^ تحدثنا بالأمس عن فقدان العاصمة المنامة للكثير من هويتها العربية من خلال تحويلها إلى كانتونات آسيوية وأجنبية، تكونت عبر هجرات متتابعة من أهلها، وفي عدم حزم الدولة في تنظيم المنامة والحفاظ على عروبتها من خلال تشريعات واضحة لمن أراد البقاء والعيش بالعاصمة. ربما يكون للاستثمار والتنمية بعد الطفرة النفطية دور بارز في هذا الشأن، لكن من المهم كذلك أن يكون التحرك العام للدولة تجاه عاصمتها هو الحفاظ على هويتنا العربية، وأن يكون هذا الأمر جزءًا مهماً من خططها التطويرية عبر الاستثمار في الإنسان والتاريخ. الأمر الآخر الذي أحببنا مناقشته هنا حين زرت الدائرة الأولى في مهمة صحافية هو الإهمال الذي تتعرض له العاصمة المنامة، وخسران أهلها لأبسط الخدمات فيها، ذلك لأن المنامة لا يمكن لها أن تتمدد كباقي مناطق البحرين، فهي منطقة مغلقة، وهذا ما يفقد أهلها مشاريع هامة وحيوية كالإسكان والتعليم والصحة، وقضايا أخرى تتعلق بترتيب أمور المعيشة الكريمة. تعريف العاصمة، والدائرة الأولى منها تحديدا، هي منطقة تقع في قلب البحرين ليست بها أية مشاريع إسكانية، مدينة هجرها أهلها لعيون الآسيويين، لا مواقف للسيارات ولا هم يحزنون، يملؤها الضجيج والزحام، هي العاصمة الغربة بأهلها والمنسلخة من عروبتها. نحن لا نقول إن الدولة لا تعمل لصالح المنامة أي شيء، فربما هذا تجنٍّ غير محمود، لكن ما هو مطلوب اليوم أن تزداد جرعات الاهتمام بالمنامة. أولاً لكونها عاصمة البحرين، وثانياً لأنها محط أنظار العالم وكل السائحين، فكل من يأتي البحرين ضيفاً، فإنه يأتي إلى المنامة قبل حتى أن يذهب لأي معلم سياحي أو مهني آخر، وربما الصورة التي تتشكل عن العاصمة عند كل السائحين هي الصورة النهائية التي تتشكل عن البحرين. نؤكد أن الدولة كثيراً ما تهتم بالشريط الدائري للمنامة، وهذا ملاحظ من خلال الشوارع العامة والجسور والأنفاق، وكذلك المباني الشاهقة والمناطق الاستثمارية، كشارع المعارض والمنطقة الدبلوماسية ومجمع الفنادق في منطقة الجفير وغيرها، لكن حين ينحرف بك الطريق لتدخل قليلاً في عمق الأحياء السكنية فإنك تجزم أنك خرجتَ من المنامة إلى مكان آخر غير معروف، ذلك لأن يد العمران لم تمتد إلى عمقها، وهذا خطأ استراتيجي في هندسة العاصمة. لا يمكن أن (تضَبَّط) منطقة من مناطق العاصمة في حين يمتد الإهمال إلى عمقها. ففي العمق يعيش المواطن البحريني الأصيل، وهو أولى من غيره في تقديم أفضل الخدمات إليه، وهذا الشعور قرأته جيداً حين التقيت أهل المنامة بالدائرة الأولى، فهم لم يحصلوا من التطوير سوى على الفتات منه. هم تحصلَّوا على الضجيج والمنازل الضيقة معجونة بالشوارع المزدحمة، ويا ليتهم لو يحصلون على مواقف لسياراتهم أسوة بكل مناطق البحرين. العاصمة العربية المنامة هي مَن أنجبت كبار الشخصيات والمثقفين والعلماء والساسة وربما غالبية المسؤولين، كما إنها ضمت بين ذراعيها عوائل بحرينية أعرق من العراقة، ومن المنامة تعلمنا معاني الحب والتعايش والتسامح والذوبان في الآخر المختلف، حتى أصبحت المنامة مرادفاً للبحرين بأكملها. فهل بعد كل ذلك تستحق هذا الإهمال؟ أم أنها تحتاج أن تُعطى وأهلها حقوقهم أسوة ببقية مناطق الوطن؟... أهل الدائرة الأولى بالعاصمة ينتظرون منكم الإجابة.
من المسؤول عن إهمال المنامة ؟«2»
28 مايو 2012