^   في البحرين؛ هل أصبح مسمى ناشط حقوقي صفة تطلق جزافاً على أي شخص يريد أن يتقمص ذلك الثوب أو يراد له أن يظهر بتلك القبعة دونما توافق مع المعايير والمبادئ والأخلاقيات التي يجب أن يتمسك بها المؤمن بالعمل الحقوقي؟! ولو دققنا فعلاً خلف مواقف ونشاطات هؤلاء لوجدنا تحت جلد الادعاء الحقوقي سياسياً مختبئاً يحاول أن يغلّف أهدافه وأيدلوجياته بألوان وزينة الشعارات والمبادئ الحقوقية الجذابة!! إن الناشط الحقوقي هو ذلك الملتزم بمبادئ حقوق الإنسان، تلك الحقوق والحريات المستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنساناً، حيث يستند مفهوم حقوق الإنسان على الإقرار بما لجميع أفراد الأسرة البشرية من قيمة وكرامة أصيلة. أما الناشط السياسي فهو شخص يمتلك خبرة سياسية طويلة، وله دور معترف به في الواقع السياسي، وينتمي لتيارات وقوى، وتكون له مواقف وأيدلوجيا وأهداف واضحة أو مخفية، وإذا ما تجاوزنا حقيقة على أرض واقعنا البحريني بأن العمل السياسي بحد ذاته أصبح يعمل به الجميع، وأصبح المسمى ناشطاً سياسياً لكل من هب ودب؛ فإن كثير من هؤلاء سواء من الدخلاء على العمل السياسي أو العاملين فعلاً في السياسة صار يطلق عليهم مسمى ناشطاً حقوقياً. وكم هو الفرق كبير بين المفهومين. لو أردنا كشف حقيقة مدعي العمل الحقوقي من أي طرف، فيكفي قراءة ما يقومون به أو يصرحون به لنضع حولهم علامات استفهام. فالحقوقي لا يتحدث مثلاً من منطلقات طائفية أو عنصرية، فيقول لأن السنة أو الشيعة أو المسلمين والمسيحيين وغيرهم، ولا تختلف مواقفه بناء على تصنيف الناس لسكان أصليين ومجنسين أو وافدين ومقيمين وقبليين وهكذا، ولا يتحدث في صراع ما عن جرحى وقتلى فئة دون أخرى، ولا يتصدر مسيرات تحمل شعارات سياسية ومطالب سياسية أو معاداة فئة أو جماعة وإن اختلف معها. فكل من يقوم بذلك هو ذو نشاط سياسي ولأسباب وأهداف وتوجهات سياسية ليس لها أي منطلقات حقوقية. فالمفترض بالحقوقي أن يهتم بسلامة وأمن وحقوق الجميع حتى المختلف معه انطلاقاً من كونه إنساناً له قيمة وكرامة أصيلة، فهل الموسومون لدينا بالعمل الحقوقي من مختلف الأطراف هم حقوقيون فعلا أم سياسيون؟! باعتقادي لن يختلف أحد أن 99% ممن يدعون العمل الحقوقي في البحرين ولربما في عالمنا العربي هم سياسيون لديهم توجهات ويسعون لأهداف وأولويات ومصالح سياسية بحته، فكل نشاطاتهم وتصريحاتهم تؤكد ذلك وتدلل عليه!! لكن السؤال المهم هو لماذا يدعون العمل الحقوقي؟! لعل من أهم مسببات ذلك كونه يتماشى مع مع النغمة الدولية السائدة مؤخراً (شعبياً وسياسياً) التي باتت تستخدمها وتضغط بها الدول الكبرى لتحقيق مصالحها وأهدافها، خصوصاً في الدول التي تصنف بأنها عالم ثالث أو غير ديمقراطية، فمع التقدير الشديد للمعاني السامية لمبادئ حقوق الإنسان إلا أن تطبيقاتها على أرض الواقع انتقائية ومشبوهة وباتت ورقة تلعب بها الدول المهيمنة، فكثير من (الحقوقيين) ليسو أكثر من نافذة تعطي المبررات للمنظمات الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدانهم، إذ أن العديد من هذه المنظمات الدولية أصلاً ما هي إلا دكاكين سياسية بواجهات حقوقية. كما أن من الأسباب المهمة التي تدفع السياسيين للبس قبعة الحقوقيين الاعتقاد أو التظاهر بأنهم فوق القانون، فيعطي لنفسه الحق بتعدي القوانين بل دعوة الناس لعدم الالتزام بها وخرقها. وفي حال تم التعامل مع خروقاته ثار وثارت معه دول كبرى ومنظمات (سياسية - حقوقية) دفاعاً عن ابنها البار، ومارست مختلف ضغوطاتها على تلك الدول التي تجد نفسها أمام هجمة وتلويحات بمواثيق ومعاهدات ومنظمات وربما عقوبات وعزلة وغيرها، فلا يكون أمامها غالباً سوى تقديم التنازلات وعدم تطبيق القانون وهو أمر بحد ذاته يشجع على ظهور المزيد من هؤلاء (الحقوقيون)!!. الواضح أن السياسي تحت جلد الحقوقي (من كل الأطراف) في غاية الخطورة على المجتمع وعلى قضاياه وحلحلة مشاكله، لأنه تاجر شنطة شاطر قادر على اختطاف إرادة أتباعه واستغلال اندفاعهم إذ عادة ما يكونون من الشباب المتحمس مما يسهل عليه التحكم بهم لتنفيذ أهدافه، ولو على حساب دمهم وسلامتهم وضياع مستقبلهم نتيجة ما يقومون به من خرق للقانون فيحدث شرخ في المجتمع يهدد لحمته واستقراره، وفي الفريق الآخر يجيِّش (الحقوقي المضاد) أنصاره لمعاداة الخصوم والتحشيد ضدهم ويساهم في تقطيع أوصال المجتمع وتفكيكه، ولو كان هؤلاء فعلاً حقوقيين لما قدموا أهدافهم السياسية ومصالحهم الفئوية على سلامة أوطانهم بكل مكوناتها وأطيافها. بعد كل ذلك نتساءل من جديد؛ كم نسبة السياسيين لدينا ممن يدعون العمل الحقوقي ويرتدون أقنعته ويستغلون مبادئه؟! ^^ شريط إخباري.. كمجتمع يعمل على ترسيخ الديمقراطية والمدنية فإن وجود ناشطين مؤمنين بحقوق الإنسان فعلاً وولائهم لأوطانهم هو مكسب يساهم في حماية مختلف الأطراف والأقليات والمكونات من منطلقات إنسانية ودون اعتبارات أخرى، لكن مهنة الناشط الحقوقي وحتى السياسي أصبحت مهنة من لا مهنة له لأنها طريق لتحقيق المكاسب على حساب المصالح الوطنية دون الاكتراث بأخطارها المتمثلة في التأزيم وزعزعة الاستقرار وإشعال الفتن