^  وسط الصيحات المعتادة “بالروح بالدم نفديك يا فقيه” و«لبيك عيسى قاسم” وجو مشحون بعداء وتشكيك، يقف رجل الدين حامل لواء الدفاع المقدس وصاحب الفتوى الشهيرة “اسحقوهم” الشيخ عيسى قاسم في خطبته الأخيرة تاركاً وراء ظهره كل نتاجات تحريضه على العنف ونسي أفضاله على رجال الشرطة الذين يبيتون لياليهم يئنون بين الموت والحياة في أقسام العناية المركزة والحروق والكسور، والتفت كلية إلى الجنسية والأنساب والأصول، وهو أمر أعتقد أن بلدنا وشعبنا أكبر من الخوض فيه. يرى قاسم أن التشكيك في جنسيته مخالف لكل دين ولياقة وأدب وخلق وكل عرف إنساني، ويرى قاسم أن التشكيك في الجنسيات وحامليها خطأ لا يغتفر، فيما انبرى أتباعه كل يوم وعلى مدى أعوام يؤسسون لخطاب تفريق وتشتيت وتصنيف للبشر وتقسيم المجتمع البحريني لفئات، قاسم يبدو وكأنه يعتنق اعتقادات لا يؤمن بها معظم أتباعه وعلى رأسهم مثقفون وصحافيون يقولون بمنطق المجنس والأصيل، وتشهد بذلك صياغة أخبارهم، فحتى المتوفى في حادث سير يجب أن يذكر -في صحيفتهم- أنه بحريني من أصل عربي أو آسيوي أو غير ذلك، وهو أمر مستهجن لم نعتده في إعلامنا. من جهة أخرى لا يمكن أن يذكروا مثلاً أن شيخ دين أو نائب في البرلمان أو سفير أو وزير من الوزراء بحريني من أصل إيراني، ولم يتحصل جنسيته إلا من فترة ليست طويلة بحسابات التاريخ، وبصدفة مزمنة سيكون هذا المسكوت عنه من طائفة دون غيرها. وصلت بهم الجرأة لأبعد حد وهم يرسمون التاريخ ليكون لهم ويكون على البقية الرحيل أو الخضوع لإرادتهم مهما كانت، حتى الحكم اعتبروه محتلاً، واعتبروا باقي الشعب ضيوفاً عليهم؛ لدرجة أن يقول أحد كبار مثقفيهم بـ«الفم المليان” أنتم راحلون ونحن الباقون. يرى قاسم أن التشكيك في جنسيته ليس فقط تشكيك في المئات من أرحامه بل في كل مواطن مغضوب عليه من السلطة، لا أدري ما رأي قاسم في قمامة الفكر الإقصائي الذي ألقي في طريق الناس على مدى أعوام وكان يؤذيهم وأرحامهم، كثير من البحرينيين.. والعرب من مصريين ولبنانيين وسوريين وغيرهم والآسيويين ممن استحقوا الجنسية، هل يعلم قاسم ما الذي تعرض له كثير من مستحقي الجنسية قانوناً وعوائلهم التي لا بلد لها ولا ملاذ سوى البحرين وبالأخص بعد 14 فبراير وما لاقوه من أذى؟ هل يعلم قاسم أننا اتفقنا مع مطلب إيقاف عشوائية التجنيس لكننا صدمنا بأنها مجرد بداية لتشريح البلد بطريقة أسوأ مما هو حاصل أصلاً؟ هل يعلم أن أفكاره المثالية عن العدالة والحرية والمساواة لا تمت بصلة للواقع والممارسة وأن بلدنا كان ليعبر لبر الأمان لو أنه دعم تسوية سياسية ما منذ بدايات الأزمة بدلاً من الإفتاء بالقتل والسحق؟ نحن نسأل الشيخ عيسى قاسم؛ هل يحق لأي أحد أن يصنف البشر؟ هل يحق لأحد أن يطعن في جنسية البلد الذي يحتضن الجميع سواء المجنس الحديث أو المجنس القديم أو الأصلي كما تقولون؟ هل يحق لأحد أن يقول إن المجنس من بلدان بعينها هو مجنس شرعي مقبول ومجنس من دول أخرى يجب سحب جنسياتهم وطردهم؟ هل يعجبك أن تطرد طفلة من مدرستها وتضرب وتهان ويقال لها يا مجنسة “طلعي بره” المدرسة؟ هل قلت لأتباعك أن هذا يتعارض مع كل عرف وخلق ودين؛ أم هل حييتهم من فوق منبرك وهم الأحرار والحرائر وغيرهم من عيال الناس هم مجرد عبيد يستحقون التحطيم النفسي والهوان أمام الخلق؟ هم من البشر أيضاً لهم أهل وأصول وأجداد وليسوا نباتات شيطانية نبتت وحدها. قد يكون تجنيس غير شرعي قد وقع؛ لكن لنفتح كل الأوراق والملفات، من بدأه وفي أي حقبة؟ ولأي أهداف ومن استفاد؟ قد تكون أخطاء عديدة حدثت لكن علاجها بإشاعة روح العداء العرقي وعلى أساس طائفي بحت كان خطأ أكبر، وهذه إحدى السقطات التي لا تغتفر والتي لن نجد أية الله يتحدث عنها يوماً في إحدى خطبه.