرض الإكرباتيون مهاراتهم في نشوة بالغة .. يتبادل المشاهدون إرهاصاتهم النفسية بين متمتع بالأجساد الطائرة و بين مجتر لذكريات مؤلمة أو مضحكة تدور في فلك الإرتقاء و الطيران .. و بين نوعية لا يعنيها سوى جمال مرونة هذه الأجساد .. بينما يقبع الحالمون في مقاعدهم كاتمي الأنفاس متتبعين لكل حركة محاولين تأويلها و تفسيرها أملاً في محاكاتها .. ولما لا .. فالحالمون فقط يظنون أنهم يملكون نفس إمكانيات هذه الأجساد المحلقة في الهواء .. و علي الرغم من ذلك فهم وحدهم يؤمنون بإعجاز هؤلاء اللاعبين و قدراتهم الخارقة .. بل و مستعدون للنيل ممن يتعمد أو يحاول التشكيك فيهم أو الإنتقاص منهم .. فهم يعشقون كل غامض و مخيف و خارق يهربون به من مرارة واقعهم الأليم ..ويظل الحالمون….خارج السيطرة ..لا يتم توجيهم بطرق مباشرة .. بل يتم استغلال شغفهم و انبهارهم ….كوقود للتحرك و البدايةانها الاحترافية ….انهم هناك خلف الكواليس…كخلايا النملحركة ونظام دائميين.