من الغريب أن ظاهرة شيطنة الإعلام وتجريمه الدائم لم تتوقف. كلما انتقدنا شيئاً اجتماعياً وضعوا العبء على الإعلام، فهو المسؤول عن انتشار المخدرات، والقتل، والجرائم بأنواعها، بل والانتحار. يضعون عليه كل مصيبة، وفي محاضرةٍ لأحد الأكاديميين قبل فترة ذكر فيها أن الإعلام هو المسؤول عن انتشار العنف والإرهاب! وهذا المنطق يمكننا أن نناقشه بسهولة. الإعلام ليس هو السبب في الظاهرة لأن السبب دائماً يكون متقدماً عليها، بينما الكثير من الظواهر هي أقدم من الإعلام، بل ولا يتطرق إليها الإعلام إلا حين تكون موجودةً في المجتمع، حينها يتناولها بصفتها أحد الأحداث التي تجري في العصر الراهن. معظم الجرائم أقدم من الإعلام، ولو فرضنا أن كل من شاهد فيلماً سينمائياً فيه بعض العنف قتل جاره، لحكمنا على معظم البشرية بالإجرام.الإعلام ليس مسؤولاً عن المصائب، الإعلام يعكس المجتمع الذي يغطيه، والإعلام أيضاً يعرض للمجتمع ما يطلبه. مثلاً في العالم العربي هناك إقبال على الأفلام بأنواعها والفيديو كليب، وعلى الأخبار، وعلى برامج «التوك شو» وعلى المسلسلات بأصنافها، ولولا أن هناك مشاهدين لهذه المنتجات لاضطرت القنوات لأن تبدلها تبعاً لخيار الناس. كانت المسلسلات المكسيكية في فترةً مضت محبوبة، وحين ملها الناس أعرض عنها الإعلام. وكانت المسلسلات التاريخية كذلك مرغوبة، لكن تضاءلت لصالح المسلسلات الكوميدية، ثم التركية... وهكذا. فالإعلام يلبي رغبة الجمهور. الإعلام ليس فضاءً أو كوكباً منفصلاً عن المجتمع بل يعيش معه يمرض بأمراضه ويتعافى لعافيته. علينا أن نعترف أن الأمراض التي تصيب المجتمع جزء منا، ومن تربيتنا، ومن أخطائنا. من السهل أن نضع كل الأخطاء والأخلاقيات البذيئة والسيئة على الصهيونية، أو على «بروتوكولات حكماء صهيون»، لكننا ننسى بروتوكلاتنا نحن، كيف أصبحنا غير قادرين على أن نكون قدوات! نحاضر عن الأخلاق ثم نكون أول من ينتهكها. يدخن الأب أمام ابنه ثم حين يرى ابنه يدخن يصرخ بوجه الجميع: «هذه نتائج مشاهدة الأفلام»! هذا هو حاصل تربيتنا للأسف. يكبتون الأبناء والبنات ويسحقونهم ليكونوا على مزاجهم وحين يتمردون يقولون: «هذه نتائج متابعة المسلسلات التركية»! الإعلام أيها السادة ليس عبدالله بن سبأ جديد، ولا هو بالشيطان المتدثر بثيابٍ فضائية، الإعلام وعاء يعرض علينا ما نطلبه. ولهذا فوسائل الإعلام تحاول إرضاء رغبات المشاهدين أو إقبالهم على هذا البرنامج أو ذاك. وعلى أساس ذلك تطرح برامج أو يبحث عن بدائل، ولو فرضنا أن الأفلام السينمائية أصبحت مرفوضة من قبل المجتمع كله، فلن تضيّع القنوات خيارات المعلنين على قنواتٍ لا يشاهدها أحد. كيف يكون المجتمع يكون إعلامه، هذه هي المعادلة. الإعلام لا يمكن أن يكون شيئاً واحداً، لن يكون كله إخبارياً ولا دينياً ولا ثقافياً و لا ترفيهياً، الإعلام هو مجموعة من الخيارات، وهي خيارات لم تفرض من الماسونية أو الصهيونية العالمية، بل نبعت من المجتمع.  إقبال الناس على الخيار الفلاني يجعله ظاهرة. تلفزيون الواقع الذي بدأ قبل عشر سنوات تقريباً أصبح الآن خارج اهتمامات الناس. الخيارات هي التي تصنع الإعلام والإعلام لا يصنع خيارات الناس بل ثقافة المجتمع هي التي تشكلها وتصنعها. وأخيراً، الإعلام هو جزء لا يتجزأ من أي مجتمع، فلا يجب أن نضع أخطاءنا عليه ونبرّئ ساحاتنا، بل لنتحمل مسؤولياتنا، ولنعترف بأمراضنا. لنترك عادتنا القديمة، فكوارث الأمة عندنا بسبب عبدالله بن سبأ، وهزيمتنا مع الغرب بسبب «بروتوكولات حكماء صهيون»، والتفكك الاجتماعي بسبب الإعلام. لتكن عقولنا أكبر وتحليلاتنا أدق ولنعترف بأخطائنا لنعالجها بدلاً من إلقائها على غيرنا!.