^ من المتوقع بل والمنطقي أيضاً أن يثير تسرب أخبار احتمال الإعلان عن قيام شكل من أشكال الاتحاد بين دولتين، البحرين والسعودية، وربما أكثر من دول مجلس التعاون، الكثير من الجدل، وعلى أكثر من صعيد، يعبّر في جوهرها عن مصالح القوى التي تقف وراء تناول ذلك الاحتمال، ويجسد رؤاها السياسية. وقد تراوحت المواقف المتجادلة، بين تلك التي أيدت الخطوة بالمطلق، بعد أن تلمست فيها الكثير من الإيجابيات، وبين تلك التي حاربتها بشدة، بعد أن وجدت فيها ما يهدد مصالحها الإقليمية بشكل مباشر. وبين هذين الطرفين، هناك من حاول تقويم الدعوة للاتحاد بشكل موضوعي، بعيداً عن الانفعال العاطفي، أو الأنانية الذاتية، واضعاً مصلحة الأطراف ذات العلاقة في مقدمة عناصر عملية التقويم التي أجراها. لذا، ودون أن يكون هناك أية مساومة على حساب التفريط بأي من المكاسب التي حققتها نضالات جماهير الدول التي ستنخرط في ذلك المشروع، لا بد لمن يريد الخير لهذه الخطوة الرائدة على صعيد المنطقة، أن يتلمس، وبشكل علمي تلك المعطيات التي تؤكد بأنه آن الأوان للتفكير الجدي، في شكل من أشكال التكتل السياسي/ الاقتصادي الخليجي، الذي لا بد له كي ينجح ويثبت حضوره الإقليمي والدولي، أن يكون أكثر رقياً مما هو عليه الحال اليوم، مدفوعة بالشواهد التالية: 1. الاتجاه الدولي العام النازع نحو بناء التكتلات الكبيرة، على حساب الكيانات القطرية المعزولة، سواء في أوروبا، ويمثلها الاتحاد الأوروبي، أو في آسيا، وعبر عن مصالحها المشتركة تكتل دول جنوب شرق آسيا “آسيان” الذي تأسس في العام 1967، أو في أمريكا اللاتينية، ويعبر عنها “أوناسور”، الذي تشكّل في العام 2008. مثل هذا الاتجاه تفرضه التطورات العالمية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وليست الأزمات التي تعصف بالعالم، وأكثرها وضوحاً تلك الاقتصادية، سوى التعبير الحي عن تلك التحولات، الباحثة عن التكتلات كي تكون بديلاً تاريخياً لما كانت تمثله الحالات القطرية التي لم تعد ملائمة لروح التحولات التي يشهدها الكون. 2. الواقع الإقليمي الخليجي، بوصف كون الخليج منطقة أصبحت، بفضل الثروة النفطية وما ولدته من فوائض مالية أيضاً، في قلب السوق الاقتصادية العالمية من جانب، ثم جاءت التطورات السياسية التي عرفتها العراق، وفي مرحلة لاحقة اليمن، كي تضيف بعداً جديداً، يضاعف من تلك الأهمية، ويجعل منها على الصعيدين الاقتصادي، والسياسي، محط أنظار، وبالتالي اهتمامات القوى العظمى، والتكتلات السياسية والاقتصادية المنبثقة عنها أو المرتبطة بها من جانب آخر. كل ذلك يقلص من أهمية، ومن ثم دور الكيانات الصغيرة، ويدفع في اتجاه تشكيل التكتلات الإقليمية، إن أرادت دولها أن يكون صوتها مسموعاً في المحافل الدولية، سواء في القضايا الخارجية العالمية، أو حتى تلك الداخلية المحلية، التي تمس الأوضاع فيها مباشرة. 3. تعثر بعض الحلول القطرية التي وضعت لمعالجة المشكلات التي واجهتها بعض دول مجلس التعاون، وبروز الحاجة إلى أشكال أكثر من التي تجيزها اتفاقات التعاون التي تحكم العلاقات بين تلك الدول، وتنظم سير عمل قنوات التعاون القائمة فيما بينها. الأمر لا يقتصر، كما قد يتوهم البعض على الجوانب الأمنية فحسب، فهناك ما هو أكثر أهمية منها، وأشد تقييداً لحركة دوله منفردة. نورد على سبيل المثال لا الحصر الموقف من توقيع اتفاقيات التجارة الحرة مع دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية، وحركة الجدل التي أثارتها مبادرة البحرين للتوقيع عليها في مراحل مبكرة، سبقت الدول الأخرى. هناك أيضاً مسألة ربط العملات الخليجية مع الدولار أو بسلة من العملات، التي ما تزال تثير الكثير من الجدل الذي لم يتوقف، ووصل الأمر إلى درجة الخلافات الحادة بين دوله. تأسيساً على ذلك، ولكي تكون خطوات أي عمل خليجي مشترك راسخة، وقادرة على تثبيت أقدامها لمواجهة أية تحديات داخلية أو خارجية، ينبغي على من سيقف وراء أي مشروع اتحادي تلمس الثوابت والمتغيرات التي يمكن أن تواكب تشكيله، وفي مرحلة لاحقة مسيرته، والتي يمكن إيجاز أهمها في النقاط التالية: 1. على مستوى الثوابت، ينبغي، أولاً، تحاشي العودة للتاريخ، والغوص فيه، من أجل الاستنجاد به لتأكيد الروابط الاجتماعية القائمة بين أبناء دول الخليج، أو الاستعانة بالنفط كسلعة أساسية للتدليل على التقارب الاقتصادي بين دوله، أو التلويح بالأخطار، كي نرى في الاتحاد القوة المطلوبة لدرئها. عوضاً عن ذلك كله، ينبغي رؤية الثوابت القائمة، التي تستعين بكل تلك العناصر التاريخية والاقتصادية والاجتماعية، وأخرى أكثر أهمية منها، وتصهرها في بوتقة واحدة تعكس مبررات قيام الاتحاد، دون أن تتحاشى التوقف عند الصعاب التي ستواجهه، وبعض السلبيات الموضوعية التي ستفرزها عمليات تأسيسه. 2. ثانية تلك الثوابت هي ضرورة اقتناع أطراف الاتحاد بأن محصلة الاتحاد النهائية ستخدم مصلحة الأطراف المعنية كجسم متكامل واحد، الأمر الذي يعني أنه لن تتحقق استفادة أي منهما بشكل مطلق ومستمر، والمنطق ذاته ينطبق على الخسارة التي لن تكون مطلقة من جهة واحدة فقط. فلو انطلقنا من أن الاتحاد سيكون في مراحله الأولى ثنائياً، فمن الخطأ أن يقع أي من الدولتين في وهم تجييره لمصالحه الذاتية فقط. وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون بعض السلبيات، وفي مراحل معينة، من نصيب البلد الأول، وفي مراحل أخرى، البلد الثاني، والعكس صحيح أيضاً. والأمر ذاته ينطبق على الإيجابيات. من الضرورة بمكان رؤية المحصلة النهائية الإقليمية، دون أن يكون ذلك، أيضاً، الفردية القطرية. 3. أما الثالثة على مستوى الثوابت أيضاً، فهي ضرورة التخلص من أية أوهام تبشر بأن قيام الاتحاد سيكون بمثابة العصا السحرية التي تنتشل الضالعين فيه من مشكلاتهم القطرية الذاتية، وتضع الحلول الشافية لها في لمح البصر. فلا بد للاتحاد في حال قيامه، أن يستغرق بعض الوقت لدراسة تلك المشكلات قبل أن يتوصل إلى الحلول المناسبة لها، كي يبدأ في تنفيذها. ما هو أكثر من ذلك، وأكثر أهمية وجدوى، وفي باب الثوابت أيضاً، أن التشكيلة الجديدة، من الطبيعي أن تولد مشكلاتها التي ستتخلق جراء الصيغة الجديدة، تماماً كما يجلب المولود الجديد مشكلاته الذاتية لحظة خروجه من رحم أمه. 4. وتأتي رابعة الثوابت، أن الاتحاد لحظة الإعلان عنه، سيثير حفيظة كل من يهدد مصالحهم، ومن ثم ، فمن الضرورة بمكان تجهيز نفسه، كي يكون قادراً على مواجهة كل السهام التي ستوجه نحو نحره، وامتلاك القدرة على التصدي لها وردها. ولن يقتصر الأمر عند التهديدات العسكرية، بل سيصل إلى ما هو أكثر خطورة منها، إذ ستمس تلك التهديدات المصالح الاقتصادية، وعلى نحو مواز المنافذ الاستراتيجية، وخطوط التواصل اللوجستية
الثوابت والمتغيرات أمام مسيرة الاتحاد الخليجي (1)
28 مايو 2012